VE-13

لديك كُل الحق في قراءة هذه النُسخة , في حال أردت أن تدعم أصحاب الرواية الحقيقيين , إشتريها مِن هُنا

                 الخِتام l الفهرس l الفصل السابِق




فَــــــــيُوليـــت إيفـــرجـــارديــن




السِكَّــة الحديديـة التي تنــحدِر مِـن بلد الجنوب ذا الخط الساحلي الشهير - ليدِنتــشافتــليش - و توسيـع إمتـِـدادِهـا لتشمـل أخيراً أُمَم الشمـال.. كان أمراً سابِق العهـد.



وَسائِــل النقل العامَّــة كانت بالتـأكيد نافِــعــة للتنقُــل في أرجاء تِلك القارة الواسِـعة, لكِـن أن تقطع السِكك الحديدية و القِطارات حول جميع أنحاء البر , كان يُعتبر أكثر مُساهمــة و ذا نفع أكبر, ليس مِـن أجـل الفرد وحده, إنَّمـا لِلمُجتمع أجمع.. يمكِــن القول أنَّ هذا الإنجـاز الذي طرأ كان بِسبب إنتِــهاء تِلك النِزاعات السطحيـة بين الشمال و الجنوب و التي خلَّفـــت حرباً مشؤومـة ماضية..



المعلومــات التي تُفيــد بإن مراسِـــم حــفل ستُـــقام بِمُنــاســبة مُـــغــادرة و بِداية المِشوار لِذلِك القِطــار القاري, قد إنتــشرت بِسُرعــة في العَــاصِمــة ليدِن, كذلِك سارع الأُنــَــاس مِـن أجـل شِــراء التذاكِــر لِتِلك الرِحلـة الأُولـى... في اليوم التالي,, الصحيــفة الصباحيـة الإِخــبارية و التي تناولت بِشكـل كبير موضوع مراسِـــم الحفل, ستـُوزَع ليس فقط في أرجــاء ليدِنتــشافتــليش, إنَّمــا أيضاً إلـى الـدول المُجاوِرة.



و على الرُغـم مِــن كونِــه موضوعاً لا أهمية له بالنسبة لأولئِــك الغير مُهمتميــن في الحدث,, هيئــة تِـلك الإمـرأة الوحيدة وسط تِــلك الصور المُنشـرة لِأنـاسٍ يسارِعون بِـ شِراء التذاكِـر, كانت تزرع أحَــاسِــيساً جوهرية و خفِّــية في أولئِــك الذين يعلمونـَــها.. لــوكس سيبِــل , و التي كانت لِتتواجـد في مركـز سي إِتــش كـأول شيئ تفعله عِندمـا يبزغ الصباح, إبتسمــت بِفــخر عِند مُلاحظتِــها لِصديقتِـــها الجميـلة وسط تِلك الصور... كَــاتِــبٌ روائي كان يهمُـــس كلِمــاتٌ وسط مشهـد مِـن الجِبـال و بِمعنـوياتـُـه المُرتفِعـة عِـند عُثورِه على كنـــز وسط صُور المقال , و قام بتعليقِـــها كَـ ديكُــور لِـ حائِـط منــزِلِـه.. فَــلَكيٌّ شــاب و في مُنتــصف رِحــلتـِـه إشتــرى نُســخــتــين إضافتــين مِـن نفس الصحيــفة مِــن بعد لحظة إنذِهـال أصابتــه,, و كـــاتــليا كذلِك, التي كانت تعمـل في مكان بعيد عن المكتب, قامت بِــ سؤال عميلِــها عن من هي الأظرف, ما إذا كانت هي أو تِـلك المرأة الموجودة في المقال... شخصٌ أخــر و الذي لم يرَ وجهها لِفترة طويلـة, أعــزل نفســه بتـقفي أثار و ملامِــح تِـلك المرأة بِحافة أصابِعـه.



لــقـد كـانت مُجرَّد صورة, لكِـن في صباح ذاك اليوم, هَــاجِــسٌ يوحي بأنَّ شيئًا مُميَّز على وشك الحدوث , كان محفوراً بشكل بارِز في أذهان أُولئِــك الذين عَـــاشَــروا فَـــــيُوليــت إيفـــرجاردين.



مراسـِــم حـفــل المُغـادرة أقيمــت في محطـة ليدِنتــشافتــليش عِــند الساعـة الثانية بعد الظُهــر, و عِـند الساعـة الثالِــثة, غَــادر القِطــار المدينة بعد إنتِـهاء الإجراءات و صعــود المُســافريـن على متن القِطــار القارِّي... الأطــفــال الذين كانوا على القِطــار لِمرَّتِــهِــم الأُولـى وضعوا أجسادَهُـم بالقُرب مِـن النوافِـذ و شاهــدوا المظهــر بإعجــاب, و تفــاخــروا على بعضِهِــم البعض بِسبب حظِّهِــم الجيد الذي سمح لَــهُـم بأن يكونوا على متن الِرحـلة الأُولـى.. أُولئِـك الذين كانوا على متن الرِحـلة بأغــراض تتعلَّق بِـ مجال عملِهِــم كانو راضيــن بِسبب العِنـاية في خدمات العُملاء و بالقيادة الآمِنــة لِلقطار, و أولئِـك الذين حــجـزوا لأنفُسِــهِــم الحُجُرات الخاصة في القِطـار قد سُـــرِقـت قُلُوبَهُــم بتِـلك الراحـة التي أرغمــت أجسـادَهُـم على النُعــاس.



إستــمرت الرِحــلة دون عقبات بشكل عام.. فقط بِضعـة مشاكِـل صغيرة قد واجهتــهُـم كَـ الموظفين المسؤوليـن عن نقل أمتِـعـة المُسافِــرين و إنتـهى بِهِـم الأمر في نقلِهـا إلـى الغُرفة الخاطِـئة, أو كـ عميل وجد قِطــعـة بصـل صغيرة لِـ الطبق الذي طلبهُ خالياً مِن البصل مِن المطبخ ما تسبَّب لهُ أن يشعُر بالغضب,, لكِـن مُجملها لا يُعتبر بالشيئ المُهِــم.



المــشــهد خَــارِج النوافِــذ كان يُصبَــغ باللون الأحمــر لِلشفق بالتدريج, و مِـن بعد مرور ساعـة مِن المُغادرة, العالَــم خَــارِجــاً يُحـاط بِعلامَــات على قُرب حُلول الليل... مرَّةً كُــلَّ ساعـة يحتـاج القِطــار إلى إعـادة تعبِئَـة خزَّاناتِـه بالميـاه.



" سنــــتــوقــف قريباً على نُقطـــة الإمداد بالميــاه مؤقَــتَـاً, لِــذا يُرجـى الجُــلوس على مقاعِــدكــم بِسبب الإهتِــزاز الذي ستحدِثُه المكابِح. ". المُضــيــف نَبَّــه العُمــلاء في كُــل حُجـرة.



بينمـــا كــان النَّاس مسحورين و مذهُوليـن تماماً بِهذِهِ الرِحــلة, الموظفُـون الذين كانوا يحمِلون مُهِمـة الأبلاغ لم ينووا أن يمحـو البهجـة التي تعلـو أولئِـك الذين لايزالـون واقفيـن على أقدامِهِـــم دون أن يجلِسـُـوا.. كما كان هُنــاك العديد مِنهُـم من كان يُشاهِـد المظاهِـر خَـارِجـاً بينما يحتــسُون المشروبــات الكحولِّيـــة.. فَــ أولئِــك في مِزاجٍ جيِّــد ما كانوا ليستمِـعوا إلـى أوامِــر الآخريـن.. المُضيـف الذي كان يلفُـظ بالتحذيرات,  بينما كان يمشي إلـى جَــانِـب أولئِـك العُمــلاء و يطلُب مِنهُـم بِـ لُطف أن يجلِسوا على مقاعِدِهِـم , إبتــسم بينما كان يُفكِــر بِـ " يا لَهُــم مِـن عُملاء مُزعجين "..



كــــــانت رِحــلة رائِـعــة بِشكــل إستِثنــائي.... ما كــان لأحـد أن يتصور بأن تحدُث أي مأسي خِــلالهـا. و ما كانوا ليُلاحِـظوا تِـلك التصرُّفاتٍ مشبوهــة لبعض الأفـراد..... حقيــقة أنَّــهُــم طعنــوا رقبــة المُضيــف و شقَّــوهــا بِسكيــن كانت غير ملحوظـة أيضاً..



في ذاك اليوم. الذي كان مِن المُفتـــرض أن يكون يوماً رائِعــاً لِلعديــد  .





______________________________________________________





في الساعـة الرابِعـة و النِــصف,, تحت سمـاء الخريف ذات السُحُـــب الكثيــفة, جُــثَّــةٌ قــد رُمــيــت على السِكــَّـة الحديديَّــة و كــأنَّــها مُجرَّد قـــذارة.. تدحرجــت تِلك الجُثَّـــة على الأرض و قبــل أن تــكون وجبـةً تلتهِــمُــها الغِــربـان بِــشراهــة, عُــثِــر على تِـلك الجُــثَّــة مِــن قِــبل مَــالِك مــَــرج و الذي صادف أن مرَّ بِجــانِبِــها... كَــ تــســاقط قطــرات المطر على ســطــح بُحيـرة, بِــ عثور ذلِك المَـالِك على تِلك الجُثَّــة, كان أمراً يُلمِّــــح أن عـَــاصِــفةً على وشك الحدوث... القطــرة الأولى كـانت تِـلك الجُثَّــة.. مِـن ثُــم, قطــرة, قطــرتــان تَــلــت ذلِك السقوط, مــا أنــذر على أنَّ عَــاصِـفةً أخـذت تقترب بالتدريج .



السُــلُوك الغير طبيعي الذي أحــدثــه ذلِك القِطــار القَــارِّي , و الذي كان مِـن المُفتــرض أن يتوقف عِند بِضعـة محطَّـات كما كان مُخطَّطــاً, إلا أنَّــهُ كان يتخــطَّــاها بينمــا كان المُســافرين على متنِـــه, مِمَّــا أحدث كثيراً مِن الجدل و أثــار الشُبُهــات نحوه , و فـي نُقطـة مُحدِّدة مِـن تفاقُــم الأحداث إحتــشد الجيش و إستـعدَّ لِلتحرُك.. أولاً, قــد جـاء تقرير مِــن الموظَّفيــن كذلِك المدنيين مِـن إحــدى المحطَّــات التي تخطَّــاها القِطـار و مِــن ثُمَّ نُقِـــل ذلِك التقرير إلـى الشُــرطـة العسكريــة.



الشُــرطـة العسكريــة كانت مُستنِــدة على واجِبِهــا القانوني الذي ينُــص على حِمــاية حياة المُواطنين اليومية , كما كانت كيــاناً مُنفصِــل عن الجيش على الرُغــم مِـن إسمِــها الشُرطـة - العسكرية -... بِــحلول الوقت الذي وصــلــت فيه الشُــرطـة العسكريـة إلـى مقر جــيــش لِيدِنـتـشافتــليش صُـــدِرَ بَــلاغ مِـن مصلحـة السِكك الحديديَّة الوطنيـة لِـ ليدِنتــشافتــليش يطلُــب تــدخُــل الجيش لِــهذا الموقِـف أيضاً..



كَــان مــقـــر وزارة جــيــش ليدِنتــشافتــليش و بِكلِمـة واحِـدة, حِــــصنـاً , متينــاً.. فَــ بالنسبـة لِمجُرَّد ِبناية عادية ذلِك المقــر كانت ذا تصميم لا يُوصَــف بالكــاد . فَــ أوَّلاً, كــانت هُنــاك قــلــعــة ذا تصميم يُشابِـه بُرجاً و التي كانت تـــضُــم وزارة الجــيــش .. و بِــجِــدار مُزدوج مِــن الحِجــارة تُحيط بِــه.. كمــا كــان هُنــاك خــنــدقاً جَّــافاً خــارِج تِـلك الجُدران, أمَّــا الأشجــار و الأجمــات التي كـانت خــلف ذلِك الخندق المذكور فقــد أُزيــلــت بالكــامِــل لِــزيادة مــدى النــظــر و الترصُّــد ... لــم يكُــن هُنــاك أي مكــان يُمكِــن للأعـــداء أن يختــبؤا فيه في حــال ما أرادو الغزو... ذلِك المكــان و طريقــة بِنــائِــه و ما يُحيــط بِهِ, كـان و كــأنَّـهُ يقُــول " تعـــال و حــاوِل إن أردت هزيمتــي. "



و بإستِنـادِهِــم على دستــور يتعــامـل جَـيداً مع حــالات العداوة , كـان الدليل الكــافي على أنَّ جــنـود ذلِك البلد كــانوا قادريــن على التغلُّــب علـى العديد مِـن العُـدوان عليه..و في نــفــس سيـاق إطـراء قوانين هـذا البـلد , بَــلاغ طــلب التـدخُــل بالتعزيزات, " حـــــالـــة إختــِــطاف القِطــار عَــابِـر القَــارَّات ", كـان موضوعاً كي تــتـدخَّــل وزارة الجيش فـي مرحــلــة مُبكِـرة , لكِــن الضُبَّــاط المفوضِّيــن لم يكُــونوا علــى دِرايـة بعد بِــ مدى الفـوضوى و التشتُّت على متـن ذلِك القِطـار .



عِند الســاعــة الخَـامِــسة و العشرين دقيقة مِـن ذاك اليوم, و فـي إحـدى الغُــرف مِـن مقر الوِزارة, كـان بِداخِــلِــها جيلــبِــرت بوغـــانــفِليـــا يُنــاقِــش مَــسَـار عمـل القوة الهجوميــة الخَــاصَّــة لِــ جيش ليدِنــتـــشافتــليش و الذي إعـــتــاد هو أن يقودهــا.



" الإنفِصــال قــد يكون منطقيَّــاً, لكِـن إن كـان التسليـم هُو الخيـار المطروح ,فـ أرغــب بأن أكون الشخص الذي يخــتــار الطــاقــم. "



جِـيــلبِـــــرت بوغــــانــفِلــــيــا, و الذي كــان رائِــداً في صفــوف جيــش ليدِنتــشافتــليش, قــد نفـع الجيش و ساهـم بقدم مساواة كـ مُقــدَّم و إعتِــرافاً بإنجــازاتِـه في قيــادتـِه لِلـ وِحــدة الهجوميــة الخــاصَّــة لِــ جيش ليدِنــتــشافتــليش سُمــح له بإستِــلام ترقيَـة أُخــرى و إرتِــدائِــه لِــشارة عقـــيد.. و بينمـا أصبــح بِهذِهِ الرُتبة , العمــل داخِــل مقر وزارة الجيش كـانت مُهِمَّـتُــه الرئيسية.. بينمـا كان الحـال كذلِك, أفـراد فيلقـه كـانوا يسعــون داخِــل البِلاد و خَـارِجِــها بِمــا أنَّ الظروف تطلَّـــبَــت وِحدات تدخُـل عسكري لظروف تـأمينية ما بعـد الحرب  لِكنَّــها تُرِكــت بِـلا إستِـعمـال كـ إكتـِفاء ذاتـي و كــ إحـدى نتـائِـج مسيرتــه الناجحة..



" رأيي الخاص و الصريح حيـال الأمر, هـو أن الإنفِــصــال سيكون مؤسِـفاً حَقاً.. هُنــاك بعض مِـن الأعـضاء يريدون الإستِـقالة مِنها بِسبب ترقياتِـهِـم, لكِـن حتـى بوجود تِــلك الأمــاكِـن الشاغِـرة, لديهــا مُستـوى عــالٍ مِـن التميُّــز.. لِدرجــة تسمــح لها أن تكون وِحــدة مُستـقِــلة مُمتـازة.. حسنــاً, قد لا يسمــح ذوي الجِهــات العُليا بِهــذا بِـكُـل سهولة... بِمــا أنَّهــُــم سيرونَــها على أنَّــها فِرقةٌ ذا جُنــود أنت من تمتــلِكَـهُـم. " رَجُـــلٌ بِـ شعرٍ أســود مُـزرَق وافـــق على كلِمــات جيلبِـــرت ..  - لــوروس شـــوَرتــزمـان - كــان مكتـوباً على لوحــة الإســم الموجودة على مكتـبِـه.



أومــــأ جيلبِـــرت على وِجهــة نظر ذلِك الشخص بِـ نفس رُتبتِـــه كَــ عقيــد و الذي كــان رئيســاً لهُ في الماضــي. " فــي نهايــة المطــاف, بإمكــانِنــا أن نُنـــشِـأ الوحِــدة المُستقِــلة هذِه.... مِــن وِجهــة نظر ذوي الجِهـات العُليا وِحــدة بِمــثــل هذا الكـم مِـن الحُريَّــة لَـ هُوَ أمرٌ يدُق ناقوس الخطر, لكِنَّــها ستُــنجِــز نتـائِـج عظيمــة في الحـالات الطــارِئــة الكبيرة .. و بِنــاءاً على هـذا, أرغـــب بأن أُشكِّـــل تشــكيـلاً جَـاهِـزاً مِــن أجــل هكـذا حـالات.... أيضاً, إذا أصبحت أنا المسؤول عليها , دعنـى أتـولـى أمر أولئِــك الأفـراد ذوي الصِفــات المُعتـبرة.. على اﻷغلــب مواهِـبَهُـم قد صُقِــلت كونَـهُــم كانوا تحت رعايتــي. "



" مــن تنوي أن تعيينــَـهُ خلفــاً لك ؟ "



" إدريـْس.. هــو مُنــاسِب كي يكون قائِـداً. "



" أليس هُــو ذلِك الزميــل دون تعليــم و دون سنــد ؟ يبدو تقريباً مِــثلي. ألــن تُــرَشِّـح شخــصاً مِـن نــســل آلـ بوغــانــفِـليا ؟ هُنــاك أشخاصٌ أخــرين في الجيــش و الذين ينتمــون إلـى عائِـلات مُتفــرِعـة مِـن أُســرَتِـك. "



" عــقيــد لــوروس..... لقد رشَّحتـني و أختــرتني أنا , كونَــك تكره الترشيحات المبنــية على الإنتِمــاء ,  لكِـنَّــك الآن تقول لي أن أُسمِّــي شخص مِــن آل بوغــانــفِــليا ؟ إدريــس هو شخص ذكــي حتَّــى مِــن دون تعــليــم.. كمــا أنَّــهُ شخص طموح إلــى حَـــدٍّ كبير.. أمــَّــا بِمــا يخُــص الأُســرة و السنــد.... فـــ أنــا سأكون الشخص الذي يحتــاجُــه. "



" لقـــد كُنتُ فقط أغيــظك ; لا تغــضب إلــى هذِهِ الدرجــة. " عــلــى ذلِك الرد مِـن جِيلــبِرت بالنبرة المُنخــفِــضة, سُرعـان مـا إنتـهى الأمـر بِـ لوروس أن يضحــك و أن يعتــذِر إليــه.. بينمــا أصبـح هُـو أكبر في السِــن, جيلبِــرت كـان مُمتـلِكـاً لِـ حُضُــوراً وَ هيبـة لــم يمتـلِكـها هُـو في شبابِـه.



