Advertisement
Guest User

Untitled

a guest
Apr 25th, 2019
72
0
Never
Not a member of Pastebin yet? Sign Up, it unlocks many cool features!
text 15.19 KB | None | 0 0
  1. الفصل الثالث
  2. معناها، وأحكامها
  3.  
  4. أولاً: معناها: مراد النحويين ﺑ«الزائد» أنه زائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى، وقد نص على ذلك الزركشي173 . وأحب أن أشير هنا إلى أنه ينبغي أن يتجنب إطلاق لفظ «الزائد» على شيء في كتاب الله تعالى لأن الزائد يفهم منه للوهلة الأولى أنه لا معنى له، وكتاب الله منـزه عن ذلك، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن بيَّن وجوه الزيادة في كلام العرب: «فليس في القرآن من هذا شيء، ولا يذكر فيه لفظًا زائدًا إلا لمعنًى زائد، وإن كان في ضمن ذلك التوكيد، وما يجيء من زيادة اللفظ في مثل قوله ﴿ فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللهِ لِنتَ لَهُمۡۖ﴾ ، وقوله ﴿ عَمَّا قَلِيلٖ لَّيُصۡبِحُنَّ نَٰدِمِينَ ﴾، وقوله ﴿ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ – فالمعنى مع هذا أزيد من المعنى بدونه، فزيادة اللفظ لزيادة المعنى، وقوة اللفظ لقوة المعنى»174 ويرى النحويون أنَّ فائدة الزائد هي التوكيد للكلام175 ، فهو يؤكد معنى ما جيء به لتوكيده176 ، ولا يُحدث إذا جاء شيئًا لم يكن قبل أن يجيء من العمل177 ، ولا من المعنى178 . وقال ابن هشام: «والزائد عند النحويين معناه الذي لم يُؤتَ به إلا لمجرد التقوية والتأكيد»179 . وقال الكافيجي في شرح هذا القول: «الظاهر أنَّ التقوية أعمّ من التأكيد»180 . وقال الزركشي: «ومعنى كونه زائدًا أنَّ أصل المعنى حاصل بدونه دون التأكيد، فبوجوده حصل فائدة التأكيد، والواضع الحكيم لا يضع الشيء إلا لفائدة»181 . وقال البيضاوي: «ولا نَعني بالمزيدِ اللغوَ الضائع، فإنَّ القرآن كله هُدًى وبَيان، بل ما لم يوضَع لِمعنًى يُراد منه، وإنما وُضعت لأِنْ تُذكرَ مع غيرها فتفيد وثاقة وقوة، وهو زيادة في الهُدى غير قادح فيه»182 .
  5.  
  6. ولا تفيد (أنِ) الزائدةُ – عند جمهور النحويين – غيرَ التوكيد، كسائر حروف المعاني الزوائد183 . واستُدلَّ على أنَّها للتوكيد بذكرِها بعد (لَمَّا) في قوله تعالى ﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ﴾ (العنكبوت:33)، وعدمِ ذكرها بعدَها في قوله عزَّ وجلَّ ﴿ وَلَمَّآ جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ﴾ (هود:77)، والقصةُ واحدة184 . وهي في هذا الموضع تؤكد ما تدلُّ عليه (لَمَّا)، و«لَمَّا تُفيد وقوع الفعل الثانِي عقب الأول، وتُرَتِّبُه عليه »185 .
  7.  
  8. ونَسب أبو حيان إلى الزمخشريِّ أنه زعم أنه ينجرُّ مع التأكيد معنًى آخر، فقال في قوله تعالى ﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ﴾: «دخلت (أنْ) في هذه القصة، ولم تدخل في قصة إبراهيم في قوله ﴿ وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَيٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ ﴾186 تنبيهًا وتأكيدًا في أنَّ الإساءة كانت بعقب المجيء، فهي مؤكِّدة للاتصال واللزوم، ولا كذلك في قصة إبراهيم؛ إذْ ليس الجواب فيه كالأول»187 . وأضاف في موضع آخر أنَّ الزمخشري زعم أنَّها تُنَبِّه على السبب والاتصال188 ، وأنَّ هذا «لا يعرفه كُبَراء النحويين».
