Advertisement
Guest User

Untitled

a guest
Jan 17th, 2020
107
0
Never
Not a member of Pastebin yet? Sign Up, it unlocks many cool features!
text 12.96 KB | None | 0 0
  1. هل يمكن أن نحدد بالنسبة للموسيقي معاني معينة واضحة؟ الإجابة:لا.
  2.  
  3. ما السبب في كون الموسيقي فنًا مجردًا أكثر من الأدب مثلًا؟، أعتقد أن السبب أنها تعتمد أساسها علي سبب مجرد للجمال و هو "التقابل" أو الـ(Symmetry) بأوسع معانيه، فهي تحتوي علي التقابل بين النغم العالي و المنخفض، بين الطويل و القصير، بين أنغام معينة يحدث التقابل بينها تأثيرات طيبة في النفس، بين النغمة السريعة و البطيئة، بين ترتيب أنغام السلم الموسيقي ترتيبات متناسقة، بالإضافة الهارموني هو أيضًا نوع من "التقابل".
  4.  
  5. فجمال الموسيقي في نظري شبيه جدًا بجمال المناظر الطبيعية، السبب واحد تقريبًا: التقابل، هنا بين الأنغام و هناك بين الخطوط و الأشكال. و لهذا في كليهما يستحيل أن تحدد: ما الشعور المعين الموضوعي الذي أثاره فيك المنظر الجميل أو الموسيقي الجميلة، مع أننا نستطيع أن نتفق علي أن هذا المنظر جميل أو قبيح. حيث أن هذا التقابل أو التناسق له القدرة علي أن يفتح في صدورنا الباب لانفعالتنا.
  6.  
  7. و يلاحظ أنه كلما تعقد هذا التقابل: أثرت فينا الموسيقي أكثر، واحتاجت إلي مرات أكثر للاستماع إليها حتي ننسجم منها و حتي ندرك هذا التقابل المعقد، و كلما كانت متعتنا أكثر قابلية للاستمرار.
  8. حيث لا أظن من الممكن استخلاص معانِ واضحة من الجُمل الموسيقية أو من المقطوعة الموسيقي كاملة، في الأدب نعم، أو حتي في التصوير، يلزم للفنان أن يدرك الفكرة أو الإحساس الذي نقلهما إلي الغير إدراكـــًا واعيًا واضحًا قبل البدء في عملية الخلق الفني، أما في الموسيقي فيكفي أن يشعر الموسيقي بإحساس غامض و لكنه قوي، دو أن يُقدم أو حتي أن يعبأ بتحليله لمعرفة كنهه حتي يبدأ في وضع اللحن. , هذا هو السبب في كون الموسيقي فنًا مجردًا أكثر من الأدب. سأعطيك مثلًا: تشيكوف مرت به تجربة في بيت من بيوت الدعارة أثارت في نفسه كراهية عميقة لهذا النظام. هذه الكراهية عبر عنها في قالب فني في قصة " انهيار عصبي". أقرأ أنا هذه القصة فتسري في عدوي الكراهية لنظام البغاء. بسريان العدوي يكون الأدب قد حقق الغرض منه.
  9.  
  10. يختلف الحال في الموسيقي الكلاسيكية فأنا أسأل مثلًا: هل حدث إطلاقًا أن أثار فيك المارش الجنائزي في سيمفونية بيتهوفن الثالثة عاطفة الحزن؟ هل أثارت فيك الحركة الأولي في سيمفونة السادسة الابتهاج بالحياة؟ لا أعتقد. ما تتركه الموسيقي الكلاسيكية في النفس هو أثر غامض أو مائع كشعور المؤلف قبل وضعه اللحن، تجعلك تريد شيئًا لا تعرف ماهيته، و تشعرك بإحساس – هو دخيل عليك- لا تدري طبيعته، قد تكون في حالة من الحزن فتقرأ "ميليكيرت" لمولبير فتضحك، و قد تكون في حالة من المرح فتقرأ " مومو" فتدمع عينك. هل للموسيقي الكلاسيكية هذا الأثر؟ للموسيقي الشعبية، نعم، كألحان الفلاحين التي تثير المرح، و في بعض الموسيقي الكلاسيكية أيضًا كموسيقي باخ المثيرة للشعور الديني. فيما عدا ذلك لا ألمس لموسيقي شخص كبراهمز أو فاجنر أو حتي سيمفونيات بيتهوفن أثرا في نفسي علي الإطلاق، سري شعور غامض عقيم كالماء الذي عكرت هدوءه بإلقاء حجر دون سبب.