" حــــسنــاً إذاً, فيمــا يخُــص موضِــع خــلفــي في قوَّاتــي..... ســأعتـمِــد على مُــساعـدتِــك في الترتيبــات اللَّازِمــة. "



" و مــاذا ستكون مُكــافئتي.... ؟ "



" شقيقتــي الصُغــرى قد قــالــت أنَّــها ترغب في ركُــوب الحِــصــان معك في نُزهتِــنــا القادِمـة. "



لــوروس أظهــر تعبيراً مسروراً على محيــاه و تنهـَّــد جيلبِــرت في المُقابِــل, كتــفيــه هبطـا عن محلِّهِــما و كــأن وزنـاً وقع عليهِمِـا.



موضِــع جيلبِــرت في الجيش بدا راسِــخاً, لكِــن لم يكُــن هكـذا حَقاً في الواقِــع.. على الرُغــم مِـن كــون هُنـاك أشخــاصٌ قاموا بدعمِــه فقط لكونِــه فرداً مِـن البوغــانفِـــليــا,,, كــان هُنــاك أخريـن من حــاول نــبــذه لِــذلِك.. جيلبِــرت قــد وصل إلـى مرحــلة تُمكِنــه مِــن أن يُـقَرِّر من هُـو حليفٌ له... الغيــرة و الفســــاد كانا يرتـفِعــان دائِمــاً بِإرتـِفـاع النــفوذ ... تجمــع بين يديــه بالتدريج أولئِــك الذين كـان مِــن الصعب عليه أن يكون مِثلَهُـــم, و مســألــة تـأمينَــهُــم بإحكــام تحت ذِراعيــه, كــان يُعَـد لـ أمراً ضرورياً بالنسبـة لِــ جيلبِــرت الآن.



لـــوروس كــان شخصــاً إعــتاد جيلبِــرت أن يتــبعــه عِـندمــا دخــل جيلبِــرت إلـى الجيش, و الآن جيلبِـــرت أخيراً يصطــف إلــى جانِبِــه... كــانت هُنـــاك قِلَّــة مِن من تمكنُــوا مِـن الحصول على ترقيـة مِـن عــقيـــد إلـى عميــد و مِــن عميــد إلــى لِــواء.. و بينمــا كــان لــوروس نفســهُ لم يُبدي إهتِمــاماً في حُصولِــه على تِـلك الترقيــات , جيلبِـــرت إعتقد أنَّــهُ لــن يتــجاوز كونــَهُ عقيـد .. جُــذورَهُ لم تكُــن كـ جُذور جيلبِــرت, مــالـم يتــرُكـهُ في نــجــاح مؤاتـي و مشكوك فيه.



" هــذا الأمر يُخصُكُمــا إثنينَكُــمـا,,, لكِــن رجــاءاً لا تجرح قلب أختــي التي تــعتــز بِك بِــشِـدَّة.. عِــدنـي بذلِك. "



" أنـا أعلــم. فَــ هي إعتــرفت بِحُبِّهـــا لِــرجــلٌ بِمثل حـالتي بعد كُــل شيئ.. و أنــا أعتـزِم بأن أكون إلـى جــانِبِهـا حتــى بدخولـي إلى قبري. "



لــم يظهُــر أي عــلامـات على مُحيــاه تدُل على المُضارعـة و طبيعــتِـه كـانت مِـن النوع الذي يُوثـق بِهـا .. بالنسبـة لِـ جيِلبِــرت أن يتـرُك أختـه تحت رِعــاية الأخير , كــان يجِب عليه أن يكون فَــرداً يستــحِــق الثناء عليه.



عِــند دلكِـه لِذلِك التجعُــد في المنطقة بين حـاجبيه بإستـِعمـال أطراف أصابِعِــه لِذراعِـهِ اليُســرى و التي كانت و قد أصبحــت إصطنــاعية, أخــذ جيلبِــرت صحيفـة بيدِه و التي كـانت لا علاقة لها بِعملِه و التي كــانت موضوعة على المكتب ... مُنــذ أن قـام بِـ قرائتِــها صباح اليوم عُقبان إستـيقـاظِــه, قــام بإحــضارِهـا معه أثنــاء عملِــه.. قــام بالنــظر دون وعي نحو الجُزء الذي يحمِــل صوراً فيها و التي تتنــاول موضوع القِطـار القَـارِّي.



" لـــقد كُنــت..... تــقرأ هــذا مــنذُ الصباح, هــاه.. أتُحِــب القِــطارات ؟ "



" إذا كــانت هُنــاك فُـرصـة مؤاتــية لِلحصول على جولة على متنِــه, أرغــب بإستـِغلالِهـا. " وَ بِــ إيمــاءة لا يُمكِــن أن تُنــظر على أنَّهــا غير طبيعيــة,, قــام بـ طوي الجـانِب الذي يحمِـل الصور و وضَــع الصحيــفة إلـى الأســفــل.



كــان الرُجــلان في وضـع كـانا ليسأل فيه لــوروس عـن السبب الذي دفــع جيلبِــرت عــن التخلي عن المُحــارِبـة العـذارء لِجيش ليدِنتــشافتــليش عُقبان إنتِـهاء الحرب العُظمى و مـا كـان جيلبِــرت أن يابى بأن يتطرق إلـى ذِكر الموضوع... و بينمــا كـانا يُدردِشــان عن مســائِـل يومية لا فـائِـدة مِـن ذِكرِهـا,, طرق أحــدُهُــم الباب.



" العقيـــــد شــوَرتــزمــان.... آه, العقيــد بوغــانـــفِليــا أنت هُنــا في الوقت المُنــاسِــب... لدينــا إجتِمــاع طارِئ.. حــــَــادِثٌ كبير قد حَـــصَـــل.. الدعــــوى قــد شُكِّلــت في مــقــر التدابير المُضَــادة, لِــذا رجاءاً تعــاليا بِسُرعــة.. الآن في هــذِهِ الأثنــاء, نــستـدعي جميع الموظفيـن مِـن وِحدة التدخُـل العسكري. "



بــعد أن قيــل لهُمـا ذلِك مِــن قِــبل الإداري المُفوَّض,, إثنينهُــما نظرا نحو وجه الأخــر و وقفـــا في وقــتٍ واحِــد.





______________________________________________________





أولئِــك الذين تجمعَّـوا في المقــر حــول الطَـاوِلـة المُستــديرة و المُجهَّــزة , كـانوا أغلبَهُــم بِـ رُتبـةِ عقيـد.. أمَّــا الحـادِث الكبير ذاك , فَـ سيُشـرح مِـن قِـبل اللِّــواء.



" أولاً و قبــل كُــلَّ شيئ, عـِـند السـاعـة الثانــية في الظهيرة, أُقيــمت مَــراسِـم إحتِــفــال مِــن أجــل شـرف القِــطـار العَـابِـر لِلقـَــارَّات, و بعــد ساعــة مِـن ذلِك, صعــد الرُكَّــاب على متن القِطــار و مِــن ثُــمَّ غــادر المحطَّــة.. قَــام القِطــار بتــخــطي آتــاكــار, و الــتي كـانت إحــدى المحطَّــات المُفتــرض التوقُــف عِــندهـا, و مضــى عبــر طريقِــه هكــذا... عِــند ذلِك الوقــت أيضاً, جُــثَّـــةٌ قــد رُمــيَــت مِـنـه على إحــدى المنــاطِــق بِجــوار آتـــاكـار.. قـــد عُــثِر على الجُثَّــة و أُبـــلِــغ عنهــا مِــن قِـبل مُـزارِع لأحـدى المروج المجاوِرة... وَ وِفقاً لِلمعلومـات مِـن المَصلحــة الوطنية لِلسِكك الحديديَّــة لِـ ليدِنتشــافتــليش , القِــطار الآن مُتــوقِّـــف في محطـَّــة روسشينــد و التي هــي إحــدى نِـقاط التزوُد بالميـاه.. مِــن بين موظفــي تِــلك المحطـة , قـد طُلِـــب مطــلب مِـن ليدِنتشــافتــليش مِـن أجـل مُقــايضــة المُســافِــرين على متـن القِطـار. " بينمــا إنتِبــه الجميع لِكــلِمــاتِـه,, قَـــال اللِّــواء و بِشكــل صارِم و قاسٍ. " العـــــدو يُخبِــرنــا بأن نُطلِــق سَــراح سِيـــاســي مُجرِم مســجون فِــي سِجــن آلتــاير... هُــو مُجــرِم مِـن إحــدى الدُول التي شكَّــلَــت تحالُــفاً في الحرب المَــاضيَــة و المدعُـوة بِـ روهـاند... مِـن بعـد إعــلانِِهِــم لِلهـزيمـة, قـام هُـو بإبتِــزاز قَــادة أُمتــه مِـن أجــل إبطــال ذلِك الإعــلان, مـا سبَّب نِــزاعٌ داخِــلي و مِـن ثُـمَّ ألقي القبض عليه.. أُولئِــك المســؤولـون عـن حــادث الإختِــطاف لَـرُبَّمــا هُـم كِــلاب حِـراستِــه و بالتـأكيـد هُـم رِفاقـــه... بِمــعنـــى أنَّ الجُنــاة هُــم أشخــاص لا زالــوا لَــم يقتــنِعُــوا بِـخسارتِــهِــم في الحرب. "



حِــسٌّ مِـن التوتُــر إختــرق أجـواء الغُــرفة, عِندمــا عَرَّف اللِّــواء الطرف الأخــر بِـ - العــدو -.. فَـ فـي ليدِنتــشافتــليش, كلِمــة - عــدو - تــجلِب الأذى إلـى كَـامِـل الأُمَّـــة... كَــامِــل الأُمَّــة ستــكون هَدفــاً لِلإزالــة , و أغلــب طـرف الإزالة , هُـم المحسوبون على القُــوة العسكرية حتـى يتسنـَّى لهُـم إستـيلاء السيطرة ,, - العــدو - تــعني أولئِـك الذين لا يرغبــون بِحــل أي شيئ بالحِــوار.



" لِإيــضاح الأمـــر, العــدو يرغــب بأن يُســافِـر إلـى وطنِــه.. كمــا أنَّ القِطـار مُتــوجِّــه إلـى أقصـى مينـاء في شمـال القـارة.. كمــا أنَّ لديهِــم سفنيــة مُجهَّــزة بالفِعــل هُنـاك.. يبدو الأمــر و كــأنَهُـم يتوقعـون أن الأمور ستــسير على ما يُــرام لِصالِحِــهـم و بِكـل إنســيابيـة...." اللِّواء قَـــام بِــضرب الطرف الشمــالي لِلخريطــة الموضوعــة على الطَــاوِلـة المُستــديرة بِــ يدِه.



الأشخــاص الجَــالِســين حــول الطــاوِلـة المُستــديرة لــم يتـحرَّكُــوا على تـِلك الحركـة المُفـاجِئَــة, و أبصــارِهِــم كــانت مُــرتـكِزة علـى اللِّــواء.. و كــأنَّهُــم كانوا مُتــقبليـن لِذلِك الغــضب الذي إنــبــثق مِنــه.



" نــــحــــن..... نحـــن أفـــراد جيــش ليدِنتــشافتــــليش... نحــن موجودون في سبيــل حِمــاية شعبِــنــا و أراضينــا مِــن المخــاطِـر الدخيلــة علينــا .. أن نسمــح بِــ شيئٍ كهــذا عِــند إنتِــهاء الحرب , مــا هــو إلاَّ شيئ يُلحِـــق بإســم ليدِنتـــشافتــليش العَــار .. لكِــن هَذِهِ المســألـة ليست مــسألــة شرف أو عَــدمِــه فقط .. فَــ هُنــاك إصــابات قــد طرأت بالفِعــل.. قــد يكُــون هـذا واضِحٌ لِلعيــان بالفِعــل, بالتــأكيــد أنَّ أفــراد دولتنــا سيأســرون على مــتــن تِــلك الرِحــلة حـــتى تنجح عمليــة الهِجــرة تِـلك .. كمـا أنَّ بالتـأكيـد هُنــاك أطـفــال و نِــساء غير قَـادِريـن على الدِفــاع في وســط الخِـضام. و لـيس مِـن الصعب تــخيُّـل ما سيمـرُّون بِــهِ.. يجِــب علينــا أن نمنــع هـذا مِــن الحُدوث مهمـا كلَّفــنــا الأمر.. - العــدو - يتــحرَّك.. و المُشكِــلة تكمُــن في كيـفيـة حـل هذِهِ المُعضِلـة و أخـذ زِمـام الأمـور على ذلِك القِطـار المُتـحرِّك.. يجِــب علينـا أن نــضــع إستــراتـيجيــة تــتضمــَّن أســوء السيناريوهــات... مِــن هــذِهِ النُقطــة, أُعــطي الجميع و بغض النــظر عــن كونِـهِــم مِن الرُتب العـالية أو الدُنيــا الإذن بالإدلاء عـن مُقتـرحــاتِـهِــم. "



عَـــلى كلِمــات اللِّــواء, بدأ الجميــع في مُنــاقشــة التكتيكــات بينمـا كـانوا يُــراقِبُون الخريطـة... فَــ القِطــار كـان مُتــحرِكـاً. في حـال مـا أرادوا شـن ضربـة مُقاوِمــة عليه, فَـ خيــارهُـم الوحيد هُـو إجتــياحُــه.. أمَّــا الهجوم عليه مِـن الخـارِج , فَـ سيُعرِّض بحيـاة الرُكَّــاب بِداخِلِه إلـى الخطر.. الخيــار الذي ينُــص على أنَّــهُـم سينتـظرونــه عــلى إحـدى نِــقاط التزود بالميــاه و نــصب كميـن لهُ هُنــاك مرَّةٌ واحِــدة, كــان مطروحـاً مهمــا كـان الأمـر.. لكِــن لرُبَّمــا العدو كـان مُتــوقِّعـاً لِهـذا بالفِعــل و واضِعـاً لِخُطَّـة مُسبقة لِتحاشي ذلِك .. كَــذلِك القلق النـاتِـج مِـن تهديد الأعــداء بقتـل أحـد الرهـائِــن لِلسمـاح لهُـم بالمرور كـان أمراً مُعتــبراً بالفِعــل , و بِمـا أنَّ ظروفٌ كتـِلك هي مؤاتـية جِداً لِلحدوث بِمـا أنَّ لا سبيل لهـم لِلقيام بأي شيئ حتــى يتوقف القِطـار على نُــقطـة التزود بالميـاه .. سَــعُـوا إلـى إلتِمـاس المُسـاعـدة العَاجِـلة.



أصبــح جـو النِــقاش ساخِنــاً.. و في وسط هذا, جيلبِــرت كـان الوحيد الذي ظلَّ مُتحفِــظاً و صامِـتـاً. . أُذنيه كـانت تُسـجِّــل تـبادلات الآخريـن لِلأراء.. بينمـا كـان أيضاً يُفكِّــر بِمـا يجِب عليه أن يلتـفِــظ بِمــا أنَّ قيامَــهُ بِهذا يُعتــبر هَــامَّاً في هـذِهِ اللحظــات .. مــع ذلِك, حَـــقيــقَــةٌ واحِــدة قــد سيطرت عــلــى كــامِــل جســدِه و أوقفــت وظائِـفـه الظاهِريَّـة .



--- فَــــيُوليت عــلى مــتــن ذلِك القِطـار.



مِن المُستـحيـل أن يظُــن بِهـا شخصاً أخــر عِندمــا رأهــا في الصــورة التي تُظهِــر أُنــاساً يُحـاوِلُون شِــراء التـذاكِـر لِلرحــلة الأُولـى .. و مِـن الطبيعي جِــداً أن تعتمِــد دُميــة الذِكريات-الآليـة في إرتِــحـالِهـا حول العالم على القِطــار .. مــا يعنــي و مِـن دون شــك أنَّــهــا موجـودة على مــتـن القِطــار.



--- إذا إتـصلــت بِـ هودجينــز, فــهــل سيُجيــب ؟



هودجينـــــز قــد حـكـم على جيلبِــرت  في مُحـادثتِـهِـم الأخيرة لهـجرِه لِفَيُوليت دون أثر , بأنَّــهُما سينفصِــلان و يقطعـان ما بينهُمـا حتـَّى يُعيــد جيلبِــرت النــظر في قرارِه..



" جيــلبِـــرت..... ؟ أنت... صَـامِـت, لكِـن أليست لديك أية أفكـار في جُعبتـك ؟ "



بينمــا تحدَّث لــوروس إليه مِـن الجَـانِب , إلتـف جيلبِــرت نحوَهُ .. كــان يبدو أنَّ جيلبِــرت يضع مَــلاِمحـاً على وجهِه لـم تكُـن موضوعـة عليه في العـادة .. إنحنــى لــوروس في إستـجابة .. و سُــرعـان مـا لاحظــه اللِّواء .



" ما الخطب يا لــوروس ؟ لا تتردد بِــ إدلاء إقتِـراحــاتِـك. "



" لا..... أنا..... على ما يُرام, أنــا أُوافِــق على نصب الكميــن في نُقطـة التزود بالميـاه. سيكون الأمـر خــارِج كَــفَّتِـنـا في حـال إستمـر القِطـار بِتـحرُّكِــه على السِكّـة, لِــذا لا أعتـقِــد أنَّهُ بإمكــانِنـا القيام بأي شيئ سِـوى أن نُجهِــز القوَّات و نــظـل على تـأهُـب... كمــا أعتـقِــد, تجهيــزُنـا لِـ خطَّــة و قوَّات تــقوم بدعمِنــا خِــلال مـعــركـة الإستـيلاء مِـن بعد إنتـظارِنـا هُنـاك هُــو الأمــر الأكثر ضرورية.. فَــ بعد كُــلَّ شيئ, تـوقُــف القِطــار على نِــقاط التزود بالميـاه هُـو شيئ إلـزامي لا فِــرار مِنــه. "مِـن بعد حديثِــه عن إقتِــراحِــه, قــام لـــوروس بِــسؤال جيلبِــرت بِنـبرة مُنخفِــضة ظنّاً منِـه أنَّ مرضاً قـد أصــابــه, " أأنــت على ما يُـرام ؟ "



أومــأ جيلبِــرت دون أن يلفظ بأي شيئ.. و بينمــا طــلب اللِّــواء رأي جيلبِــرت الخاص أيضاً, أجــاب جيلبِــرت, " أوافِــق على نِتــاج النِـقاش لِلوضع الحــالي. "



بِمــا أنَّهُ كـان قلِــقاً بِشــأن ســلامــة فيُــوليت و الرُكَّـــاب, جيلبِـــرت فـَــضَّــل أن يكـون رد فِعــل الجــيش هُــو معــركـة حَــاسِمـة قصيرة الأجـل.