  9.  
  10. وإذا رجعنا إلى قول الزمخشريِّ في تفسير هذه الآية في (الكشاف) لم نجد شيئًا من ذلك، وإنما نراه ينص على أنَّها تُفيد التوكيد، قال: «أنْ صِلة، أَكَّدَتْ وجود الفعلين مترتبًا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصلَ بينهما، كأنَّهما وُجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لَمَّا أحسَّ بمجيئهم فاجأته المساءة من غير رَيثٍ خيفةً عليهم مِن قومه».
  11.  
  12. وقد راجعتُ تفسير الزمخشري للآيات التي زيدت فيها (أنْ) بعدَ (لَمَّا)، فلم أجد ما يخالف قوله هذا.
  13. وفي (البحر المحيط) أثبت أبو حيان نصَّ الزمخشريِّ الذي نقلناه آنفًا من (الكشاف)، وقال بعده: «وهذا الذي ذكره في الترتيب هو مذهب سيبويه، إذ مذهبه أنَّ (لَمَّا) حرفٌ لا ظرف»( )، ولم يذكر ها هنا ما نَسبه إلى الزمخشري في (التذييل والتكميل).
  14.  
  15. وتَعَقَّبَ ابنُ هشام أبا حيان في ذلك عدةَ تَعَقُّبات، قال: «وليس في كلامه – يعني الزمخشري – تعرضٌ للفرق بين القصتين كما نقل عنه، ولا كلامُه مخالفٌ لكلام النحويين؛ لإطباقهم على أنَّ الزائد يؤكِّد معنى ما جيء به لتوكيده، و(لَمَّا) تُفيد وقوع الفعل الثاني عقبَ الأول، وتُرَتِّبُه عليه، فالحرف الزائد يؤكد ذلك. ثم إنَّ قصة الخليل التي فيها ﴿ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ ﴾ ليست في السورة التي فيها ﴿ سِيٓءَ بِهِمۡ﴾، بل في سورة هود، وليس فيها (لَمَّا). ثم كيف يتخيل أنَّ التحية تقع بعد المجيء ببطء؟ وإنَّما يَحسُن اعتقادُنا تأخر الجواب في سورة العنكبوت إذ الجواب فيها ﴿ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ﴾. ثم إنَّ التعبير ﺑـ«الإساءة» لَحْن؛ لأنَّ الفعل ثلاثيٌّ كما نَطق به التنـزيل، والصوابُ: المَساءة، وهي عبارة الزمخشريِّ»
  16. وأقول: ما نسبه أبو حيان إلى الزمخشريِّ يحتمل أمرين:
  17. أحدهما: أن يكون الزمخشري قد قاله في كتاب آخر غيرِ «الكشاف»، أو في نسخة من (الكشاف) فيها زيادة على النسخة التي بين أيدينا.
  18. والثانِي: أن يكون هذا القول لغيره، ووهم أبو حيان في عزوه إليه.
  19. والاحتمال الأول أرجح عندي لثلاثة أسباب:
  20. الأول: أنَّ أبا حيان لم يعين الكتاب الذي ذكره الزمخشريُّ فيه.
  21. والثاني: أنَّ أبا حيان نسب هذا القول إليه في أكثر من كتاب من كتبه.