  11.  
  12. تمثيلية " إجمونت" مثلًا لجوته التي صوّر في اضطهاد الحريات في الأراضي الواطئة في عهد الحكم الأسباني، و نبل الكونت إجمونت المناضل لإزاحة الظلم، تخرج من هذه المسرحية و أنت تعد نفسك في ذهنك :
  13.  
  14. " I will be wise, and just, and good, and free, if in me lies such power.
  15. For I am sick to behold the selfish and strong sill tyrannize, without reproach or check..etc"
  16.  
  17. قارن ذلك بافتتاحية إجمونت لبيتهوفن" هل مجرد الاستماع إليها يثير فيك الشعور بكراهية الظلم و الاضطهاد؟ فإذا كان التقابل وحده هو العنصر المهم في الموسيقي فلماذا سماها بيتهوفن "إجمونت".
  18. فلازال عنصر التقابل أساسيًا في نظري لتفسير جمال الموسيقي، بل و في الفنون كلها، و لكن إذا تساءلنا عن السبب في ذلك تبين لنا أن أهم عنصر في الجمال الفني، و لعله هو الذي يجعل العمل عملًا فنيًا بدلًا من أن يكون أي شيء آخر، هو ما يمكن أن يعبر عنه " إثارة توقع معين ثم تحقيقه هذا التوقع أو علي الأقل عدم تخييبه كليةً.
  19.  
  20. To arouse a certain expectation, and then to satisfy this expectation, or at least not to disappoint it completely
  21. فمهمة الفن هو جرّ الشخص الذي "عرّض" نفسه للفن، الي توقع معين، يختلف نوع باختلاف الفن، ثم تحقيق هذا التوقع.
  22.  
  23. خذا مثال للموسيقي: يبدأ المستمع بالاستماع الي نغمة معينة، أقصد "note" واحدة، مثلًا: لا، أو سي أو دو.. إلخ. مجرد هذه الـ " note" تجعله أن يعقبها أخري من نوع معين حيث أن كل نغمة موسيقية هي في الواقع " موحية" (suggestive) بنغمة أخري. منذ هذه اللحظة يقع المستمع في الشرك، و يكون عليه الاستمرار لتوقعات مختلفة و إرضاءات مختلفة لهذه التوقعات حتي تنتهي القطعة، "فيحرّر" المستمع من جديد. علي أن التوقعات في الموسيقي لا تقتصر علي ما تثيره كل نغمة من توقع نغمة أخري، بل بالإضافة الي ذلك، كل تركيب موسيقي و كل جملة موسيقية تثير توقع ما يقابلها، ثم يأتي "التقابل" إرضاء لهذا التوقع.
  24.  
  25. لتوضيح هذا الكلام الغامض، دعنا ننتقل لحظة الي الجمال في الأشكال الهندسية، الرسم الزخرفي ما هو إلا إثارة للتوقع و إرضاء التوقع بطريقة بالغة السذاجة إذ ليس أسذج و أبسط التوقع إرضاءً تامــًا علي طريق التكرار الكامل، المربع أو المستطيل. إنهما شكلان مريحان و السبب أن كل نصف "يثير" توقع نصفًا آخر مشابهًا له، , الشكل يحقق هذا التوقع.
  26.  
  27. و الآن، فإن مهارة الفنان تتوقف علي مقدرته علي إرضاء التوقع إرضاءً متوسطًا، لا هو بالإرضاء الكامل و لا هو بتخييبه خيبة تامة. إرضاء التوقع إرضاء كاملًا هو فن ساذج أو بدائي، و لكن تخييبه خيبة تامة هو انعدام الفن، فالرسم الزخرفي من تكرار حرفي للشكل الواحد هو فن ساذج لإنه إرضاء كامل للتوقع، و الموسيقي المعتمد علي الإيقاع المتشابه المتكرر، كموسيقي الشعواب البدائية هو فن ساذج لنفس السبب.
  28.  