--- مـع ذلِك,, كُــل ما يتــطلب الأمــر كي يُصبِـح الوضع جَـامِحـاً هـو الوقت فقط..

كمـا فكَّــر بِــذلِك, مــا كـان جيلبِــرت مُختــوِّفــاً مِنــه أصبــح واقِـعاً.



" أشعُـــر بِِــعدم التناسُـــق في مُجريـات هذا النِـقاش.. لِــضمـان نــجاح مُخطَّطِنــا ألـن يكُـون مِـن الأفــضل أن نــصيغ خُطَّــة تسمـح لنا بالسيطـــرة على القِطـار في المحــطــة الأخيــرة للمدينــة الساحــلية في الشمــال ؟ " مِــن بعد إدلاء جيلبِــرت و لـوروس بِـ مُقتـرحـاتِـهِـم, عَــقيـــدٌ كــان فقـط يُــراقِـب الأجــواء تماماً كـ جيلبِــرت حتـَّــى تِـلك النُقطــة التي رفــع فيها صوتــه.



" أهمـــــر, عِندمــا تعتــرِض, عليــك أن تــشرح خِطتــك بالتــفصيل. " اللِّــواء حَــثَّ العقيــد أهمـــر أن يستمِــر في إدلاء رأيِـه.



مِــن الواضِـح إنــزعـاج لــوروس مِـن كـلام السابِـق.. مُلتــحي و ذا بُنيـة ضخمـة, الرجــل المدعـو بِـ أهمــر لـم يكُـن مُختـلِفاً عنـه, لكِـن العـلاقة بينهُــمـا كانت كـ العلاقة التي تجمع بين القِــطط و الكِــلاب.. الأشخــاص الحَــاضِرين كانوا على دِرايــة أنَّ آهــمــر لم يلتـفِــظ بِـ رأيــِه إلا لِمـُــجرَّد تــعارُضِــه لِـ رأي لــوروس.. لِــذلِك الأجواء أصبحــت مشحونـة.



" الرأي الحـالي قـد أُعــطي سابِــقاً , لكِــن إذا قُمــنـا بمهـاجمـة العدو في نُقطـة التزود بالميــاه, و فـي حـال إنتـهى المطاف بأن ندعهــم يمِـرُّون, فإن عدد الضحــايا سيتــزايــد , أولــيس كذلِك ؟ كمـا أنَّ الجُنــاة سيقومون بِــ قتـل أســرى في سبيــل الإنتِــقام , كمـا أنَّ مطــالِبَهُــم تِجاهُنــا ستتفاقَــم.. و فــي تِــلك الأثنــاء, أنــا واثِــق بأنَّــهُـم سيستـعمِــلون حيــاة الرُكَّــاب كــ فِديَــة مِـن أجـل تحقيق مطالِبَهُــم... إذا كـان الأمــر بأن نجعـل الطــرف الأخــر يعتــقِــد بأن الأمــور ستــســير كمـا يرغبُــون و مِـن ثُــمَّ نقضي عليهِــم دُفعــةٌ واحِــدة سيكون فِكــرةً أفــضل .. أنــا أسِــف على تــعطيلي لِمـجرى المُنــاقشـة , لكِــن بِمـا أننا نُواجِـه مُشكِلـة خطيرة و عـاجِلـة, أنا أعتـقِــد أنَّـهُ يجِــب علينــا أن نختــار خِطَّــة مُحكمـة. "



" لا! إذا مــا فكَّـــرت بِمــا يخُــص المواطنين, فَــ يجِــب علينــا التصَرُّف بشكــل مُستــعجِــل! الآن و فــوراً,, مــاذا تـخــال أولئِــك على متـن القِطــار يشعُــرون الآن ؟ هـــل أدليـــت برأيِـــك واضِعــاً لِكــم سيستــغرِق وقتـاً لِوصول القِطـار إلـى المحطة الشمــالية في الحــسبــان!؟ عَــائِــلات الرُكَّــاب أيضاً يرغبــُــون بأن يفعــل الجــيــش شيئاً حيـال هــذا بأســرع وقت مُمكِــن! "



" لـــوروس, لطــالمــا أظهـــرت مبادِئَــك و المُختــلِطــة بالأحــاسيس في إدلائاتِــك, لكِــن نحـــنُ في غِنــى عــن هذا مِـن أجــل الإستــراتـيجيــة... النتــائِــج هي كُــل ما يهُــم, و بإمكــانِنــا أن نُفَصِّــل المُجـــريــات لاحِـقاً.. هــل تُــبدي إقتِــراحـاتــك عبر تصوُّرِك لأثــار كـارِثـة مِـن بعد كارثة ؟ لـــقــد حدثــت خَـســائِـر بالفِعــل و فـي سبيــل عدم حُــدوث المزيد مِـن الخـسائِـر, لا خيــار أمامنــا سِـوى أن يتحمَّـل الرُكــاب الموقِـف الذين هُـم فيه. "



إنـــقــســـم موضوع التــشاوُر إلـى فريقيـن : لــوروس الذي فَكَّـــر بإنــقــاذ المدنيين قبـل أي شيئ أخــر, و آهمــر الذي فكَّــر و فَصَّــل بأن يـجعـل الوضع تحت السيطرة.



جيلبِـــرت و الذي كــان صامِــتـاً بِجــانِــب لــوروس, و الذي أُصيــب قلبَـهُ بالقلق لِمُجريـات النِـقاش.. بَــدلاً مِـن إنِـفعـالِـه, لكِـن حِسَّــه بِنــفاذ صبِره بدأ يتـفاقــم حيــال المُجرى الذي تتبعـه الأُمــور و بالطريقـة التي لم يُرِدهــا.. فَــ جيلبِــرت لم يستـطيع أن يُــوافِـق طريقـة آهــمـر.



مِــن الصعــب التصوُّر أن فَــيُوليت إيفــرجارديــن ستـأخُــذ الوضع الساكِــن كُــل تِـلك الطريق حتَّــى المحطـة الأخيرة.. فــ على الأرجح أنَّهَـا ستـقوم بِـ ردود أفعــال تِـجاه ذلِك.. حقيــقة أنَّـها على متــن القِطـار لم تُــثِــر آمــالاً كبيرة فــحــسب إنمَّـا حِسَّــاً بالقلق و الإضطِـراب.



--- إذا مــا كـانت وحدهــا, مِـن الجلي أنَّهــا ستتهــوَّر.



هــي لم تكُـن شابَّـة مِـن ذلِك النوع الذي لا يستـعمِــل الدِفــاع عن النـفس عِندمـا تكون في وضــع يحتـاج ذلِك.. فَــ جيلبِــرت قَــام بتـربيتـها هكـذا.



--- يجِــب عليَّ أن أذهب لمُســاعدتِــها.. يجب عليَّ أن أحميهــا.. لأن الأمـر بالتحديد أنَّهـا قوية و أن قوَّتــها سـ.....



هــذا يعني أنَّــهُ سيتـراجـع عـن قرارِه و عــزمِـه في ذاك اليوم, فـي ذاك اليوم الذي أذرف فيه الدموع على قرارِه بأن ينــفصِــل عنها.. عِندمــا تعلــم فَيُوليت أنَّــهُ لا يزال على قيــد الحيــاة فـ بالتأكيـد ستــسعـى فَيُوليــت أن تكون أداةً لِــ جيلــبِـرت مرَّةً أُخــرى.. كَــان هــذا خوفَــهُ الأكبر.



--- أنا لا أرغب برؤيــة... الشخص الذي أُحِــب يتــصرَّف كـ أداة مرةً أُخــرى.



جيلبِــــرت ســأل نفســه - فــي ظِــل تِـلك الظروف, مــــاذا كــان الشيئ الأكــبر الذي يهـابُــه ذلِك الرجُـل المدعُـو بِـ جيلبِــرت بوغـانفِـليـا ؟



--- مـــوت فَــيُوليــت.



جيلبِــرت ســأل نفســهُ - في ظِــل تِـلك الظروف, مــا هــو الشيئ الأكبر الذي يرغــب بِه ؟



--- ســـلامتــُهــا.



فــي أعمــاق ثنايا قلــبَــهُ, مــا يتـوجَّب عليه القيـام بِهِ, كـان واضِحـاً نقيّاً.



--- هــل هـذا أيضاً...... بفِــعــل القدر ؟



جيلبِـــرت أغلــق عينـاه لِلحظــة و هَدَّأ مِـن تنفُسِــه.. وجــه تِـلك الفتـاة قــد عـاد ليكُــون على سطـح عقلِـه و تفكيرِه.. كذلِك حـَدث هـذا مع هيئتـها مِـن تِلك الصورة, التي أظهــرت أنَّـهـا نَــمَــت بإحســان خِـلال ذلِك الوقت الذي إنــفصـلا عن بعضِهِمـا.



لــقــد بــذل جُهُــوداً كثيرة في سبيـل حُصولِـه على منصِبِـه الحـالي.. المنــصـب الأخــر الذي يسعـى إليـه هُـو منـصب اللِّــواء... كُلَّمــا صعــد, كُلمَــا كـان قـادِراً على مُجـابـهـة القيُـود التي تكبَـح أفعـاله.



خِــلال تِــلك اللحظــة, التي يحصُــل فيها هـذا الحـادِث, شعَــرَ جيلبِــرت و كـأن الآلِهــة مَهَّــدَت لهُ فُـرصة مرة أُخـرى..كَــان ليُصيبـه الكـرب في حـال شَعَــرَ بالقلق تِـجاه فَيُــوليت, لكِــن يتـَضِـح له مـا يتـوجَّب عليه القيام بِه في حـال مَـا فكَّــرَ بِهدوء.



--- مـــا الذي تـعيش مِـن أجــلِــه ؟ لا تُصبِــح مجروراً بالعـاطِفـة.



فتــح جُفنتــيه المُغلــقة رويداً, رويداً.



--- لــقد إختــرتُ طريقاً قــد أُواجِـه فيه مُنــحنــيات خِـلال الوقت كـهذِه.. لـــقد حــان ذلِك الوقت. هـذا جُــلُّ الأمر.



" أبإمــكــاني.... أن أُدلي بإقتـراحي ؟ "



خَـــلَت تِـلك العيـن الزُمُرُّديــة مِـن التوتر.. نــَظَــر بِحـزم تِـجاه اللِّــواء و الجميــع حـول تِـلك الطاوِلـة المُستـديرة بعينِــه المفتوحـة.. كــان يعلــم مــا هُــو الإجــراء الذي سيقُــوم بِه دون حتــى مِــن دون التفكير المُفــرط فيه.



" لــدي فِكــرة. " صَـــوتَــهُ لم يكُــن عالياً جِداً أو خَــافِتــاً لِلغــاية. " أولاً.. أنـا أتفِــق... بـشأن إرسـال الجُنــود للِـ الموقِع العسكري على مسار القِطــار. يجِــب علينـا و بِكُــل بساطـة أن نمنعـه مِـن الذهاب نحو الشمـال.. إذا ما حدث ذلِك بأي فُــرصـة و وصــل إلـى البحر,, ستــكون البحريــة من سيتـعــامـل مع الموقِـف.. و سـأتحدَّث مع شقيقي الأكبر ديتـفريــت بوغــانــفِلــيا حيـال الأمـر.. و كمـا قـال اللِواء, يجِــب علينـا التحرُّك بينمـا نضـع السيناريهـو الأســوء في الإعتـِــبار. "



كَــان هَــامَّــاً أن يتحــدَث بشكـل هَـادِئ.



" فيمـا يخُـص المُشكِــلة الحَــالية, عـن المكــان الذي سيهجُــم مِنــه الجنود المُرسليـن, فــ أنـا ضِـد أن تكون المعركـة في المحطـة الأخيــرة.. في حــال مـا أصبحـت المعركة في المحطـة الأخيرة , ستتفـاقَــم المَــشاكِـل المبنيـة على الإنفِعـالات مع الجُزء الشمـالي.. هُــم أبطـال بِوجهِـة نظر الشمـال.. و أن نقوم بدحرِهِــم في أراضي الشمـال, أي وطنَهُــم, سيكـون عــرضاً عظيمـاً, لكِـن علينــا أن نتـوقَــع أن لِهـذا سيُسبِّب صدمَـةً كَــافيـة لتتسبب في حَــادِثـة أُخـرى... فَــ في الوقت الراهِـن, هُــم يُظهِـرُون تَعَـامُـلٌ حسنَــاً تِـجاه الجنوب شرق على الرُغـم مِـن نشر الأخـير لِقوَّاتِـه,, لكِــن بالتــأكيــد سيكِّّنُــون ضغينـة تِـجاه هذا الأمـر. "



" لا يجِــــب أن نُنــاقِــش شيئاً كهــذا في الوقت الحــالي! "



رَدَّ جِيلبِــرت بشكـل رزين عَــلَـى رد فِعــل آهمــر الصاخِــب, " الشــخص الذي قَــال شيئاً بِخصوص أثــار كـارِثـة مِـن بعد كارثة هُـو أنت يا عقيــد ؟ "



" أنت...... لديك الجُــرأة في إستـِعمـالك لتِلك الكلِمــات الوقِحـة في خِطــابك معي, إلــى جَــانِب أنَّك أصبحــت بِرتُـبة عقيــد مؤخــراً.... "



" سيــادة اللِّــواء أخبــرنــا منــذ البداية بأن نُقدِّم مُقتــرحــاتُـنــا بكُــل حُريَّـة.. هــل أنت ضِــد قَــرار اللِّــواء ؟ "



بينمـا إقتُبِــس الكَــلام مِــن رئيسِهِــم, رَفَـض آهمــر التراجُع عن موقِفِـه بأن يلفُظ بِـ " مُستـحيـل ", وَجــهَـهُ أصبَـح أحمَــراً بارِزاً.



تماماً كمــا فعـل آهمــر مع لــوروس, إلتــفـظ جيلبِــرت بِـ حُجَّــتـه, " رجــاءاً دعني أُكمِــل شرحــي لِـ فكرتــي.. لــيس هُنــاك ما يُضمِـن أنَّ الأضـرار ستـقتـصِـر فقط على الرُكَّــاب.. إخــلاء جميـع المحطَّــات على طُــول مَــسار القِطـار و المُواطنين القَـاطنين بالقُــرب مِـنه كَـذلِك.. إلــى جَــانِـب الكميـن فـي نقُطـة التزود بالميــاه, أنـا أقتــرِح أن نضـع خُطَّـة تسلُّل عَــبر تَعقُبِهُـم مِـن العاصِمـة ليدِن. " أدلــى بذلِك بِـ صوت عـالي ذا لمســـة إنضِبَــاط و كِيــاســة.



غَـــالِــباً ما يحكُــم النَّــاس على الآخريــن مِـن خِــلال سمعِهِــم و بَصَرِهِـم... بِــفِعــل جيلبِــرت لِذلِك كـان كـافياً بأن يجعلَهُـم يُفكِّـرون بِـ, " مــا يقولـه ذلِك الرجُـل يستحِـق أن يُستمــع إليـه. "



" هُــل قُلــت - خُـطَّــة تسلُّل - ؟ هــل سنصِـل في الوقت المُنــاسِـب في حـال قُمنـا بمُطـاردتِـهِـم الآن ؟ "



رَدَّ جيلبِـــرت على تهكُّـــم آهمـــر دون الكثير مِـن الإنِفعـال كـ رفع لِحاجِبِه, " سـأُعطـي أمـراً لِـطائِرات صقــر الليل بالتحليق. "



" حَــتَّــى و لو كـان القِطــار مُتوِّقفــاً الآن, سيتــحرَّك مرة أُخــرى في نهاية المطــاف! "



فَـ الشخــص الذي تَـجُرَّهُ العـواطِف و الإنفِعـالات ,,, سيخســر .



" حتَّــى و لــو تحرَّك, فَــ سوف يتــوقَّــف مِــن جديد مِن أجـل إعـادة تعبِئـة خَزَّانـات الميـاه.. إذا مـا تبين أنَّ عملية التَسَــلُّل نَـاجِحــة, فـهـذا سيزيد بشكـل كبير مُعدَّل نــجـاح الكميـن المُعــد في نُقطـة التزود بالميـاه.. إنَّ إنــقــاذ الرُكَّــاب هــي أولويتـُنــا القُــصوى.. كُلَّمــا زاد زَمــن إستِمرار الإختِــطاف هـذا, كُلَّمــا زاد عدد الموتـى.. أُولئِــك على متـن القِطــار سواء مِــن الجَـانِــب الجــانـي أو مِـن جــانِـب الضحايا يفقِــدُون رُشدَهُــم بِمرور الوقت.. ستـعــلم مَـا إن كـان بإمكـان طائِـرات صقــر اللَّيـل أن تصِل في الوقت المُنـاسِـب أو لا إن تركتني أتــولى زِمـام الأُمـور.. لِـذا دعنــي أُجهِــز الوِحــدة الهُجوميـة الخَــاصَــة لِـ ليدِنتشــافتـليش.. و بالطبــع, ســأكون أنـا من يــقــود. "



كَـانت هُنـاك جلبـة.. تفحَّــص جيلبِـرت تعـابير اللِّــواء, لكِـن الأخيــر بدا أنَّهُ لم يجِــد خطـأً فيما قـال.