  22. والثالث: قول الزركشيّ في أثناء حديثه عن (لَمّا) في كتابه (البرهان): «يختلف المعنى بين تجردها مِن (أنْ) ودخولها عليها، وذلك أنَّ مِن شأنِها أن تدل على أنَّ الفعل الذي هو ناصبها قد تعلق بعقب الفعل الذي هي خافضته مِن غير مهلة، وإذا انفتحت (أنْ) بعدها أَكَّدَت هذا المعنى وشَدَّدَتْه. ذكره الزمخشريُّ في (كشافه القديم)، قال: ونراه مبينًا في قوله تعالى ﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا ﴾ الآية، كأنه قال: لَمّا أَبْصَرَهم لحقته المساءةُ وضيقُ الذَّرْع في بديهة الأمر وغرّته»190 . فهذا النص لا يختلف في المعنى عن قول الزمخشري الذي نقلناه قبل قليل مِنَ الكشاف، إنَّما يختلف في اللفظ فقط. لكنه يدل على أنَّ الزمخشري قد تحدث عن الفرق بين (لَمّا) المجردة مِن (أنْ) و(لَمّا) المقترنة بِها.
  23. فقوله: «ذكره الزمخشري في كشافه القديم» يدل على أنَّ للكشاف نسختين، وفي النسخة القديمة أقوال ليست في النسخة الجديدة؛ ويمكن أن يكون أبو حيان قد أخذ هذا النص من النسخة القديمة. ومع هذا فإنَّني لا أستبعد أن يكون للزمخشريِّ في هذه المسألة قولان.
  24.  
  25. وعَلَّلَ الدَّمامينيُّ دخولَ (أنْ) بعد (لَمَّا) في سورة العنكبوت وعدمَ دخولها بعدَها في سورة هود – والقصةُ واحدةٌ – بأنَّه «لَمَّا رُتِّبَ في آية هود على مجيء الرسل لوطًا – عليه السلام – أمور، هي: مَساءتُه، وضيقُ ذَرْعه بِهم، وقولُه ﴿ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ﴾، ومجيءُ قومه يُهْرَعون إليه – لم يُؤتَ ﺑ (أنْ) لمنافاة معناها لِهذا المقام، وذلك أنَّ مجموع هذه الأمور المُرَتَّبة في هذه الآية من حيث هو مجموعٌ ليس شديد الاتصال لمجيء الرسل حتى يُعَدَّ المجموع كأنه واقع في جزء واحد من الزمان؛ ودخلت في آية العنكبوت لأنه لم يُرَتَّب فيها على مجيء الرسل غيُر مَساءةِ لوط وضيقِ ذَرْعه، وهما شديدا الاتصال بذلك المجيء، فأتى بِها إشعارًا بِهذا المعنى، كما قال الزمخشريُّ، فتأمله»191 .
  26.  
  27. وذكر أبو حيان أيضًا أنه نُقل عن أبي علي الشَّلَوْبِينِ أنه قال: «إنَّما كانت دالَّةً ومنبهة على السبب، وأنه وقع بعَقِبه الإساءة؛ لأنَّها تكون للسبب في قولك: جئتُ أنْ تعطيَني، أي: للإعطاء، فلما كانت هنا مفعولاً من أجله دَخلتْ هناك تنبيهًا على أنَّ الإساءة كانت لأجل المجيء. وكذٰلك في قولهم: أَمَا واللهِ أنْ لو فعلتَ لفعلتُ، أكدتْ (أنْ) ما بعد الواو، وهو السبب في الجواب الذي عليه لو»192 .
  28.  
  29. واعتُرض على ما نُقل عن الشلوبين من وجهين:
  30. أحدهما: أنَّ المفيد للتعليل في المثال الذي ذكره إنَّما هو لام العلة المقدرة لا (أنْ)، والتقدير: جئتُ لأنْ تعطيَني.
  31. والثانِي: أنَّ (أنْ) في المثال مصدرية، والبحث في الزائدة193 .
  32.  