  29. و كلما كان الــ" Symmetry " كاملًا، كان الفن ساذجًا، و في الأدب نفس الشيء. طالما توقع القارئ لم يثر بعد، يظل القرائ بعيدًا عن الشرك و غير متأثر بالفن، يبدأ توقعه حينما مثلًا يبدًا وضوح شخصية معينة من شخصيات الرواية، حيث يتوقع القارئ تصرفات معينة منها، كلما تحقق هذا التوقع شعر القارئ بتمتع، هو التمتع بالجمال الفني، وهو ليس إلا لتحقيق توقعه، و لكن هذا التوقع و تحقيقه يمكن أن يتم بشكل ساذج، فيكون الفن فقيرًا، أو ماهر فيكون الفن رفيعًا. فعندما يقرر الكاتب صراحة أن فلانًا شخصية قوية مثلًا، يفسد كثيرًا من لذة القارئ كما هو متوقع يفسد اللذة الي حد كبير و يحل محلها الملل، إذا ما سبب الملل إلّا حصول المتوقع كاملًا.
  30.  
  31. من ناحية أخري فإن حصول ما هو غير متوقع كلية هو فشل الفنان فشلًا كاملًا، بحيث لا يصبح العمل فنًا إطلاقًا، فما الموسيقي النشاز إلا أنغامًا غير متوقعة بالمرة، و سبب عدم جمال المجموعة من الخطوط المرسومة بدون ضابط هو أنها خطوط غير متوقعة، و كذلك عدم "وضوح الشخصية" في الأدب أو عدم كونها حية، ما هي إلا تنافض بين الشخصية المصورة في القصة و بين ما توقع منها.
  32.  
  33. أعتقد أن من الواضح إلي حد كبير أن الموسيقي فن يشترك في الاستمتاع به أكبر عدد من الناس، يليها الأدب، يليه الرسم و لنحت، و أن السينما أكثر من القصة المكتوبة جذبًا للناس. لماذا؟ لأن الموسيقي تتمير عن الرسم و النحت مثلًا بأنها فن يخلف التوقع و إرضاء في لحظتين مختلفتين بينما الرسم و النحت يواجهك بالتوقع و إرضاءه في نفس اللحظة.
  34.  
  35. و الأدب مثل الموسيقي في هذه النقطة، إلا أنه يتطلب أولًا مجهودًا إيجابيا من القارئ، ثم إن الزمن الذي يستغرقه لكي يثير التوقع أكبر منه في حالة الموسيقي، وقد يفقد القارئ صبره قبل ذلك.
  36.  
  37. و السبب في أن الموسيقي الكلاسيكية الغربية تثير إحساسًا أعمق و أقوي من الموسيقي الشرقية هو أنها معقدة أكثر، و التعقيد بطبيعته يحمل توقعات و إرضاء أكثير مما تحمله الموسيقي البسيطة.
  38.  
  39. أما المشاعر الإنسانية النبيلة التي تعقب الاستمتاع بعمل فني معين فهي ليست ناتجة عن مجرد التعرض لعمل فني، بل ناتجة عن مضمون العمل نفسه. فالعمل الفني أثره قاصر في ذاتِه علي إدارة العجلة، , مضمونه هو الذي يحدد اتجاه العجلة.
  40.  
  41. و لما كانت الموسيقي أكثر الفنون التي تخلو من المحتوي و لهذا تعتبر "The purest of all arts" أمكن استخدامها في إثارة ما شئت من العواطف، النبيلة و الخسيسة علي السواء، في إثارة الحروب و في إثارة العطف علي السواء.
  42. إذا كان هذا هو الشيء المشترك في الفنون، فما هو الإختلاف؟ الإختلاف هو في الأداة المستعلة في إثارة التوقعات و إرضاءها. و لكل أداة طبيعتها الخاصة التي لها آثارها الخاصة في الإنسان. فأداة الأدب هي الكلمة. في كل الآداب ما عدا الشعر: الأداء هي معني الكلمة فقطـ بينما في الشعر، معني الكلمة و موسيقاها، و في الموسيقي: الصوت، و في الرسم و النحت و المناظر الطبيعية: الشكل، و في الرقص: الحركة و الموسيقي، في السينما: كل هذه الأشياء المجتمعة.
  43.  
  44. هناك رأي لشوبنهاور أكثر إختصارًا سنذكره فيما بعد.
  45.  
  46. A Generalized Theory Of Artistic Expectations!
  47. By Galal Amin
Advertisement
Add Comment
Please, Sign In to add comment
Advertisement