لــم يسمــح بأن تنسـاب هَذِهِ الفــرصة مِـن بين يديـه إستـمر جيلبِــرت في كَـلامِــه, " مُنــذُ فتـرة وجيــزة, كـان هُنـاك تبادُلٌ لأراء حـول كيفيـة ضـم أفـراد خَــاصِّـيـن لِهـذا النوع مِـن الأوضـاع, و لكِـن يا جميـع الحُضور هـل نسيتُــم ؟ الوِحــدة الهُجوميـة الخَـاصـة لِـ ليدِنتــشـافتـليش كـانت نَــاشِـطة عـلى نحـو واسِـع كَـ وِحـدة مُداهَمــة مُنــذُ زمــن الحرب.. و مِـن الواضِـح أنَّ بإمكَـانِهِا أن تتولَّــى أمـر عملية التَســلُّل و بِعــدد صغير مِـن مُنتسِبيهـا.. إذا مـا قيـل لنا أن نتحرك الآن فَـ بإمكــانِنـا التصرُّف حيــال الآمـر فوراً... و عــلى الرُغــم أنَّـهُ قد تكون أراء تقضي بأنِّي لا يجِــب أن أتـولـى أمر القيـادة و التوجيـه مَعَهُـم بِسبب رُتبتي الحَـالية,, الفيــلــق لايزال تحت رعـايتـي و بِمــرتـبتي كَـ عقيــد نَــال ترقيتـه مؤخَّــراً.. ســأُثبِــت كَفــائتــي... رَجــاءاً فَكِّــروا بــي كَـــمُجرَّد قِطــعــة شطــرنــج... قِطــعــة شطرنــج قَــادِرة على تجهــيز البحرية أيضاً, و إذا ســارت الأمُــور على خيــر ما يُــرام,, و إذا مــا تحقَّق أمـر التسلُّــل, مِـن شـأنِِـه أن يجلُــب حَــلَّاً سريعــاً.. أمَّــا إذا مــا فشــلت قُــوَّاتـي, فَـ أولئِـك الذين عَـلى أُهـبة سيكونون الجُنــود المُرسَليـن مِـن جيش ليدِنتشــافتــليش.. أظُــن أنَّهُ مِـن الصعب الإعتِـقاد أنَّ هَــذِهِ الحَــادِثـة نَـاتِـجـة عـن إنتـِـقـام شمـالي. يجِــب أن يكُــون هُنــاك شيئٌ أخـر.... يحدُث خَــلف الكوالــيس. لــيس مُجرَّد فَــخْ واحِــد. أشعُــر بأنَّهُــم.... يسعُــون إلـى إنتِــصارٌ جَــائِــح, لِـهـذا قـد يكُـونوا مُخطِّطـين مُسبـقاً لِمخُطَّط قـد لا نكون قـادِريـن على مُجَـابهتِـه و الذي قـد يتـضمَّـن فخَّـاً مُضاعـفاً أو ثلاثة. " تـوقَّــف جيلبِــرت لإبتـِلاع ريقِــه, و مِـن ثُـمَّ ســأل, " سيــادة اللِّــواء, مـا هُـو رأيُــك ؟ أتمنــى أن تــسمـح لي بالقيـام بِهـذا. " إلتــمَــس جِيلبِـرت بذلِك, لكِـن الحـق في إتِــخـاذ القرار لم يكُـن مُلكاً له.. مُحــافِـظاً على وضعِـه الحَـالي, إلتــمَــس جيلبِــرت ذلِك أكثر بِـ عينيـه و جَـادَّتِـه.



كــان جيلبِــرت على عِـلم مُــنــذُ صِغــرِه, كيفيــة التَــعَـامُــل مع الأخـر أياً كـان وسط الحُـضور الآخريـن.. إذا مـا أرتكــب غلطة, فَــ العِـتــاب يـأتـي طائِـراً نحوه.. هــذا كـان سِــر النـجـاح كي تـعيش كـ فرد مِـن آل بُـوغـَانفِـليــا.. فَــ إعتِــمـاداً عـلى المواقِـف و الأفعــال التي يتـَّخِذُهـا, سيعــلم مـاذا ستــكون ردَّة فِعــل الطرف الأخـر... وَسَــط ذلِك العَــالَـم الذي يفهَــم, جيلبِــرت موجُــود مِــن أجــل ذلِك الشخـص الواحِـد و الوحيـد الذي كَـان مرَّةً يجهـــل بِحُبَّــهُ له.



" حَسنـــاً, لا ضيــر مِـن المُحــاولَـة.. أظهِــر لِــي قُدُراتَــك كَـ قطِعــة شطرنـج. "



" بالتــأكيـد سأريَــك نتــائِـج مُرضيــة." بينمــا ردَّ بِــذلِك,, جيلبِـــرت قــام بالفِعــل بإعــداد إســتـراتـيجيـة مُختـلِفــة.





______________________________________________________



إذا كــان هُنــاك شيئ يُمكِـن إعتـِبارِه يوماً عظيمـاً في حيــاة صَمـوئيــل لابُــوف, فَــ سيكون اليوم .. فَـ قـد إختــير ليكون المُهنــدِس الرئيس لِغُــرفـة المُحرِّك الأمــامي لِلقِطـــار القَارِّي الأَوَّل , و الذي سيُخــلَّــد بدورِه في تــاريخ البِــلاد  .. لِدرجـة أن تجعـل الشخــص يتــسـائـل عن كـم قُبلــة وضعَهــا صموئيــل على الجُدران السوداء المصقولــة لتِلك العربة . تــفـاخـر بِهذا الأمـر إلـى عـائِـلتِـه و أصدِقائِـه مرَّاتٌ لا تُحــصى .. النَّــاس الذين يعلمون كَــم مِــن الجُهــود قد بــذل صَــموئيــل أشــادوا بِهِ بِصِدق بينمـا إنطـلق إلـى خِدمــتِـه الأُولى مع القِطـار .. فـي بداية الأمــر , صَــموئيــل قـد خطَّط بأن يقــضي وقتــَهُ يُدمدِم الألحــان أثنــاء رِحلتـِه حَـول العَــالـم إلـى جَـانِـب غُروب الشمـس , و أن يستـعيـد ذِكريـاتِـه عن اليوم الرائِـع الذي سيقضيـه .



" ألا زال ..... لــم يصِــلوا البدائِــل ؟ "



" أنـا أسـِف , أنـا أسِـف , أنـا أسِـف ... ! "



السـاعـة كـانت بالضبط السادِسة و ثلاثة و أربعيــن دقيقة في المَــساء .. سِــلاحٌ نَــاري كـان موضوعـاً على رقبة صــمـوئِيـل مِن الخلف .. الجِـسم الغير مُتــحرِكـ لِـزميلِـهِ المُهنـدِس و مُسَـاعِـده كَـانت مطورحة على الأرض بِجـانِب قدميــه , رأسَــهُ الذي لم يُظهِـر علامـةً على الحيـاة .. ذلِك الشخص المذكـور و الذي قـام بتحيَّتِــه و تـحــدَث معه هـذا اليوم بالتحــديد ,,, الآن هُــو جَـامِـد بِـلا حِـراك ... ذلِك القِطــار الذي بدأ حِكــايتـه لِلتـو و إسمــه الذي سيُـحـفـر في التـاريخ ,, قــد أُختــُطِـف فَــجــأةً و أحتــلَهُ المُجرِمُــون .



--- لِمــاذا ... لِمــاذا ... إنتـهى المطاف بِهــذِهِ الطريقـة ؟ مــا الذي قُمــتُ بإرتِكــابِـه ؟



عِندمــــا يتــعــرض النَّــاس إلــى مصيــرٍ قــاسٍ و وحشي , أفكـــارٌ كـهذِهِ غَــالِباً ما تُــراوِدَهُــم .. فَــ أوَّلاً , سيتـحســرُون على ويلَهُـم .



--- متــى و في مــاذا أخطـــأت ؟



و مِــن ثُــمَّ , يستــدرِجُــون في ذكريــاتِـهِـم في أدمِغتِـهِــم إلـى ذلِك الوقت الذي أُصيبُــوا فيه بِـ المُصيبـة و سوء الحـظ ... الوقــت الذي غـادَر فيه القِطــار القَـارِّي الذي كـان مِـن المُفتـرض على صَــموئيـل أن يقوم بقيـادتـِه مِـن مَحــطَّــة عَــاصِمــة ليدِنتــشافتــليش - ليدِن - و مِـن بعد إنـِـتهاء مراسِـم إحتـِفال المُغــادرة , كـان قـبـل الغســق بِفتـرة .



القِطــار القــارِّي و المدعُـو بِـ " فيـم فيتـال - طـاغيـة الجمـال " , كـان قِطــاراً مِـن ثلاثــة عشر عربة تــتـألَّــف ِمِـن قَـاطِــرة 1 و 2 و 3 , العربــة ذات غُـرف النوم الواحِــدة 1 و 2 , و عربـة حُجـر النوم البسيطـة 1 و 2 , و عـربـة الرُكَّــاب 1 و 2 , و العــربـة ذات المقـاعِـد بالرؤية البنوراميـة الواسِعــة , و عربــة تنـاول الطعام 1 و 2 و كذلِك عربة البضائِـع .. مِـن أجـل جــر العربــات العشرة الأُخــريــات , كُـل قَـاطِـرة كـانت تحظى بِـ مُهندِس و مُسـاعِـد لِلمُهنــدِس , و بإستِعمـالِــهِـم لِـصافِـرة البُخـار كَـإشـارة , كُـل قاطِـرة كَـانت لتـطُلِق صافِـرة ثُلاثيـة لضبط وتيرة الحركـة .. و بِنــاءاً عـلى هـذا , حتَّــى و لو كـان عدد موظفـو القيـادة نَــاقِــصاً و لـو بمُجرَّد شخـص واحِـد , فإنَّ العمليـة لـن تسيــر بإنسِــيابيـة .



فــيــم فيتـــال قــد سُيــطِر عليهـا مِـن قِــبـل خَــاطِفيــن مُسلَّحيــن و لــم تـمُــر ساعــةٌ كَـامِـلة مِـن بعد مُغــادرتِـها لِـ ليدِنتشــافتـليش .. أُولئِـك الخَــاطفيـن قد إنتـشروا خِــلال كُــل عربـة مِـن بعد بدء العمليـة , مُســتوليـن على القِطــار مِـن عربــة البضائِـع .. خِــلال تِلك العمليـة , أُولئِـك الذين قُتــِلوا كـانوا , المُضيــف مِـن عربة حُـجـر النوم البسيطـة 1 , و مُهنــدِس مِـن القَـاطِـرة 3 و مُسـاعِـد صــموئيـل مِــن القَـاطِـرة 1 - بِمعنـى ثلاثة مِـن الموظفيـن قد قُتـِلوا .



فيــم فيتــال بِحــاجة إلـى التـزود بالمــاء و الذي كـان وقُوداً لها مِـن محــطــة التوقُــف ... حَــالياً , إلـى جَــانِـب إمدادِهـا بالميـاه , طَلَــبٌ قَــد أُرسِـل إلــى ليدِنتــشافتــليش و إلـى المصلحـة الوطنيـة لِلسكك الحديدية لإستـِبدال الأمَـاكِــن الشاغِـرة لِـ مُهندِس و كذلِك المُسَـاعِـد , كـان الخَـاطِفيـن في إنتِــظار البدَائِـل .. يبدو أنَّ الخَــاطِفيـن قـد أرســلوا مَـطالِــبٌ أُخــرى إلـى الحكومـة ,, لكِنَّــهُــم لم يُخبِـروا صـموئيـل بأياً مِن هذا بِمــا أنَّـهُ كـان مُجرَّد رهينـة .



كـــانت هُنــاك قِطــعـة قُمـاش تُحيط بأذرِعَـــــتـهُـم تحمِـل شعِــاراً لِإحــدى دول الشمــال .. مــا الذي كـانوا يُخطِّطُون مِـن أجلِه ؟ أيُمكِـن أنَّـهُـم يسعُــون إلـى الإنتِـقـام لِهزيمـتِـهِـم ؟ أيُمكِــن أنَّ في جُعبتِـهِـم خُطَطاً أكثر شنـاعـةً ؟ في كِلتـا الحالات ,, يُمكِـن إفتِـراض أنَّ تِـلك الجمـاعة مِن المُختـطفيـن كـانوا يتــصرَفون بشكـل طائِـش دون أن يتـلقوا أوامِـراً مِن أي أحـد ... بعــد كُلَّ شيئ , لا يهُــم مدى جهلِهِــم عـن كيفيــة عمــل القِطــار , فَـ سينتـهي بِهِـم المطــاف بقتــل الموظفيـن لِإعـاقتِـهِـم لمجرى عمليَتـَهُـم .



" لا تــقلق .. إذا لَــم تستمِــع لِـ تعليماتِـنـا , فَـهذِهِ مــسـألَـة مُختـلِفـة ,, لكِـن بِمـا أنَّــك السائِـق هُنـا , فَـلـن نقتـُلَـك .. هــذا المكَـان مُكتـظ .. لا تــجعــل الخوف يُسيطِــر عليك و تُبَلِّل سِــروالَــك .. ستُــصبِح الرائِحـة عفِنـة سريعـاً . " أحــد أُولئِـك الخَــاطِفيـن قـال ذلِك و كـأنَّـهُ يُهدِّئ مِـن روع صــموئيـــل , لرُبَّمــا كَــان صعبــاً عليه النــظر إلـى هيئَتـِـه المُخيـفة .



" هــآآم , بمُجــرَّد أن تُســتـبدل الأمـاكِـن الشاغِــرة ... إلــى متــى سيُفـرض علي أن أقــود ... ؟ "



" إذهــب إلـى المحطــة الأخيــرة دون تـغييـر في المــسار .. مــا نطلُبـهُ منــك هُـو أن تـُوصِلنـا بأمــانٍ سالِميـن . "



إعتــقــد صــموئيــل بأن قَــول أي شيئ لهُـم سيُغضِبهُـم و سيتـلقَّـى مِنهُـم ردَّاً عنيفاً ... مــع ذلِك , أصـابهُ قليلٌ مِـن المُفـاجأة بتمكُـنِـه مِـن إجـراء حديث طبيعي مَعــهُـم .



--- أولئِــك الأشخــاص قد يكُــونوا أُنــاسٌ طبيعيـيـن مِثــلي , لكِـن , ليس بإمكـانـي أن أُفكِــر بِهِــم بِالمِــثــل .



مِــن وِجهــة نــظر صـــموئيــل , بدا أنَّــهُــم أُنــاسٌ مِـن عــالــمٍ مُختــلِــف تماماً .





______________________________________________________





مِـن الواضِـح أنَّـهُ كـان هُنـاك أخريـن غير صــموئيــل لابُــوف تســائــلوا لِمــاذا إنتـهى المطاف بالحـال هكــذا . و على خِـلاف صـمـوئيـل الذي أُبـقي على حيـاتـه كونَـه مُهندِسـاً , أُولئِــك الذين تســائــلوا بذلِك السؤال هُــم الرُكَّــاب الخَـائِفُـون و الذين لـم تكُـن لهُـم أية دِرايـة عـن متـى سيُــقتـَـلُون في حـال أُثير غـضـب الخَـاطفيـن .



مَــضــت عِــدَّة سـاعـات مُـنـذُ أن بدأت الحَـادِثـة و حـتـى وصُولِهُــم إلـى نُـقطـة التزود بالميـاه .. عـدد المُجرميـن لم يُـكن بالكثير , لكـن بِضعـة مِنهُـم كـانوا يتـبادلون الأدوار في مُــراقبـة الرهائِـن . المعلومــات التي تقضي بأن المُهندسيـن و المُسـاعدين الذين قَـاوموا الخـاطفيـن و أنَّـهُـم قُتــِــلوا في القَـاطِرة المُحرَّك الأمــامي و أنَّ طَـاقَـمٌ مُستــبدَل كـان في إنتِـظارِهِـم ,  لم تصِـل إلـى مسامِـع الرُكَّـاب ... الأجــواء المُتوتِّــرة النَـاتِـجـة عـن الخـوف المُرافِـق لهُـم لِفتـرة طويلـة و الحَــالة الذهنيـة لِلرُكَّــاب , كـانت بالفِعـل تقترِب مِـن حدُودِهـا .



" آآه , لِمــاذا توجَّــب أن يحدُث هــذا بِحــق ؟ " رَثَـــى أحــد العُمـلاء - سَــيـدٌ مُحتـرَم كبير في السِـن - في عربـة تنــاول الطعـام رقـم 2 , و أمـامه وجبتِـه التـي أصبحــت بارِدة .



--- خِــلال هـذا الوقت , كُنــتُ لأرى بِــنت أُختــي مُرتـديَــة لِزي الزِفــاف و ستــتـزوَج في مسقـط رأسِنــا  .



لَــم يتـخيــل مُسبَـقاً أنَّ رِحـلة القِطـار هَـذِهِ و التي كَــان فيهـا بمِزَاجٍ سعيــد ,, أن تتحــوَّل إلـى هـذِهِ الحـالـة المُروِّعــة .. تِــلك الحـوادِث الكبيرة التـي كـان ليـراهـا في الصُحُــف الإخبـارية أو التي يسمــع عنهـا وسط الإشــاعــات كــانت دائِمـاً تــأخُــذ مكـانهـا بعيــداً عنـه , و هـكذا , لـم يتــخيـل أنَّـهُ سيُواجِــه حَــادِثاً كهـذا و يكُـون في خِضـامِـه .



ذلِك السيـد لـم يكُـن يوجِّـه كلِمـاتُـه لأي أحـد بالتـحديد , لكِــن المرأة التـي كـانت جَـالِسـة بجانِبِـه إستـجـابـت لها .