  33. وثَمَّ مذهب غريب في هذه المسألة لبعض المتأخرين، وهو أبو البقاء أيوب ابن موسى الحسيني الكفوي المتوفَّى سنة (1094ﻫ)، فقد ذهب إلى أنَّ (أنْ) إذا توسطت «بين (لَمَّا) والفعل دلت على أنَّ الفعل فيه تراخٍ، كما في قوله تعالى ﴿ فَلَمَّآ أَن جَآئَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَٮٰهُ عَلَيٰ وَجۡهِهِۦ ﴾»194 .
  34.  
  35. ثانيًا: أحكامها:
  36. 1- علامتها: الزائد195 في اصطلاح النحويين: ما كان دخوله في الكلام كخروجه مِن غير إحداث معنًى196 . وذهب الكافيجي إلى أنه إنَّما سُمّي زائدًا لأنه لا يتغير بحذفه أصل المعنى197 .
  37. وقد قال ابن مالك في (أنِ) الزائدة: «والزائدة تَمتاز بأنَّها لا تقع إلا في موضعٍ غيرِ صالحٍ لغيرها»198 . يعني: غير صالح لغيرها من أقسام (أنْ). ثم ذكر أنَّ مواضع زيادتِها ثلاثة، هي: بعد (لَمَّا) المقابلة ﻟ (لو)، وقبل (لو) في القَسَم، وبينَ كاف الجر والمجرورِ بِها199 . وفي كتاب آخر ذكر أنَّها تقع بعدَ كَلٍّ مِن (لَمَّا)، و(إذا)، و(كاف التشبيه)200 . وبالمقارنة بين هذين القولين نرى أنه قد أضاف في الموضع الثاني زيادتَها بعد (إذا)، وحَذف منه ما ذكره في الموضع الأول من زيادتِها قبل (لو) في القَسَم.
  38. وقال ابنه بدر الدين: «والزائدة هي التي دخولها في الكلام كخروجها»201 .
  39.  
  40. 2- تأصيلها: هي حرف بسيط ثنائي الوضع مركب من الهمزة ومن النون فقط. ولذلك إذا سَمَّيتَ بِها أعربتَها ﻛ (يَدٍ)، فقلت: قامَ أَنٌ، ورأيتُ أَنًا، ومررتُ بأَنٍ، فإذا صَغَّرتَه قلتَ: أُنَيٌّ، فتزيد عليه حرفَ علة، وتُدغم فيه ياء التصغير202 .
  41. وذهب بعض النحويين إلى أنَّها هي المثقلة، خُففت، فصارت مؤكِّدة203 .
  42.  
  43. 3- الوقف عليها: ذكر ابنُ جِنِّي أنه لا يَحسُن الوقوف على (أنِ) الزائدة لأ نَّها وقعت موقعًا لا يَحسُن الوقوف عليها فيه؛ فهي إذا وقعت بعد (لَمَّا) كانت معترضة بينها وبين ما أُضيفت إليه، ولا يَجوز الوقوف على المضاف دون المضاف إليه إلا لضرورةِ انقطاع النَّفَس؛ لأنّ المضاف والمضاف إليه يجريان مجرى الكلمة الواحدة، فكما لا يجوز الوقوف على جزء من الكلمة دون بقيتها كذلك لا يجوز الوقوف على الكلمة التي نـزلت من الكلمة التي تليها منـزلة الكلمة الواحدة.
  44.  
  45. وكذلك حين تكون بين الكاف ومجرورها، فهي في هذا الموضع أحرى بألاَّ يجوز الوقوف عليها؛ لأنه لا يُوقَف على حرف الجرِّ دون مجروره.
  46. وغير جائز أيضًا الوقوف عليها إذا فَصلتْ بين حرفِ النفي والجملةِ التي نفاها؛ لأنه لا يجوز الوقوف على الحرف الداخل على الجملة؛ إذ لا يجوز الوقوف على (هل) من قولك «هل قام زيدٌ» لضعف الحرف وعدم الفائدة أن تُوجد فيه إلا مربوطًا بِما بعدَه
Advertisement
Add Comment
Please, Sign In to add comment
Advertisement