خطبة ابوي

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه خطبة عيد الفطر لفضيلة الشيخ محمد بن علي السعوي - رحمه الله - ( ١٣٧٣- ١٤٢٥)
ربما يستفيد منها الخطباء والوعاظ وطلبة العلم في موسم عيد الفطر
أسأل الله أن يجزل الأجر للشيخ محمد وأن ينزل عليه في قبره شآبِيبَ رحماته إنه سميع قريب
المرجع :
كتاب استئناس الخطيب والواعظ بالخطب والمواعظ ، الطبعة الأولى ، الجزء الثاني ص ٢٣٣
لمؤلفه الشيخ محمد بن علي السعوي - رحمه الله -

                          التقوى والشكر

‏الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ‏ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مولى الذين آمنوا ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) يونس آية ٦٢
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الصادقين المصدقين ‏أولئك هم المتقون ‏وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ممن تزكى وذكر اسم ربه فصلى ‏أولئك هم المفلحون
 الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
‏أما بعد : فيا أيها الذين آمنوا اتقو الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
معشر المسلمين والمسلمات : إن هذا اليوم هو يوم عيد الفطر من رمضان فهنيئا لمن تزود من التقوى

‏قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة آية ١٨٣ هكذا ختم الله أول آية في الصيام بقوله (لعلكم تتقون) كما ختم آخر آية في الصيام بقوله ( كذلك يبين الله آياته الناس لعلهم يتقون ) البقرة ١٨٧
 ‏فقد جعل سبحانه التقوى غاية للصيام والأعمال في رمضان
‏
فهل تدرون أيها المسلمون ما هي التقوى ؟ ومن هم المتقون ؟ وما هي علاماتهم وصفاتهم ؟ وماذا جعل الله لهم في الدنيا ؟ وماذا أعد لهم  في الآخرة ؟

‏إن التقوى أيها المسلمون هي كما قال طلق بن حبيب -رحمه الله - قال : إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى قالوا ومالتقوى ؟  قال : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله .
‏ولقد أمر الله تعالى بالتقوى وأوصى بها جميع خلقه قال تعالى ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) النساء ١٣١
‏وهي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته كما هي وصية كل  نبي لأمته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (‏أوصيكم بتقوى الله عزوجل والسمع والطاعة) رواه الترمذي وهو صحيح
‏
ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها . كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل :  أوصيك بتقوى الله عزوجل التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل جعلني الله وإياك من المتقين .

‏وقيل رجل من التابعين عند موته أوصنا فقال :  أوصيكم بخاتمة سورة النحل ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) النحل آية ١٢٨
‏
وقال رجل  للإمام أحمد - رحمه الله - أوصني قال : ألزم التقوى قلبك وانصب الآخرة أمامك .

‏وقال ميمون بن مهران -رحمه الله- لا يكون الرجل تقياً حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح

وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر .
‏‏
وقال أنس -رضي الله عنه- لا يتقي الله حق تقاته حتى يخزن لسانه .

‏الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

‏أيها المسلمون : لقد بيّن الله عزوجل في كتابه المبين صفات المتقين و إليكم شيئا منها لنقتدي بمن هدى الله
بسم الله الرحمن الرحيم
(‏الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) البقرة ١-٥

قال بعض العلماء ‏يصف المتقي ويذكر ما يتميز به قال :  يصبح وهمه الذكر ويمسي وهمه الشكر يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعة بعيداً فحشه ليناً قوله غائباً منكره حاضراً معروفه لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه ولا يضيع ما استحفظ ولا ينابز بالألقاب ولا يضر بالجار ولا يشمت بالمصائب ‏ولا يغش ولا يحسد ‏ولا يتدخل فيما لا يعنيه تاركا
  للغيبة والنميمة ومجتنباً قول الزور وظن السوء يعود المريض ويشهد الجنازة ينفس عن المعسر ولا يمن على من يعطيهم لا ينافق ولا يداهن ولا يرائي ولا يباهي .
‏أيها المسلمون لقد جعل الله أمر المتقين ميسورا وسعيهم مشكورا وعملهم مقبولا و أجرهم موفورا وذنبهم مغفورا
 قال تعالى ( ‏ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق ٢-٣
وقال سبحانه ( ‏ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) الطلاق ٤
‏وقال عزوجل : (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) الطلاق ٥
‏وقال تعالى : ( إن المتقين في جنات ونهر .  في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) القمر ٥٤-٥٥
‏الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

‏أيها المسلمون والمسلمات انتهى شهر الصيام فماذا تزودت من التقوى  ؟ إن المتقي لا يأكل الربا ولا يستمع إلى الغناء ولا يقرب الفواحش والخنا ولا يتبع طريق الضلال واللهو والهوى .
‏تزود من التقوى فإنك لا تدري
إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
 فكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم
وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من صحيح مات من غير علة ‏
وكم من عليل عاش حينا من الدهر
وكم من فتى يمسي ويصبح لاهيا
وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم ساكن عند الصباح بقصره
وعند المساء قد كان من ساكن القبر
فكن مخلصاً واعمل الخير دائما
لعلك تحظى بالمثوبة والأجر
وداوم على تقوى الإله فإنها
‏أمان من الأهوال في موقف الحشر

‏اللهم أكرمنا بالتقوى واجعلنا من يخشاك بالغيب والشهادة واجعلنا من المقبولين برحمتك يا أرحم الراحمين

 الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إنه كان للأوابين غفورا

                       الخطبة الثانية
                              الشكر

‏الحمد لله الذي يرضي الشكر من الشاكرين وهو الغني عن العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد بالزيادة الشاكرين وتوعد بالعذاب الشديد للكافرين
‏وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير عباد الله الشاكرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ممن شكر لله أنعمه وسيجزي الله الشاكرين