" مــا هُــو القِطــار العَــابِــر لِلقَــارَّات حتـَّــى ... ؟ "



وسـط خِــضـام هـذا السينـاريهـو المُتوتِّـر , صوتٌ جميــل و مُريـح تردَّد في مسـامِع أُذُنيـه " تمــاماً كما يُوحي إسمــه , هــي مركبـة كبيرة و واسِعـة و التي تربِِــط و تنتقِــل مِـن بدايــة القـارة إلـى نِهـايتِـه عَــبر السِكك الحديديَّـة , و بإستـِطاعتـِها أن تنقُـل أي شيئ , مِـن البِضـاعـة إلـى البشر .. فَـ يُوفِّــر سُهُـولة الإنتِــقال و الرِبـح لِلكثيريـن ... مَــع ذلِك , لا يُمكِــن لِلقطَــار إلا أن يسيــر على السَكَّـة الحديدية .. و مِـن أجـل بِنــاء تِـلك السِكـَّـة الحديديـة , يجِـب أن تُـسوَّى و يُـزال كُـل شيئ في طريقِهـا .. سواء أكـان في طريقِـهـا حُقُـول أزهـار أم منـازِل , كُـل ما في طريقِــهـا يجِـب أن يُمسَـح بالقَـوة و أن يُنـهـى تـواجُـده . " ذلِك الصوت كـان ينتمـي إلـى إمــرأة جــذَّابـة و التـي كـانت تُــراقِـب فَحـسـب التغيُّــر في لـون السمـاء دون حَـتَّــى أن تُــطلِـق صرخَـةٌ واحِـدة مُـنـذُ اللحظــة التي سُيطِـر على العربـة مِـن قِـبل الخَـاطِفيـن .. كمــا و كـأنَّ هُنـاك آلـةً أو مـَاشابـه موضوعـة في رأسِـها ,, تِـلك المرأة تـحدَّثــت بهدوء و نُعــومـة , " بِهــدف إنشـاء السِكـة الحديديَّـة هَـذِه , يبــدو أنَّ هُنـاك قــلعــةً و التي كـانت تُعتـبر رَمـزاً تاريخيـاً , قــد هُدِمــت .. بالإضـافة , قـد سمِعــت أن العُمَّـــال مِـن الشمــال , أي الطرف الخَـاسِـر ,, قَــد عَــانوا مِـن الإرهَـاق الشديد بِسبب مُســتوى الأجـر المُتــدني .. كمــا أنَّ المَـسَـار قد فُتِـح أمامنـا عبر المُتـفجِرات التي أُستُعمِلــت لتدمير الحِجـارة في الجِـبـال .. كمـا أنَّ عــدد الضحايا في عمليـة التفجير لـم يكُــن بالقليل . " تِـلك الأعيُـن الزرقاء لِلـمرأة , كــانت تُــراقِـب الشِعــار لبِلاد الشمـال المـوضوع حـول ذِراع خَـاطِفٍ حَـامِــلٍ لِسلاح .



" مُستـحيـل أن يكون هــذا صحيحاً .. لا يجِــب عليكِ أن تتفوهي بالأكــاذيب . أشيــاءٌ كــهذِه .... لــم تكُــن في الصُحُــف الإخبــارية , أليس كذلِك ؟ "



قِــلة مِـن الأُنــاس مَـن لـم يُصيبَـهُـم الإنزِعـاج عُقــبـان سماعِهِــم أن الدولة أو الأُمَّـة التي ينتـمون إليهـا تنــتـمـي إلـى الطرف الْخَــطيئ .. بينمـا تحدَّث ذاك السيـد بقليلٍ مِــن عدم الرِضـا , تِـلك المـرأة - فَــيُوليــت إيفرجـاردين - إستـمرَّت في حديثِــها , " هَــذِهِ ليســت بِقصَّــة معروفـة جِداً . أنا بدوري , قـد سمِعتـُـهـا بالصُدفـة عِندمـا كُنــتُ أرتحِـل .. فَـ بعد كُــلَّ شيئ قد ذهــبــت إلـى كُـل مكـان .. و عـلى الأرجـح , يُمكِــن أن يُعــتبر هـذا دافِعَـهُـم ... لكِـن إن كـان الحَـال كذلِك , فَــ إستـِغلالِهِــم لِهذِهِ الفُــرصـة و تدمير هـذِهِ العربـة و قتـلنـا هُـو هدفَهُـم الرئيس الذي يسعُـون إليـه .. لــقد سبق و أن قتـلوا أفـراد مِـن الطـاقَـم , لكِــن حِـفَـاظَهُـم على حيـاة الرُكَّـاب حتَـى الآن يُعتـبر لهُـم أمراً هَـامَّاً . قـد يكُون هُنـاك .... هــدفٌ أخـر .. "



تَـفـاجئ ذلِك السيِّـد المُحتـرَم و بدا ضعيفـاً كَـ فتاة , عِندمـا نطقت بِـ " قتــلوا " .



" بِهــذا ,, أنتِ تقصِديــن ..... ؟ "



" مـن يدري ؟ بِمـا أنَّهُــم أخذونـا كَــ رهائِــن ... فَـ مِـن المعقول التفكير بأنَّهُــم يُطـالِبُون الحُكومـة . "



الرجُــل المُحترم لم يكُــن مُقتـنِعـاً بِـ كَـلام فَـيُوليت , لكِنَّــهُ إنعــجــب بِـ بتخمينِهـا الذكي .



--- فـقـط ... مـا هــو عمــل هذِهِ الفتـاة .



كَــانت شــابَّـة غَــامِــضة و الذي كـان مظهـرهـا قريباً مِـن الدُميـة التي يحملـها الطِفـل معه .. قــد هَدئ الخـوف الذي يُحيــط بالرجُـل قلِيلاً نتيجـةً لِفُضولِـه نحوهـا .



" مــع ذلِك , لا عـلاقـة لنـا بِهـذا الأمـر . أنا و بِبسـاطـة ... أردت حُضــور حَـفل زِفـاف إبنــة أُختــي و التي تعــيش بعيداً . "



" أجــل , و مـع ذلِك . " إستـمرَّت فَــيُوليت , " فَــ ظروفـنــا و رغبـاتـِنــا لا تُهِـمَّهُـم بدورِهِـم . كُــل طـرف يتــمسَّـك بِقناعتـِه , هَـذِهِ هـي حقيقـة الحروب ... هــذا المكــان يُمكِــن أن يُعتـبر ساحــة معركـة بالفِعـل . "



العَــالَــم الذي أُحيـط بالغســق , إنتــقـل إلـى المسـاء .. الوهــج النَـاعِـم النَـاتِـج عـن الفوانــيس المُعلَّـقـة على العربـة قـد أنتـج ضوءاً لطيفاً بارِزاً و الذي كـان ملحوظاً حتَّـى في ظِـل هـذا الحـال المُتوتِّــر ... تِـلك الأعيُـن الزرقاء حَدَّقــت على التوالي تِجـاه عمـليـة التزود بالميـاه خـارِجـاً , و إلـى أضواء العربـة إلـى أُولئِـك الرِجـال الذين يصرِخـون على قِلَّــة مِـن الرُكَّــاب الذين إتـخذوهُــم كَـ رهائِـن .



" يجــدُر بي  ... التـحرُك قريباً . "



كـان ذلِك عِندمــا أدرك السيـَّـد أخيــراً .. أن فَــيُوليـت لـم تكُــن تُراقِـب المشهـد في صمــت و هبـاء .. إنَّمـا كـانت تُخطِّط إلـى القيـام بإستِهـلال .



" مَــهلاً يا أنتِ , أنــا لا أدري مـا الذي تُحـاولين القيـام بِهِ , لكِــن سيكون مِـن الأفضــل إن توقفتـي عـن .... "



" المكــان مُــظلِم تمـاماً بالخَـارِج .. و النَـافِـذة واسِعـة نوعاً مـا , أليست كذلِك ؟ "



السيِّــد بدا حَــائِـراً بشأن مُــلاحَظاتِـها التي لم يدري ما الغرض مِنـها .



" سيــدي , إذا سمحـت لي بأن أســألك ,,, أتــُدَخِّـن السيجــارة أو السيجار ؟ "



" أ-أجــل . "



" ألـديك أعـواد ثِقاب ؟ "



" فــي جيبي اليمـيـن ... "



" رجـاءاً إسمـح لي بأن أقتـرِض واحِـد مِنهـا فقط لاحِقـاً . " لــم تـقُـل فَـيُوليــت أكثر مِـن هذا , و مِـن ثُـمَّ وقفـت فـوراً .. رافِـعـةً ليدِهــا بِبطُء نحـو حُـزمـة الضفـائِـر في شعرِهـا .



السيـد كـان بإمكـان رؤيـة يد فَــيُوليـت قـد أمسكـت بِـ عُـود فِـضِّـي حـاد و رقيق .. كـانت إحـدى أدوات فَـيُوليت المخفيَّـة , و الذي يُمكِـن أن يُستعمـل في المعَـارِك قريبـة المدى و كذلِك البعيـدة ,, لكِـن مِـن وِجهـة نظر الشخص العـادي ,, ما في يدِهـا لم يكُـن إلا إبــرة سميكـة .



و لَكِــن ,, أحــد أُولئِــك المُــجرِميــن وجَّـه بِـ سِلاحِـه نَــحـو فَــيُوليت بينمـا تصرفَّــت بِشذوذ ..

" مَــهلاً ,, مــاذا تفعليــن !؟ أرفعــي يديك !! "



" مفهــوم . " رفعــت يديهــا كما أُخبِرت أن تفعــل .



فــي اللحــظـة التـاليـة ,,, فقــط فـوانيس العربة إنفـجرت فـجـأة و أنــطفـأت الأنـوار على الفـور .. أصــوات صرخــات الرُكَّــاب الممزوجــة بِـ أصــوات الخَـاطفيـن الغَـاضبيـن .. لكِــن لـم يكُـن هُنـاك أصواتٌ لِطـلقات الرصاص .. إنَّمـا إستـمرَّ صــوتٌ مِـن أحـدٍ يُهَـاجِـم و يضرُب و أصـوات تكسُّــر الزُجـاج إستـمرَّت .. و بعـد ذلِك , أصبـح الوضع هَـادئاً تماماً ... الجميــع كـان يُحيـط بِه القلق و الإرتِبـاك عـلَـى ذلِك الصَـمــت الموجود داخِـل ذلِك الظَــلام الدَّامِــس .



مــا الذي حَـصـل لِلخَـاطِفيـن ؟ مـا الذي قَـامـت تِلك الفتـاة التي رفعـت يديهـا بِفِعلِـه ؟ مـا الذي يحصُــل على متــن العربـة خِـلال الوقت الراهِـن ؟ بينمـا كـان الرُكَّــاب غَـارقيـن في التسـاؤلات ,, أنــُيـرت إحـدى تِـلك الفـوانيـس المُحطَّمـة بالنَّـار مِـن جديد .. إمــرأة جميلـة مُمسِكـة بِـ عُـود ثِقـاب ظَهــرت مِـن وسـط الظـلام كَـ الشبح .. واضِعـةً لِأصبعِهـا السبَّابـة على شفتـيهـا و همسـت بِـ " ششش . " .. تِـلك الشَــابَّـة كـانت تقِـف واضِحـةً لِلعيَـان وسط حُـلكـة الليل .. جميــع الرُكَّــاب الذين نــظروا إليهـا سَكنُــوا تحـت أمرٍ مِنـها بِلا إكـراه .



" سُــرِرتُ بِـ معرِفَــتِـكُــم .. أنــا مُرتــحِلــة .. جميعــكُـم , أنـا أدري أنَّكُـم بالفِعـل مُتعبيـن . لِذلِك رجاءاً إنتِـظروا قليلاً بعـد . ســأتـولَّـى الآن أمـر .... الحُــرَّاس الموجوديــن خـارِج و داخِـل عربة الشحـن . " لــم تقُــل فَيُوليت أكثر مِـن هـذا و مِـن ثُـمَّ أطـفأت عُـود الثِقـاب بِـ نفخـة مِنهـا .



عـلى تِـلك اللحظـة , أدرك السيِّـد أنَّ عُـود الثِــقاب قـد أُخـذ مِـن جيبِ صدريتِــه دون حتــى أن يُـلاحِـظ .



وَســط ذلِك العَـالم الذي يكسـُــوه الظـلام , تــردَّدت الضوضاء وحدهـا مِن جديد بمُجرَّد أن فُتـِحـت النَـافِـذة الموجودة على الجَـانِب الأيسـر و عِند خُروج أحــدٍ مِنــها ... الصــوت النَـاتِـج عـن الحَـصى نتـيجـة المشي عليـه و مِـن ثُــم تـلى ذلِك صوت لأحــد يجري .. و مِـن بعـد مضي بِضعـة مِـن الوقت , سُمِــع صوت تــأوُه لِرجُــل . و مِـن بعـد مرور ثـواني قليلة .. كـان هُنـاك صــوت خشخشــة لِـ شيئ كبير يتـِم جرَّه .. إرتـبــك و تـفاجئَ الرُكَّــاب بِـ تغيُّــر الأحـداث المُفـاجئ ذاك .. و مِـن ثُــم سمِـعوا صــوت المشي ذلِك مرَّة أُخــرى .. تِـلك الخُطُــوات الرشيـقة و الذكيـة إقتـربت مِـن العربـة ... صـــوت خُطُــوات الأقــدام تِـلك لذلِك الشخــص الغير مرئي , أثــارت حِسَّــاً مِـن القلق في الأشخـاص الذين غَــرِقُــوا في الخَــوف لِفترة طويلـة .



" عُــذراً . "



" هيـــــــه ! " صَــــاح ذلِك السيِّـد المُحتــرم عِندمــا طُــرِقـت النَـافِـذة فَـجأةً مِـن الخَـارِج .



كَــانت فَـيُوليــت تــقِــف في العَـالـم الخَــارِجي ,, حيــثُ كــان ضوء القمــر مـا كـان يُعتـمـد عليه ,, ضوء القمـر كـان ينعكِــس على ظهرِهـا .



" جميعُــكُــم , إحــرصُـوا على الإلتِــزام بالصمــت .. رجــاءاً أهربُـوا قبــل أن يــأتــي بـاقي ُأولئِـك الأشخـاص مِـن العربات الأخُــرى لمُهـاجمـة هذِهِ العربة . "



مَـــلابِسُهــا التي تُشابِــه ملابِــس الدُميَـة , مَــلامِـحُهـا التي تُشابِـه ملامِــح الدُميـة .. كُــل شيئ بِخصُـوصِهــا كـان يجعـل فِكـرة أنَّهـا إنســانـة تتخــافــت .



" قـوموا بِـ مد يد العـون لِلنِســاء و الأطفـال و كِـبار السِـن .. و رجــاءاً قوموا بالمشي إلـى جَـانِـب السِكَّــة و عــكس تِـجاه الرِحـلة .. سيـأخُــذ الأمـر وقتـاً طويلاً بالتـأكيـد , لكِـن إن وصلتـُـم إلـى أقرب محطَّــة , فَــ الشُــرطـة العسكريــة ستضمُــن لكُـم الحِمايـة . البقـاء في هـذِهِ المحطَّــة ليســت بالفِكـرة الحسنـة .. فَــ الأشخـاص الذين يبدون أنَّـهُـم موظَّفُـو هَذِهِ المحطَّـة كــانوا يتحدَّثُـون بِـ ودِّيـة مع أُولئِـك الحُرَّاس , لِذلِك , يجِــب أن تـكون هُنـاك أطرافٌ أُخــرى مُشارِكـة في عمليـة الإختِـطاف هَذِه . "



بإمكــان المرء أن يــقــول حتــى دون مُشــاهدتِـهـا تُقـاتِـل مُباشرةً أمام عينيـه ... أنَّهـا لم تكُـن شخـصاً عـاديَّاً .



بدأ النَّـاس بِـ تسلُّق النَّـافِـدة و أندفعـوا نحو الأسفــل , نحـو العَـالم الخـارِجي .



" مــاذا عــنكِ ؟ ألــن تـأتي معنا ؟ " ســأل ذلِك السيِّـد المُحتـرم عِندما وطأت قدمـاه الأرض , تِـلك المرأة الغَـامِـضة , الذي أصابَـهُ الفُـضُول نحوهـا حينهـا .



هَــزَّت فَــيُوليت رأسَــها . " هُنــاك ما يتـوجَّب عليَّ القيـام بِهِ هُنـا .. حَــادِثٌ كـهـذا هُـو الأوَّل مِـن نوعِـه يحصُــل بعد إنتِـهاء الحرب .. على الأرجــح , جيش ليدِنتــشافتـليش سيتــصرَّف حيـال هَذِهِ المُعــضِلـة .. مِـن الصعب جِداً إيقـاف هَـذا القِطـار الذي يبدو .... كَـ صُندوق و الأُنـاس بِداخِــلِـه , دون أن يُهـاجـم مِـن الخَـارِج ... إذا أصبــح ما بِداخِـل القِطــار خَـاليـاً , فَـ لـن يكُون هُنـاك حَــاجـةٌ للِتردُّد ... مِـن الواضِـح أن معركـَةٌ ستـحصُــل في إحدى محطَّــات التوقُــف القَادِمــة , لكِـن حتَّــى ذلِك الحيـن , يجِــب عليَّ أن أبــذُل جُهــدي ... "



" هــذا .... ليس بشيئ يتــوجَّـب عليكِ أنتِ القيـام بِهِ صحيح ؟ دعينـــا نهــرُب جميعــاً و سويَّــةً . "



" لا .... "



عينــاها الزرقــاوتــين كَــانتا تُحدِّقَـان نحو الأســفـل , نحـو ذلِك السيِّـد الذي أمــامَـهـا ,, لكِــن وعيهــا و تفكيرهــا كـانا في مكــانٍ أخـر .



" لا , هــذا أمر يتــوجَّـب عليَّ القيـام بشيئ حيـالـه . هــذا .... هــذا ... في سبيــل شخــص و الذي أرغــب بأن أكون قوَّتــه , حتـى و لو كـان ذلِك غير مُباشِـراً . "



كـــانت تــبحـث عـن جيلبِــرت بوغَــانفِليــا , و الذي كــان مُتواجِـداً في مكـان بعيــد , و بالتـأكيـد كـان يبــذُل جُهــده في سبيـل إنــقـاذ أُولئِـك المدنيين . "



" لِحُــســن الحــظ , لــقد كُــنـتُ مُتجِهــة نحو مكَـان بأبكـر بيوم واحِـد مِـن المُخطَّط .. و أمـر إستِـعمـالي لِهذا القِطـار كـان مُصـادَفـة , لكِـن هُنـاك وسائِـل نقــل أُخـرى .. إذا تمكــنت مِـن أن أتــواصـل مَـع المكتــب الرئيسي اليوم سيقومون بتـعييـن بديـل عنِّـي لِهذا العمـل ... لكِــن هَذِهِ حـادِثـة كبيرة , لِـذا رئيس شركتـي قـد يكُـون مُتـوقِعاً لِهـذا الحـال و دبَّــر بالِفعـل بديـل عنِّـي ... هــذا كُــل ما يشغـل بالي . "



" يجِــب أن تكون ســلامـة جَسَدُكِ هي مــا يشغـل بالــك أكثر مِـن أي شيئ أخــر . الوضــع خطير .... ألـــستِ مُجرَّد فَتــاة صغيرة !؟ "



" لا تقــلـق .. فَــ اللَّيـل قـد حَـلْ , لِــذا أنـا أُأمِــن بأنني سـأتولـى زِمام الأمور بأقـل أضرار مُحتمــلة . "



" أتقوليــن - زِمام الأمور  - ..... ؟ "



" ســأتـولَّـى زِمـام الأمـور " تِـلك الكلِمــات قـد سبق و لفظتـها في وقتٍ مـاضي .. تِـلك الكلِمـات لم تكُـن تحمِـل وزن " سـأقـَـاوِم " أو " سأناهِض " لقـد كـانت ذا وزن أكبر .. فَـ وِجهـة نَـظر تِلك الفتـاة التي لفِـظت بِهـا كـانت مُختـلِفـة ... لقــد كــانت تســعى بأن تـضـع حَدّاً لِهذِهِ المعركـة لتكُـون نِهـايتُهـا إستِـسلامـاً لأعـدائِهـا ... تِـلك المرأة شديدة الجمــال لم تـُــظهِــر قليلاً مِـن الخوف أو القلق مِن كونــها تُـواجِـه عَدواً يفوقهـا عدداً .



--- لــدي شعُــور بأنَّـهُ ..... لــيس هـذا ما يعنــيه أنَّـك تمتـلِك ثِقَـةً في نفسِـك .



جميــــع أفعَــالِهــا بدت لِلسيِّـد المُحتـرَم و كـأنَّـهـا حركـات لِآلـة .



" ألســـتِ خَــائِـفة ؟ "



" لا , لســتُ كذلِك . " . موقِفُــها و كــأنَّــهـا شخــصٌ لـم ينـزعِـج بِـ حقيقية أنَّـهُ على وشـك خوض قِتـال مَـع خَـاطِفيـن .



سُــــرعــان مـا بدأ القِطــار بالتحرُّك .



السيـد المُحتـرم شَكـرَهـا على إنــقـاذهَـا لِلجميـع بينمــا صعــدت مُجدَّداً على مــتن القِطـار و سـألَهـا أخيراً , " أنتِ يا فتـاة , مـا هُـو إسمُــك ؟ "



تَــعبيــر فَــيُوليــت أصبـح أكثر سِحــراً و جمـالاً بينمـا وضعـت إصبعهـا السبَّـابَـة على شفتـيهـا و لـم تقُـل شيئاً ... و عِندمـا ذَهـب القِطـار , السيــد المُحتـرَم كَـان غير قَــادِِراً على سمَــاعِ إسمِــها  .







______________________________________________________





بالعـودة إلـى الساعـة السادِسة و سبعة و عشرون دقيقـة , أرســل جيلبِــرت دعـوة بـ تجمُّــع عَـاجِـل لِقوَّاتِــه , مُجمِّعـاً إيَّـاهُـم فـي المُدرَّج الذي ستُــقلِع مِنـهُ طَــائِــرات صقـر اللَّيـل .. جميـعَهُـم كَـانوا مُتـأهبيـن في منطِقـة الإستـعداد بالقُــرب مِـن ذلِك المُدرَّج المذكور , مُستـعدين لإرسـال كَـامِـل مُحتـويات العمليـة , و فـي إنتِـظار تسـليح كـامِـل القوَّات و وضـع اللمسـات النِهـائيـة على طَـائِـرات صقـر اللَّيـل .. قَــرَّر جيلبِــرت إستـغلال ذلِك الوقــت في التـواصُـل مع الرجُليـن الذي كـان في حـاجة أن يتحدث معهُـمـا .



" نــحــنُ الآن مُـتصِليـن بِـ وزارة ليدِنتـشافتـليش للأسـطول البحري . "



" أسِــف بهـذا الشـأن .. سأستـعير هـذا الآن .. أعتـمِــد عليـك في إبعـاد النَّـاس عن هُنـا الآن . "



أعــطـى الرجُـل الموجود في غُـرفة الإتِـصـالات و الذي طلـب مِنـه جيلبِـرت سابِـقاً بأن يتــصِـل بأخيـه , مقعـده .



سُــرعـان مـا أصبـح صوت أخيـه يُسمــع , " جيـــــل , ألــديك معــروفٌ لتـطلُبَـه مِـن شقيقك الأكبر ؟ "



إعتـقـد جيلبِــرت , أنَّـها نبرة شخــص يختـلِق شعوره بالإنـزِعـاج .



على الرُغــم مِـن أن ديتـفريـت كَــان يطلُـب أشياءاً مِـن جيلبِــرت ,, إلَّا أن طـلب جيلبِِـرت مِـن أخيـه لـم يحدُث في العـادة .. كُلَّـمـا كـان يطـلُب أي شيئ مِـن أخيـه , أخيــه كَـان يتــصرف بالإنـزِعـاج ,, لكِـنَّـهُ لم يـرفُـض طَـلَبٌ لَـهُ مُطـلقاً .. لرُبَّمـا كَـان يشعُـر بأنَّـهُ مديـون لِـ جيلبِــرت بِسبب مُعــاملتِــهِ إيَّـاه إلـى هذا الحد .



" أجــل يا أخـي .. لــدي مَـعروفٌ لأطلُــبـهُ مِـنك . "



مِـن المُستـحيـل أن يكون ذلِك الشقيق الأكبر غير سعيــد , كـون شقيقـه الأصغـر يعتـمِـد عليه .



جيلبِــرت قـد أوضـح في ذلِك الإجــتِـمـاع أنَّ البحــريـة ستتحرَّك أيضاً عِندمـا بَـدت المُنــاقشـات في صالِحِـه .. يبــدو أن إجــراءات العمليـة ستتسِــع و ستـشمـل وزارة البحريـة أيضاً ,, و هكـــذا قـد طُــلِــب رسميـاً بإرسـال بارِجـة لتـمنـع عمليـة فِرار الخَـاطِفيـن مِـن مينـاء عَـاصمِـة الشمـال .



و عــلى الرُغـم مِـن كون الإثنتــين وزارتـيـن تتبعـان دولـة واحِـدة ,, جــيش و بحريـة ليدِنتــشافتــليش كـانتـا كيـانـات مُنفصِـلة تـشتـرِك في مِـيزانيـة عسكريـة الدولـة .. كَـان يُشتــرط وُجود وسيـط للِحصُـول على مُعـاونـة مِن الطرف لِلأخــر , و إلَّا لكـان الأمـر صعبـاً في حـال لـم تكُـن هُنـاك مكَـاسِـب كبيرة لأي مِـن الطرفيـن ... مـع مُضي الوقت , ديتـفريــت و الذي خَـان تــاريـخ بُـوغـانفِليـا - تِـلك الأُسـرة التي كـان أفـرادُهـا ينضمُـون إلـى الجيش على مدار الأجيـال - بإنـضِمـامِـه إلـى البحريـة , إلَّا أنَّ ذلِك قـد صَبَّ في مصلحــة الأخـوين .. تمــاماً كَـ جيلبِــرت , فَـ ديتـفريـت قـد نَحــت لِنفسِـه مكَـانـةً , تسمـح لهُ بتـحريك قُوَّاتـِه بِـ حُريَّـة كبيرة .



" حَسنــاً , سـأرُد هـذا الديـن لَـكَ يومـاً مـا . "



" سيكــون الأمـر كَـافياً , فـي حـال أحــضرت المشروبـات و إحتــفــلــت معي في يوم ميـلادي عِندمـا يحِـلْ . "



" إذاً كـان شيئٌ كهـــذا , بإمكـاني فِعلُــه دون أن يكُـون رداً لِلديـن . " ردَّ جيلبِــرت بِهـذا و كـان على وشـك إقفــال الخـط , إلَّا أنَّ أصابِـع يديـه و التي إمتــدت نحــو مُعِـدَّات الإتِصــال ,, تــوقَّفــت عـلى تِـلك الكلِمــات التـاليـة مِـن ديتـفريــت .



" حَسَـنٌ ..... شيئ واحِـد أخــر . الشيئ الذي أصَــابَـك بالأسـى هُـو بِسبب - ذلِك الشيئ - أوليس كذلِك ؟ لَــقـد سبق ورأيــتُ الصُــحُــف . إنــتـهى بي الأمــر بأن أرى - ذلِك الشيئ - دُون رغبـةً مِنِّـي بذلِك .. هـــل أتـى - ذلِك الشيئ - لِرؤيتِـك ؟ - ذلِك الشيئ - قــد علِــم بأنَّك قد نجــوت مِـن الحرب , أليس كذلِك ؟ لَــقــد أصــابـني الفُــضُــول بشأن ماذا سيحدُث بعــد ذلِك ... هــل جعــلــت - ذلِك الشيئ - يعُــود مِــلكاً لك مِـن جديد ؟ "



" هــاه ؟ "



كَــان مِـن الشائِـع مُــنــذُ طُفُـولتــهِمـا أن يُمـازِحـه شقيقـه الأكبر ,, لِذلِك , إعتـقـد جيلبِــرت في البدايـة أنَّهـا مُجـرد طُـرفـة تـافِهـة .



" تــوقــف عـن إلــقاء نِكـاتِـك في وقتٍ هــذا يا أخــي ... فَــيُوليت لا تـعـلم بشـأن نـجاتـي . "



صــــمــــت .



" أخــي ؟ "



" لــم تـكُـن مُــزحـة ,, فهِــمــت .... كُــنــتُ مُتـأكِـداً أنَّ - ذلِك الشيئ - سيــرَاك في القريــب العَـاجِـل , لِــذا يبدو أنني كُــنـتُ مُخطِـئاً , هاه ؟ لِــذا يبدو أن الوضـع الحـالي قـد أعـاق مُخطَّط - ذلِك الشيئ - .... بِمــا أنَّـكَ كُــنـت لطيفاً جِداً تِجـاهه , و ظلَّيــت بعيداً عنــه بهـدف إعـطاء - ذلِك الشيئ - حيـاةً مُســالِمـة ,,, لِــذا بالتـأكيـد أنت تشــعُـر بالقلق إزاء خِـطَّـة الإنـقـاذ العـاجِلـة هذِهِ بِسبب أنَّ - ذلِك الشيئ - سيعلـم بأمرك حينـها .. لا تقــلق , فـهُـو بِالفِعــل يعلـم بشـأنِـك . "



" مــا ...... مـا الذي تــقولـه .... ؟ " إنســاب العرق البارِد النـاتِـج مِـن التوتر عـلـى ظهرِه .

" مِــن ....... المُستـحيـل أن تكون هي علـى عِلـمٍ بِهــذا . " ,, صوتــهُ كـان يتـداعـى .



" مع ذلِك يبدو أنَّ - ذلِك الشيئ - يعلـم بالفِعـل .... أخِــر مرَّة رأيتُــك فيها خِـلال الرَسائِــل الطَـائِـرة .... أخبرتُــك بأنني قـد رأيــتُ -ذلِك الشيئ - , و - ذلِك الشيئ - سألــــني ...... إذا مـا كُنــتُ أنت حيَّـاً أم لا .. أعــطيــتُ إجــابـةً لــم تؤكِــد و لــم تُنــفي أي شيئ . و هكــذا - الشيئ - .... بــدت مُقتنِعـة بأنَّـك على قيـد الحيـاة . "



بالرُغـم مِـن أنَّ جيلبِــرت لـم يكُـن قادِراً على تغييــر ما قيـل و مـا حدث مُسبَـقاً , إلا أنَّــهُ قـد شعـر بأنَّهُ أراد أن يلتـفِـظ بِـ " تَــمهَّـل . " .. مجـــال رؤيتــه أصبـح أبيضاً ضبابياً .. أصـابَـه الدُوار الكَـافي لِيجعلَـهُ يسقُــط مغشيـاً عليه .. بيدِهِ الموضوعـة على شفتــيه , ظَــلَّ جيلبِــرت صامِتـاً .



--- فَـــيُوليــت ..... تعلــم ؟



" مَــهلاً يا جيــل .. أأنــت بخير ؟ "



كــان قـد سمــع مُسبَـقاً و بالتـفصـيل مِـن هودجينـز , كيـف إنَّ كِــذباتـِه قـد أثَّـــرَت فيهـا و أحــزنتـها ... إذا مـا علِمــت فَيُوليـت بأنَّـهُ على قيــد الحيـاة , فـ لـن يعنـي لها جيلبِــرت إلا مُجــرَّد سَــيِّــد قَــام بالتخلُّــص منهــا دون حتَّــى أن يجُـازيهـا على إنجـازاتِـها العسكريـة ..لــم يكُــن هُنـاك فِــرار مِـن حقيقـة أنَّــهــا ستــكرهه .



" لِمـــــاذا ..... فَــعــلــت شيئاً لا فَـائِـدة مِنــه .... !؟ "



إبتــلع الغــضــب قــلــب جيلبِـــرت , و منــفسُــه الوحيـد , كـان أخيـه على الطرف الأخـر مِـن الإتِـصال .



" كمـــا و كـأنني أهتــم . لا تـُورطنــي بمــسألــة حُبَّــكَ الأعمــى هــذه . أنــا لــم أجِــب بأي شيئ , هــي كـانت مُقتـنِـعـة ,, هـذا كُـل شيئ . "



" أتــــظُــــن أنَّ لا عــلاقـة لَك بِهــذا الأمــر ....... أخــي , لــطــالمـا كُنــت ....... فقــط كيــف سيتـوجَّــب علي النـظر نحو وجهِـهـا ... !؟ "



" الأُنــــاس الأقــرب إلــيك هُـم العائِـلة ,, أليس كذلِك ؟ يبــدو أنَّـهـا لَطـالَمـا أمـنـت أنَّـك على قيـد الحيـاة . عِندمــا تــأكـدت أنَّـك فِعـلاً على قيـد الحيـاة ,,, كيــف أصيغهـا ؟ حسنــاً ,, عينــاها تلمعــان كمـا المُغفَّــل . إذا لــم تــذهــب فِعـلاً لكي تراك .... هــذا صحيح . شيئ وحيـد بإمكـاني أن أُفكِـر بِهِ بخصوص هذِهِ المســألـة .. بِمــا أنَّـها أداة , فــهي تنتـظِر صاحِـبَـها كي يستلَّـهـا مِـن جديد .. لرُبَّمــا هي تترقَّــب تِـلك اللحـظـة التي سـتـكون هُنـاك حَـاجَــةٌ إليـها ..... - لأنَّـهـا بلهــاء . " .. لِذلِك يا جيـل , هَــذِهِ فُــرصـة جيِّــدة , إذهــب و أتـي بِهـا . "



" أخـــــي--!! "



" لــقــد كُــنـت تستـعِــد لِلسينـاريهـو الأسـوء بينمـا كُنـت تعمـل على خِطــة الإنـقـاذ العـاجِـلة هَذِه  , صحيــح ؟ كُــن شاكِــراً لأخيـك الذي قـام بإعطـائِـكَ هـذا الحَــافِـز ... وداعــاً يا جيــل .. أُتـرك أمــر البحــر لي .. المــرة القَــادِمـة التي سنلتـقي فيهـا سيـكون يوم مولدي .... أُحِـبُــك . "



" أخــي ,, إنتـــظِر ! "



قُــطِــع الخــط مِـن الجـانِـب الأخـر .. جيلبِـــرت كَــان صامِـــتاً جــراء إرتِبـَاكِـه الكبير .



رُبَّمــا بِسبب كـون أشخـاص ينتــظِـرون إنـِـتهاء هـذِهِ المُحـادثـة , سُــرعـان مـا طُــرِق على الباب مِـن خَــارِج غُـرفـة الإتِصـالات .. فَــردٌ مِـن قُــوَّاتِـه قَـام بتـسليمِــه حقيبـة بأسلِحـــة و ذخَـائِــر و التي قـام هُـو بِــ تحديدِهـا .. الشخص الذي أحــضر الحقيبـة كَـان قلِقـاً بِشأن التـضايُق المُفـرط و الواضِح على وجـه جيلبِــرت ,, لِـذا إعتـقد أنَّـهُ كـان نِـتـاجاً عـن التفـاوُض المُكثَّـف الذي أجـراه مع البحريـة ,,,, لكِـن في الحقيقـة , لـم يكُـن هـذا حقيقـة ما جرى .



بينمــا كـان يتـفقَّــد مُحــتويـات الحقيبـة , أمسَـــك جيلبِــرت بِـحزم بِـ قطعـة سِلاح ناري ... إذا مـا أطلــق رصاصــةً تِـجاه رأسِه , كـانت لتِتـبدَّد مَخـاوِفَـه و قلقـه مِـن كُــل شيئ حتَّــى تختــفي تماماً ,,, لكِنَّــهُ لم يقدِر على فِعـل هذا .



ثُــمَّ إتـصــل بِـ مركـز سي إتـش لِلخدمـات البريدية الموجود في ليدِنتــشافتـليش .. أجَــابــت على الهَــاتـِـف فَــتـاة بِـ صوت يوحـي بِصِغـر عُمرهـا , لكِنَّــهـا أبلغتــه أنَّهُـم أغــلقـوا المركـز لِهذا اليوم بِشكـل مؤقـت ... يبدو أنَّـهُـم يعلمُــون بالفِعـل عـن حَـادِث الإختِــطاف ..



" رجـــاءاً أبلغــي .... بأنني إتـصلــت لكـي أُقدِّم المُســاعـدة بِـشأن قـضيـة إختِــطاف القِطـار العَابِر لِلقَـارَّات ,, أحــد زُمــلائِــكِ موجودٌ على متنِــه صحيح ؟ إذا مـا أبلغــت رئيسَــكِ أنني مِــن جيش ليدِنتـشافتـليش , فــ ينبغـي أن يعلــم هويَّتـي ...... "



كَـان بإمكَــانِـه سمـاع على نحو خَـافِـت حَـالـة مِــن الإضطِــراب على الخَــط الأخـر مِـن الهاتِـف .. كَــانت صيحـة أطلقهـا صديقَـهُ القديم مَـتبوعـةً بِـ صوت جَلــبة يبدو أنَّهـا صوت كُــرسي قـد تحرَّك نتـيجـة لِنهُـوض شخــصٌ مـا مِنـه ,, و مِـن ثُـم صوت حفيف لِأوراق قـد وقعـت ,, و أخيــراً , كـان قـادِراً على سمــاع صوت تنفُــس .



" جيلبِــــرت ! أيــن ..... كُنـــت و ما الذي كُــنــتُ تفعلُـه !؟ " صـــوتٌ كَــان يملـؤه الغَــضب تردَّد في أُذُنيــه بِـ حِدَّة .. و بِغــض النــظر عـن ذلِك , إنــتـهى الأمـر بأن يشعُــر جيلبِــرت بالفـرح .. لَــقد مرَّ وقــتٌ طويــل بِحــق مــنــذ المرة الأخيــرة التـي تواصـل فيها جيلبِـرت مع كلوديـا هودجينـز .