‏أما بعد فيا أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى واعبده واشكروا له إليه ترجعون
‏معشر المسلمين : اشكروا الله على بلوغ رمضان وإتمامه كلوا واشربوا في هذا اليوم هنيئاً لكم (  كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ) سبأ ١٥
‏قال تعالى : (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) البقرة ١٨٥
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

‏إن يوم العيد يوم شكر لله عزوجل فاجعلوا شكركم - أيها المسلمون - عملاً يحبه الله فإن رضا الله في شكره قال تعالى : ( وإن تشكروا يرضه لكم ) الزمر ٧  وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) رواه مسلم
‏إن شكر الله تعالى هو مفتاح السعادة وسبب الزيادة وقيد للنعم ودفع للنقم  قال تعالى : (وإذا تاذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) إبراهيم ٧

‏ولقد أخبر تعالى إنما يعبده من شكره  قال تعالى ( واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ) البقرة ١٧٢

 الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

أيها المسلمون :  ولتميز جزاء الشكر على غيره فقد وقف سبحانه كثيرا من الجزاء على المشيئة بخلاف جزاء الشكر كقوله تعالى ( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) التوبة ٢٨
وقال في الإجابة ( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ) الأنعام ٤١
وقال في الرزق ( يرزق من شاء ) البقرة ٢١٢
وقال في التوبة ( ويتوب الله على من يشاء ) التوبة ١٥
وأطلق جزاء الشكر إطلاقا حيث ذكر كقوله ( وسنجزي الشاكرين ) آل عمران ١٤٥
وقوله ( وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران ١٤٤

‏ولما عرف إبليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال ( ‏لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) الأعراف ١٧
‏ولقد قضى سبحانه بأن الشاكر من عباده قليل والكافر كثير فقال تعالى ( وقليل من عبادي الشكور ) سبأ ١٣
‏وقال سبحانه (  إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) البقرة ٢٤٣
‏إن في ذلك لبلاغاً وذكرى لقوم عابدين فهل أنتم شاكرون
الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

‏أيها المسلمون : كما يكون الشكر في القلب تصديقا واعترافاً يكون باللسان حمدا وذكرا وثناءً ويكون بالجوارح عملاً وعبادة
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم لك الحمد شكرا ولك المنّ فضلاً

‏الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا للإسلام ومنّ علينا بالصيام والقيام والحمد لله الذي أيدنا بنصره ورزقنا من الطيبات وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة والحمد لله الذي سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة
 الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد

‏أيها المسلمون : ومن الشكر لله تعالى في هذا اليوم صلة الأرحام ونبذ الخصام وتطهير  القلوب من الحسد والحقد وسائر الذنوب

‏ومن الشكر بعد إكمال عدة رمضان مواصلة أعمال الخير فإن عمل المؤمن ليس له أجل من دون الموت قال تعالى ( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين . واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الحجر ٩٨-٩٩
‏
ومن أعمال الخير المشروعة بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال
ليتم أجر السنة كلها صياما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) رواه مسلم رحمه الله
وذلك أن الحسنة بعشر امثالها فشهر رمضان عن عشرة أشهر وستة أيام عن شهرين .

معشر النساء :  ‏ومن الشكر لله تعالى في حقكنّ بالإضافة إلى ما تقدم تقوى الله تعالى فاتقين الله وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى فإذا كان هذا الامر لنساء النبي صلى الله عليه وسلم  ورضي الله عنهنّ وهن أمهات المؤمنين الطاهرات الصالحات القانتات فما بالكن بما بعدهن بل بنساء هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن لا شك أن بيت المرأة خير لها من الخروج إلى الأسواق ومجامع الرجال إذ بخروجها وغشيانها أماكن الرجال تحصل الفتنة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) رواه البخاري ومسلم ‏

فاتقين الله إماء الله وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله وأطعن أزواجكن بالمعروف واشكرن جميلهم ومعروفهم ولا تعترضن عليهم فيما يوجهون ويعملون من الخير وكنّ من الصالحات القانتات فالصالحات حافظات للغيب بما حفظ الله

واحذرن من الألبسة المخالفة لشرع الله التي تظهر الزينة من التضييق وإظهار بعض البدن كالساقين والعضدين والنحر ونحو ذلك ، ولتكن ملابسكن ملابس المسلمات لا ملابس الكافرات والفاسقات ، وعودن بناتكن ألبسة الحشمة الضافية ولا يلبسن الملابس القصيرة فإن في ذلك تشبها بالكافرات وتعويداً على ترك الحياء وإظهاراً للفتنة ،  كما يجب على أصحاب التجارة في ملابس النساء والأطفال أن يتقوا الله  في المسلمين ونسائهم فإن جلب الملابس القصيرة والفاتنة أو التي تحتوي على صور ذوات الأرواح أو شعارات بدعية وكافرة كل ذلك يعد من الإعانة على الإثم والعدوان

كذلك معشر النساء احذرن من التأثر بما قد يرد من الكافرات والفاجرات من العبث بشعر الرأس من حيث قصه أو عمله على طريقة الفاجرات أو غير ذلك من الأعمال التي لا تتفق وكرامة المرأة وحياءها

الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر ولله الحمد

معشر المسلمين والمسلمات  : ‏تذكروا باجتماعكم هذا يوم الجمع الأكبر ذلك يوم التغابن ‏يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ،  فعلينا رحمني الله وإياكم الاستعداد ليوم المعاد

أيها المسلمون : إن يومكم هذا ‏يسمى يوم الجائزة
‏روى الطبراني بسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا كانا يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل ، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم فإذا صلوا نادى منادٍ ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة ) المعجم الكبير للطبراني

 اللهم لك الحمد كله  ولك الشكر كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله إنك على كل شيء قدير