" قــد علِمــت قبــل لحظــة مِـن السكرتـيرة أنَّــكَ إتــصلت بالجيش ... أنــا أسِــف , لقــد كُــنــتُ في إجتِمـــاع . "



" لا تــذهـــب إلــى إجتِمــاعـاتـِك بينمــا أحــد موظَّفـي فــي ورطـة عظيمـة ! أنت ..... تعلــم ما الذي حـصــل صحيح ؟ الجـــيش بدأ بِـ تحرُّكــاتِـه , صحيح ؟ أنـا أعنــي ,, عَــلــى متـن ذلِك القِطــار القَــارِّي المخطـــوف ! هــي .... هــي .... "



" أنـا أعلــم .. فَـيُوليـت على متـن ذلِك القِطـار , أليست كذلِك ؟ كــانت هُنـاك صُـورةٌ لَـها في الصحيفـة . "



هُــودجينــز كـان مصعوقـاً على هـذا الرد البارِد مِـن جيلبِــرت ,, سُــرعـان مـا ردَّ عليـه هودجينـز , " لا تــتـحدَّث بِهــذا الهُدوء الشديد ! " فَــاقِــداً لِـرِابِـطـة جـأشِـه أكـثر حتَّــى , قَـام هودجينـز بإلتِـفـاظ الإدعـاءات الغريبة , " أنــا أتــصرف بِنــفس الطريقـة التي أتـصرف بِهـا دائِمـاً , و أنــت مِـن المُفتــرض أن تكون مِــثلي .. يجِــب أن تكون بِهـذِه الطريقـة على الدوام . "



--- يا لَــهُ مِـن رَجُــلٍ تُحرِكُــهُ العَاطِفـة , و مُثير لِلجلبـة أيضاً .



إنتــهى الأمـر بِـ جيلبِــرت بالضحِك .. شعــر بالحرج مِـن نفسِـه التي لطــالمـا إفتــقدت صديقـهـا المُزعِـج خِــلال ذلِك الوقـت الذي لـم يتحدث إثنينهُـما إلـى الأخـر .. لــم يُــرِد أن يُـظهِـر أنَّـهُ كَـان قلِقـاً تماماً كـ هـودجينـز , فَـ تحدَّث بِكلِمـات لـم تكُـن تحوي غُروراً زائِفـاً فحسب , لكِـن أيضاً مُختـلطـة بِعِبارات حقيقيَّـة , " كمــا و كـأنني سأسمُـح بأن أفقـِـد جـأشي .. خِــلال أوقـات المُعضِــلات , يجِـب عليَّ أن أضـع كَـامِـل تركيزي لِحمـاية المدنيين . "



" هــل صغيــرتي فَيُوليت .... تُعتــبر إحـدى أُولئِـك المدنيين ؟ "



" بالتـأكيـد . "



" هــل أنت غَـاضِـب ....... مِـن أنَّ صغيــرتي فَيُوليت في خطـر بِسببي بالرُغــم مِـن أنَّك تركتـها تحت رعايتـي ؟ "



تــفــاجئ جيلبِــرت بِـ حق على ذلِك الســؤال المُختـلِف تماماً عن مـا كان يتوقَّـع . " مــا الذي تــقوله ؟ أنــا مُمتـنٌ لـك . لمــا عــهــدتُ بِهـا ﻷي أحــد ....... إلا لــك . أنـــت رَجُـــل بِحـِــس كبير مِـن المسؤوليَّـة , لِهـذا السبب تركتـها تحت رعايتِــك . لكِـن كُـل هذا لا عـلاقـة لهُ بِمـا يحدُث الآن . "



" كَــلَّا , لا أعتــقِـد هـذا . "



جيلبِـــرت أدرك مَـا الذي كـان هودجينـز يتـحدَّث عنـه , و كــأنَّـهُ أمســك مقصـد كَـلامِــه بيديه ... عَــلى الرُغــم مِـن أنَّـهُ ليس مُخطِـئاً ,, فَـ إلـقاء اللَّوم على نفسِـه و تفكيـرِه بِمــاذا كـان يتـوجَب عليه أيضاً فِعلـه , كـانت هَــذِهِ سِمــةً لشخصيَّـة صديقِـه المُفضَّــل .



" هــودجينـز . "



" مـاذا ؟ "



" أنت صديقي رقــم واحـد . "



" و مـا مُنــاسـبة هـذا .... ؟ "



" هــودجينـز .. صــديقٌ مثلــك ..... لـن يظهــر أمامي مِـن جديد . أنت مُهِــم إلـى هذِهِ الدرجـة بالنسبـة لي , حتَّـى و لو لـم ترغب بِهـذا .. نــفس الأمــر ينطبق عليَّ تـِـجاهُـك , صحيح ؟ لِــهذا السبب .... إعتــقدت أنَّكَ تـأخُـذ خطاياي بِرِفـق . لـقـد سألتـني عـن السبب الذي دفعنـي أن أترُك فَيُولـيت و أخبرتـني بأن أتـي و أزورَهـا , صحيح ؟ و أخبرتـني ايضاً أن لا أتصِـل بِك حتَّـى أُعـيد التفكير بالأمـر . "



" لقــد فعلــت ... بالتأكيـد قد فعلـت . "



" أنا .... أنـا قد شعــرت بِـ شِدَّة أنني أخــر شخــص يجِـب أن تراه فَـيُوليت , لِهـذا تركتُـها ... عِندمــا تقابلنـا أنا و هي أول مرَّة , لقد إعتـقدت أنَّهُ كان مِـن الأفضـل أن أُراقِبهـا بِمسـافـة ذِراع تفصِلنـا , لكِـن هـذا لـم يكُـن سِـوى واجِهـة زائِـفـة ,,, و انتـهى بي الأمـر بإستِعمـالِـها كَـ أداة . "



" لكِــن هـذا حصــل ....... تحــت تِلك الظروف و لـم يكُـن هُنـاك خيارٌ أمامك أنـذاك .. كُــنتُ لفعلـت نفس الأمـر بدوري . "



" أحــقـاً هــذا ؟ أنـا .... لا أعتـقِـد أنَّـك ستفعل المِـثل . كيـف حَـالُهـا هي الآن , فَــيُوليـت و التي قُمـت أنت بتربيتِـها و إرشادِهـا ؟ إذا لـم ..... أقُــم بإختـيار الخـيار الخَـاطِئ ... إذا لـم أُقــم بتـركِهـا بجـانبي ,,, لكــانت قــد كَـبُــرت دون أن تعلــم ساحة الحــرب .. فَــيُوليـت الحَـاليَّـة , هي مـا يجب أن تكون عليه مِـن البِدايـة . وَ لِهــذا , لـيس خطـأك إذا مـا حدث شيئ كهـذا .. هــذا مُجرَّد حَــادِث . "



" إذا كُــنـت ستقول شيئاً كهــذا ,, سـأرُد بالمِثــل على وجهــك .. لا تجعــل قِتــال صغيــرتي فَيُوليت إلـى جَــانِبِــك في الحــرب يظهر بالشكـل  السيئ .. هــذا تـدنيــسٌ لِكُــل الجُنــود الذينـا عِشنـا معهــم في تِــلك الفترة .. المُشكِلـة تكمُــن في كيفيـة إرشــادك و تربيتـك إيَّـاها بعـد الحرب .. و لِهــذا إمتــلكني الغضب تِـجاهك بِسبب تفضيلَـك لمشـاعِــرك و عــدم تــفكيرك بِخصوص صغيــرتي فَيُوليت .. لكِـن . إسمــع ! سأخمُــد هَذِهِ النَّـار مؤقَّتـاً .. الآن لــيس الوقت المُنـاسِــب كي تـبدأ في التفتُّــت . كِــلانــا الوصيَّـان عليهـا .. لِــ نُنقِــذهــا . " نــبرتَــهُ كـانت ذا عــزم , و بدت أنَّهــا تُــرسِــل نَــظراتــه الساطِعــة و المُتحمِســة لعيناه الزرقـاء المائِلـة إلى الرمـادي , حتَّــى خِــلال مُعِدَّات الإتِــصــال .



" أتــفِــق مـع هــذا ... مِـن أجلِهـا , ســأفعــل أي شيئ ... بهدف أن يجعلــهـا هذا بعيدةً عـن الجيش و لـقد أنـجزت عِدَّة مِـن التجهيــزات لِمنــعهــا مِـن العودة إلـى صُفــوف الجيش .. لقـد أجريــت إتصــالات شخصيـة , و إستـحقاقات شخصيـة . لــقد كرَّســت نفسي و بكـامِـل جُهــدي ﻷكـون الأفـضـل و الأنفـع .. و أنـا في خِــضام هـذا حَــتَّــى الآن ... إذا كـان الأمـر مَعنيّاً بِِـ حمـايـة فَيُوليـــت , فَــ لــن تُهِمَّــنــي الأســاليب . "



" إذاً , سَــتقِـف بِـ وضعيـة رائِعـة و تقـول - أنَّ كُــلَّ شيئ لا يصُـب في مصلحـة فَــيُوليـت .... يجِــب أن يُستـثنـى , حــتـى و لـو كُــنتُ أنا - , و ستـقوم حتَّـى بِـ حمايتِــهـا مِـن الظِـلال ؟ "



" أجــل , هــذا صحيح . "



يــبـدو أنَّ هُــودجينـز لـم يكُـن يدري بالحقيقـة .. أنَّ فَــيُوليـت إستـنتـجـت بنفسِـهـا أن جيلبِــرت قـد نجــى و الأمـر كان كمـا قـال ديتـفريــت , أنَّهـا كـانت بإنتِــظارِه .. كَــانت بإنتِــظار سيدِّهـا أن يقوم بإستِــلالِهـا .



" لكِــن أتســـاءَل .... فَــ قريباً , تِـلك الكِـذبـة التي صنعتـها لها ستُكــشــف ... هُنــاك إحتـمـالٌ عالـي بأنني قـد ألتـقي مع فَيُوليـت . "



مِــن بعــد صمــت موجــز ,, طَـــلَــب هُودجيــنز أن يُعــيد الأخـر كلامِــه بِردِّه بـ " هـــاااه !؟ " و الذي تردَّد عاليّاً ... مِـن ثُـم إنتـبه أخيراً إلـى صوت المُحرِكـات التي تصدُر مِـن خـلف جيلبِـرت . " مَهـــلاً ,,, إيــن أنت الآن ؟ "



" بِجــانِـب المُدرَّج الذي أُعِــد لِـ طائِـرات صقـر اللَّيـل الخاصَّـة بِـ قوَّاتي .. و أنا حَــاليّاً أُرتِّـب إستِـعدادات المُغـادرة . " قَــام جيلبِــرت بإعـادة تلقيـم سِـلاحِـه بينمـا كان يتـحدَّث .. و قـام بالفِعـل بإزالـة زِيِّـه العسكري و إرتــدى الزي الخَـاص بالقِتــال .. الزي القِتــالي بدا أكثر توافُقـاً مع جَـسدِه .



" أنـــت تقصِـد الوِحــدة الهُجوميـة الخَـاصَّــة لِـ ليدِنتـشافتـليش !؟ أ-أنت ... مَــن يقودَهُــم و ستـذهب إلـى عمليـة الإنـقـاذ !؟ "



" هــذا صحيح . "



" لقــد ...... قُــلــت أنَّك لـن تراها ! أسيكون الأمـر على مـا يُرام إن فعلت ذلِك !؟ "



صَــمــت .



ظَــنَّ جيلـبِــرت أنَّ هـذِهِ المُحـادثــة ستــطول في حَــال ما أخبره أنَّ فَــيُوليــت على عِلـم بِــ نجاتِـه .



" لِمـــاذا غرِقــت في الصمــت ؟ أليس الأمـر هكذا ؟ "



" عِندمــا ينتـهي كُـــلَّ شيئ , سأعــتـذِر و سأوضِّــح بِشـأنِـك أنت أيضاً .. هــذا في سبيـل إنـقاذ فَيُــوليت .. لــيس هُنــاك أي خيــارٌ أخـر .. إذا إنتـهى الأمــر بِـ لِقاء يجمـع بيننا , ســأتـوسَّــل بالمغفِـرة .... "



وقـــت حديثَهُــمـا كَــان يقصُـر .



" إذاً هيِّأ نفســك لِلأســوء . هــذا الأمـر بِسببك . " هُــودجينــز قــال شيئاً قريباً مِـن الذي قـالهُ ديتـفريت . " إذاً , مــا الذي ستـفعلُـه عِندمـا تُــقلِــع طائِرات صقــر اللَّيـل ؟ لا تـُخبرنـي بأنَّــك ستـقفِـز علــى ذلِك القِطـار بينمـا يتحرَّك ؟ "



" هــذا صحيح . "



" أنـــت بالفِعـــل ..... مجــنون في بعض الأوقــات ! فَـــارِسٌ في دِرعِــه اللَّامِــع يتــصرف بِجنون في سبيل الحُــب ! هــاهــا ! سأمدحُــك على هـذا . "



بينمــا كـان جيلبِــرت غير قَـادِراً على الجِدال .. ضحِكـــات هُودجيــنـز يُمكِـن سمـاعهــا .. إلـى جَـانِـب وجه جيلبِـرت المُحمَـر .



" بالمُنــاسبـة ,, إيــه , هــل لازِلــت ...... مُــقدم ؟ ألــم يكُـن هُنـاك شيئٌ كـ حُصـولَك على ترقية بُرتــبتـين أو مـا شابه ؟ "



" أنــت ملئ بالأسئِـلة .... هُــم بإنتِـظار أن تُشـفى جُروحـي . لـقـد أصبحتُ عقيـداً قبل بِضعـة أيام . " بِـذِراعِـه اليُسـرى الإصطِنـاعيَّـة , جيلبِــرت لَمَــس رُقعــة العين الموضوعـة على راحـة كفِـه , تِـلك الرُقعـة التـي كـانت تُغطِّي عينَـهُ اليُمنـى التي فقدهـا ... حتـى بِمجـال رؤيتِـه مِـن جـانِـبٍ واحِـد , مهــارتــه في إستِـلال الأسلِـحـة لم تتزحزح .



" و لكِــن أنت الشخص الذي سيقودَهُـم !؟ هَــذا أكثر جُنوناً مِمَّـا سبق ! ذوي الجِهـات العُليَّا بالتـأكيـد قدموا تنازُلات كثيرة . "



" لا مــزيد مِـن السُخـريـة يا هودجيــنز ... لقـد أخبرتـُــك , أولـم أفعل ؟ إذا كـان في سبيــل فَيُوليـت , فَــ لــن تُهِمَّــنــي الأســاليب .. و بالطبــع , مُهِمَّــتنـا الحَـاليَـة هي تســويـة الوضع الحَـالي , و لا سبيـل لِهـذا دُون أن أكـون أنا القائِـد مِـن عين المكـان ... سابِقــاً لقـد قُلــت بأنَّــك ستـبذُل جُهــدك و ستـفعل أي شيئ تـستطيـع القيام بِه . إذا كُــنتَ فِعلاً تعني هذِهِ الكلِمـات حقاً و لـم تـكُـن أكـاذيب , إذاً أظهِــر لي مهـاراتــك في تجميـع المعلومــات .. أهُــنــاك أي معلومــة لا تدري عنهــا العسكرية ؟ "



" فـهِــمـت . سأُخبِـرك . و لكِـن دعني أُخبِرك بشيئ واحِـد إضافي فقط . "



" مــا هــو .... ؟ "



" أنت ...... تُصبِـح أحمــقاً كبير , عِندمـا يتعلَّق الأمـر بِـ صغيــرتي فَيُوليت ,هاه .. و أنا .... مُعجبٌ بِهذا كثيرا . "



" إخــرس . "



و مـا مُنـاسبـة هذا ؟ فَـ بين صديقيـن , حـتَّـى و لو مرَّ زمـن طويـل مُـنـذُ أن تحدَّث أحدهُمـا إلـى الأخـر , فَـ بِمُجرَّد أن يفتحـا أفاهِمـا و يتـواصلا مع بعضِهِــما  , ذلِك الهَــاجِــس بِـ مُضي الوقت يختـفي و كـأن لا وجود له ... الإثنين نسيـا مسـألـة تـوقُـف مُكـالمتِـهِـما قبل هذا اليوم , و إستـمرَّا بالدردشـة .



" سأُخـبِـرك بِمـاذا في جُعبتـِنـا , و أنت ستُخبرنــي أيضاً .. لِــ نُجري مُحـادثة تـبادُل لِلمعلومـات .. لدى الخَـاطِفيـن شِعـار لِإحدى دُول الشمـال , روهــانــد .. كـذلِك يضِمُـون مَعهُـم جماعـة مُتـطرِّفـة و التي سببت إضِطـراباً سابِقاً عبر إقتِـحامِـها لموقِـع البِنـاء حيثُ كـانت تُنـشئ السِكَّـة الحديديَّـة .. و مـع ذلِك , مِـن المُفتـرض أن لا يكُـونوا بذلِك العدد الكبير كي يتـسبَّبُـوا بِـ مِثل هذا الحادِث الكبير ...... لَـ رُبَّمـا قد حَـصَلُوا على المزيد مِـن المُتـعاوِنين . "



جيلبِــرت قَـام بِـ كِــتابة التفاصيـل التي ذكرهـا هودجينـز في مُذكَّـرتِـه .. و أخبرهُ أيضاً بِمـاذا سمِـع وسط ذلِك الإجتِـمـاع , كذلِك أخبــرُه بِـ مطالِـب الخاطِفيـن التي تتعلَّق بِـ تسليـم الجـانـي السياسي المسـجُون داخِــل سِجـن آلتـاير إليهِـم و مُهـاجرتِـهِـم إلـى قارة أُخـرى في سبيـل الإفــراج عـن الرُكَّـاب .. كَـان على دِرايـة بأن أُولئِـك الخَـاطِفيـن ليسُـوا بأشخـاص تستطيع التفاوُض مَعهُـم في الظروف العاديَّـة .



" المعلومــات التي لدينـا و التي لديــك لا تختـلِف فيمـا يتعلَّق بِـ حداثيتِـها .. القِطـار حَـالياً مُتـوقِّــف على نُقـطـة تزوُّد بالميـاه .. لقـد أُكِـد لنـا بواسِطـة معلومـات تكميلـية مِـن مصلحـة السِكك الحديديَّـة لِـ ليدِنتــشافتـليش أنَّ بعــض مِـن المُهندسين و مُسـاعدي المُهنــدسيـن قـد قُتِــلوا و أن المُجرميـن طَـالبُـوا بِـ بدائِـل يِحلُّـون محـلَّهُـم الشاغِـر .. مِـن الجَيِّــد أننا كُنـا قادرين على الحصول على بعـض الوقت , لكِنَّك قـد قُــلـت أنَّ عـدَدَهُـم يجِـب أن يكونوا صغيراً بِمــا أنَّـهُم يرتكِـبون هكذا أفعـال مُتهِــوِّرة دُون أن يعتمِدوا على خُطَّـة , صحيح ؟ فـي العـادة , عِندمـا تَتضخَّم مُنظمـة مُنـاهِـضة لِلحُكُـومـة و ترتكِــب أفعَــالاً كهذِه , فــ على الأرجـح هَـذا بِسبب مُنتسِبيهـا الحمـقى و الأوبـاش الذين قـد جــرُّوا إليـها لِــتحقيق توازُن في الأرقـام .. مــا يعنــي أنَّــهُـم قد تسبَّبُـوا في موقِـف لا رجعــة فيه , هاه ؟ "



" فــي كِــلتا الحـالات , هُـم يريدون أن يتركوا صفعـةً على وجه الجنوب و أن يُهاجِروا إلى دولـة ليسـت لهُـم.. أتعلَــم أنَّ إحـدى منَـاطِـق روهـانـد يشُقَّهــا مَســار السِكَّـة الحديديَّـة ؟ كَـ مِـثـال , لـو أنَّنـا كُنَّـا الطرف الذي خَسِــر الحرب , لأُزيلــت قُــرى ليدِنتــشافتــليش و حلَّــت محلَّــهَـا أرصِفَـت المَسـار , و مـاذا سيكون رأيك بِهذا الشـأن ؟  "



" سـأقوم بِـ إجـلاء تمهيدي ,, و أؤمِـن الأسلِحـة و أُجمِّـع مُحـارِبيـن , و مِـن ثُـمَّ أعـود . "



"  إذا كُــنتُ أنـا بدلاً عنهُـم  , لَـ كُـنتُ أبحـث عـن السعـادة في أرضٍ أُخــرى , لكِـن كُنـت لفعـلـت شيئاً كهـذا إن كـان أنت .. رُبَّمـا ينطبِـق الأمـر أيضاً على العدو ... و بالتـأكيـد هُنــَالِك رفيقٌ لَهُـم في سِــجــن آلتـاير و الذيـن يعتـقِـدون أنَّهُ بإمكـانِـهِـم فِعلها .. فـ إذا كُنــت أنا .... أحــد أُولئِــك المُجرميـن لِهـذِهِ الحَـادِثـة , و كُنــت أنت داخِـل سِجـن آلتـاير  ,لرُبَمـا كُــنـتُ لأفعـل مِثلهُـم . "



--- إذا كُـــنت أنــت , لَــ كُــنت إتـبعـت طريقةً أكثر ذكــاءاً .

فَــكَّــرَ جيلبِــرت بِهـذا دون أن يلفـظ بِه .



لَــرُبَّمـا كَـان قـادِراً على إدراك شيئٍ مـا مِـن الصــمــت الذي شَــقَّ جيلبِــرت , ردَّ هودجينــز بِِسُرعـة " إنَّ الأعــداء ذا قـدر كـافي مِـن الرُشـد ليس أنَّـهُـم لـن يقتـلوا الرُكَّـاب فحــسب , إنَّمـا سيعلـمون قريباً أنَّ لا فـائِـدة مِن مـا يفعلون .. .. لكِـن إن حدث هـذا فِعـلاً , هُنـاك إحتـماليـة عَـالية بأن عــدد القتـلى سيـزداد .. لــقد قُــلت أنَّ معلومـاتـنـا لا تخــتـلِف في حداثيتِـها , لكِـن لا يزال لدي مصَــادِر ... القــوانين المنـصوصـة بعد إنتـِهاء الحرب على القُـوَّات العسكريـة لِلشمــال هي صارِمــة .. إذا فِــعلاً تمكَّــن الخـاطِفيـن مِـن الحُصول على أسلِـحـة , فَـ مِـن الأرجح جِداً أنَّـهُـم قد حـصلـوا عليهـا مِـن قـارة أُخـرى .. و لـقـد أُكِّـد أنَّ هُنــاك جمــاعات مُسـلَّحـة تـضــع يديهـا على أسلِـحـة لازالـت غير مألـوفـة بالنسبـة إلينـا عَـبر تِـجارات مع دُول و قَـارَّات أجنبية .. و مـع ذلِك , يبدو أن العـلاقـة التي تجمـع بين تُــجار الأسلِـحة لتِـلك القـارَّات و الأنـاس الذين يتبعُـون إلينـا و في حـاجـة إلـى اﻷسلِـحـة , لا يُمكِـن أن تُــوصَــف بالجيِّـدة ... يبــدو أنَّ الرُسُــوم فِعلاً مُفــرَطـة . ما يعــنـي أنَّهُـم إستـغلُّوا هذا لِـصالِحِهِـم . "



" حَـــتَّـى ليدِنتــشافتـليش لديهـا مـشاكِــل بِخصوص التِـجارات الأجنبيـة مَـع القَــارَّات الأُخـرى .. هُــم مُتـيقِظيـن بِـشأن موارِدِنـا الطبيعيـة و لـن يكــتـفو بِـ مُجرَّد تـبادُل لِلبضائِـع , و حـاولُـوا أيضاً شِــراء الأراضي هُنـا . الـوضـع , آآه ... تقريباً على هذِهِ الحالة . "



" أجـــــل , يبدو أنَّهُ هُنــاك خِطَّــة مـا تَــضُـم الشمـال و الجنوب .. فَهِـمت ما أصبو عليه ؟ يجِــب أن نفهــم خلفيــة الحَـادِث الحـالي و الآن .. فَــ مِـن النظرة الأُولـى , سيبـدو أنَّـهُ صِـراع بين ليدِنتــشافتـليش الموجـودة في الجنــوب , و روهــانـد إحـدى بُــلدان الشمـال ,,, لكِــن في الواقِـع , هُنـاك كيَــانٌ أخـر .. هُـو موجُــود .. و لكِنَّـهُ يُراقِـب الأحـداث فقط بِصمت.. و بِمـا أنَّـهُ طرف مؤثِّــر ثالِـث , فـ هُـو يرغـب في معرِفــة كيـف ستُــحسِـن ليدِنتــشافتــليش مُعـالجـة مُعضِلـة كهـذِه ...  و بِــصــرف النـظر عن كونِـنـا مِـن ذلِك الجَـانِـب الذي ربِـح الحرب , فَــ نحـن أيضاً , الأُمَّـــة العسكريـة الأعــظـــم . "



" خِـــطط تَـضُـم هِـجرة ,, قَـــارَّةٌ أُخـــرى ,, و تـرسانـة أسلِحـة جديدة . "



و على الرُغـم مِـن فوضويَـة هذِهِ الواقِـعـة ,, مُلَخَّــصٌ لِـهذِهِ الحَـادِثـة كـان يتحلَّــل داخِـل رأس جيلبِــرت .. خُــيُـوط مِـن الأفكـار أحـاطَــت بِـ عقلِه , حَــتَّـى خرجـت نتـائِـج تِـلك المعلومــات المُتراكِـمـة .. فَـ أولاً : فَــحوى مَـطالِـب الخَـاطِفيـن كـانت كَـ التَّـالي , بِمُجرَّد وُصــول القِطــار القَـارِّي إلـى محطتـِه الأخيرة بالمينـاء , السيــاسي الموقــوف و مُجرِّم الحَـرب مِـن الشمـال , يجِــب أن يُمسـح لهُ بأن يُهـاجِـر معهُــم إلـى قـارة أُخـرى .. ثــانيـاً : أنَــهُـم هُـم , مِـن الأُمـة الخَـاسِـرة , قـد تمكنُــوا مِـن تنفيـذ عمليـة الإختِـطاف هذِهِ عبر دَعــم قـارة أُخـرى لَهُـم . "



أُولئِـك مَـن لديهِـم حِدسٌ جيـد بإمكـانِـهِـم أن يفهَـموا .. الوضــع الحَــالي يُفــضي بأن زِنــاد الحـرب القـادِمـة على وشـك أن يُـسحَب .. بينمـا كَـان يظُـن الجميـع بـأن أهـوال الحــرب قـد إنتـهت في قَــارتِـهِـم , كـان هُنـاك قــارَّاتٌ أُخــرى تستهدِفَهُــم .



بينمــا أصبَـح رأسُــهُ مُــثقَلاً , إنتـهى الأمـر بأن تـضرُب إفتـراضيـات جيلبِــرت بيت القصيـــد .. " عـــلى نـــصرِنــا أن يكُــون سَــاحِــقاً . "



" هــل ستُــرسِـل ليــدِنتــشافتــليش قُــوَّات أُخــرى لعملية الإنـقـاذ غَــيرَ قُـوَّتــك ؟ "



" الأوامِـــر قــد صُــدِرت ... سَــ يســعُـون إلـى منـطقـة التزود بالميـاه , و مِـن ثُـم يُهـاجِمُـوا , و يُسـاعِدون في فِــرار الرُكَّــاب , و سيُـشارِكُـون في المعركـة .. سيكُــون كميــن يُعـد مِـن قِـبل حَـامِـية الجيش في الشمـال .. إذا حــدث , و بأي فُــرصـة , أن تمكــن هــؤلاء مِـن مُحـاولـة هِجــرتِـهِـم إلـى بلـد أخـر , فَـ مَــن سيُـواجِهُـونـه لاحِــقاً هي البحريــَــة ... أخـي أيضاً مُــشارِك ... وَ لكِــن لــن نسمَــح لهُـم بأن يصِـلوا إلـى البحـر .. وَ لِهــذا , لديَّ مَــعروفٌ لأطلُــبَهُ مِـنك . "



" ما هــو ؟ بإمكــانِـك طلب مـا تشاء . "



" إشــــترِ الأرض التـي عليهـا محطَّــة التزود بالميـاه و التي مِـن المُتـوقـع أن يمُــر القِطـار بِهـا . "



" هاه ؟ "



" عــادةً مـا تتطلَّــب القِطــارات إمــداداً بالميـاه .. مُعدَّل تــوقُف القِطـارات بِهـا هُـو قِطـارٌ لِكُـل ساعــة .. و بِمُــجرَّد أن يُعــاد ملء خـزَّانـات الميـاه , سنــفقـد فُــرصـة الإنــقـاذ مِـن جديد .. على أي حـال , مِـن المُتـوقَـع أنَّهُـم سيستعمِلُــون الرُكَّــاب كَـ دروع بشريـة و قُـوَّات الشمـال المُرسَـلـة ستسمـح بِـ عبُورِهِـم .. أُريـــد مكــاناً سِـيتوقـف فيه القِطـار بالــتـأكيد.. و هـكذا , أُريــد أن تُــدمَّــر السِكك الحديديَّـة حَــتَّـى لا يكُـون هُنـاك أمَـلٌ لَـهُـم في إستِمـرار تحرُّكِــهِـم .... و لِهــذا السبب , إشتـــرِ العَقَــــار , و دَمَّــرِه . "



" - إشتـــرِ - ,,, أنــت تقول هـذا الشيئ و كـأنَّـهُ أمرٌ هَيِّـن . "



" ألا يُمكـنـك هذا ؟ "



" لا تســـأل بِـ غباء ... هَـــذِهِ ليــســت مــسـألـة كونـي قـادِراً على هـذا أم لا ... ســأفعلهــا . فَــ موظَّــفٌ لــي على مــتـن ذلِك الشيئ ! "



" بِمـا أنَّـهُ أنت يا هـودجينـز , إعتـقـدت أنَـك ستقول هـذا بالفِعـل .. الأراضي مِـن المنـاطِـق التي تـعبُـر مِنهـا السِكَّـك الحديديـة تنقسِـم إلـى نوعيـن : تِــلك التي تمتلِكهـا المصلحـة الوطنيـة لِـ ليدِنتشـافتـليش للِسِكك الحديديَّـة , و تِـلك التي تُستــأجـر مِـن أصحابِهـا الحقيقييـن , الخَـاصَّـة ,و هي تحت الإستِعمـال . عِندمـا أنــظُــر إلـى الخريطـة , إستـطعــت أن أُحــدِّد الأمـاكِـن التي بإمكـانِنـا تنفيـذ معركـة تعتمِـد على كميـن قوي , وَ لِكـن خِـلال هـذا سيصـعُـب جـعـل هذا يضُـم منـاطِـق أُخـرى , و هكــذا سيتــوقَـف القِطـار لاحِقـاً و بِلا شك بعيــداً عـن نُقطـة التزود بالميـاه , وَاصِلاً بِـهـذا إلـى بِضعـة محطَّـات أُخـرى .. و مِـن بين تِـلك المحطَّــات , هُنــاكَ نُقطَــة واحِـدة و هــي ملكيـة خَــاصَـة ... أُريــدَك أن تشتريهــا بإستِعمــالَك لِــ مهاراتِـك في التِـجارة ... الآن و في أسرع وقــت مُمكِـن . "



جــيـلبِرت نفسَـهُ , إعتـقـد أنَّ مـا كـان يقولَــهُ لـم يكُـن عَـقلانِيَّـاً .



" أنت ...... يا جيلبِــرت ..... أنت ... "



و مَــع ذلِك ,, كَـان واثِقــاً , إن كـان الأمــر متروكـاً لصديقِـه المُفضَّــل ... فَـ الأخـير سيتـمكـن مِـن إنجازِه بالتأكيـد .



" إنتـــظِر , إنتـــظِر , إنتـــظِر , إنتـــظِر  .. لِمــاذا قَــلَّلـت مِـن الخيـارات ؟ "



" لــكي أقــول الحقيقيـة ,, رَفــض اللِّــواء هَـذِهِ الإستـراتيجيـة . "



" حَسنــاً , مِــن المُستـحيـل أن يومـأ أحدهُـم بالموافقـة فـوراً عِندمـا يُـقـال لهُ - هيا بِنـا لنشتري أرضاً , و نُدمِرَهـا و نركُــل مؤخِّــرات أعــدائِنـا - ,, أليس كذلِك ؟ "



" يبــدو أنني كُــنـتُ قَـادِراً على إقـناعِـهِـم إذا كـان لدي المـزيد مِـن الوقت , و لكِـن لِـ سوء الحـظ , أنـا على وشـك التحليـق ... لــقد قرَّرتُ مُسـبقاً أن أجعـل هذِهِ ليسـت بإستـراتـيجيـة عسكريــة , إنَّمــا إستـراتـيجيـة خَــاصَّــة .. سـأُعطـي المَــال .. الأمـاكِــن التي تمتلِكـهـا مصلحـة ليدِنتشــافتـليش الوطنيـة لِلسِكــك الحديديَّـة لا يُمكِـن التفـاوُض عليهـا .. مـع ذلِك , إذا كـانت أرض مؤجَّـرة يمتـلكها شخص مـا , يُمكِـن أن يتِــم إمتـِلاكِهـا مِـن شخص أخـر .. قُــم بِــشِــرائِهــا بإسمِــك .. إذا مـا أصبحـت أنت صاحِـب الشهـادة , كُــل ما تـفعلَـهُ بِهـا هُـو شأنَـك الخاص . "



" حتـى و مـع ذلِك , مِــن السيئ تدميرهــا , أوليس كذلِك !؟ تِـلك الأرض تُــستـأجـر مِـن قِــبل المصلحـة الوطنيـة لِلسِــكك الحديديَّة , أوليس كذلِك ! ؟ حـَـــــتَّى و لـو كـانت ملكيـة خَـاصَّـة فقط بالإسِـم , فَـ هي تُســتعمـل مِـن قِـبل المصلحـة الوطنيـة لِلسِكك الحديديَّـة .. لا يُمكنني تدمــير هكـذا عَـقار بِهـذِهِ الكيفيَّـة . "



" و مِــن هُنـا يـأتـي دورَك مِـن المُســاعـدة .. فَــ بعــد بيع ذلِك العقـار , إبــتـزاز الشخـص المسـؤول عـن المصلحـة الوطنيـة لِلسِكك الحديديَّـة .. و يُمكِــنــك فِعــل هذا عِندمـا تـستقِـر أوضـاع ذلِك الحَـادِث .. الإدارة المسـؤولـة عـن الأزمـات لِلمصلحـة الوطنيـة لِـ ليدِنتـشافتـليش لِلسِكك الحديديَّـة سيتـِم إستـِجوابهـا بالــتـأكيـد عـن غيابهـا عـن هَـذِهِ الحَـادِثـة .. لِــ نقُــل أنَّـكَ ستـصنـع طريق هــرب لَهُـم .. فَـ في الظروف العـاديَـة , كُــنـتُ أُفَــضِــل أن يقوموا بتـسليـم أراضيهِـم مِـن تِلقاء أنفُسِـهِـم , لكِــن هـذا مُستحيـل بالنِسبـة لأبـواق البيروقـراطيـة .. و لِهـذا السبب سنكون نَـحـن مـن سيقتـرِح هـذا .. إذا سمِحنــا لأولئِـك المُجرميـن بالوصول إلـى البحــر , فـ هذا الأمــر لـن ينتـهي فقـط بِـ طرد أُولئِـك المسـؤوليـن عـن حُـصول هَذِهِ الحـادِثـة .. و فـي مُــقَــابِـل أن نُــثيـر الإضطِـراب فـي تِـلك الملكيَّـة الخَـاصَّـة , و أن نعِدَهُـم بأنَّهُـم لـن يتعرَّضُوا لِلمُسـائلـة في وقـتٍ لاحِـق .. و مِـن بعدهـا نطلُب مِـن شرِكـة الصحيفـة أن ........ "



" يبــدو أنني فهِــمـت ما ترمي إليـه بطريقـةٍ مـا .. لــقـد ورطتـني في ذلِك بِهــدف أن تـجعــل مِن هذِهِ قِـصـة مُثيرة , صحيح ؟ "



" أنت سريع البديهـة . "



الخُــطَّــة التــي أتـى بِهـا جيلبِــرت , كَــانت سِلسِــلة مِن الأحـداث المُتـعاقِـبة .



رَئِــــــيس شرِكــة البريد كـــلُوديــا هُــودجينــز , و مِـن أجـل سَــلَامـة مُـوظَّفِه و بِهدف القلق على أُولئِـك الرُكَــاب الأسـرى , قَــد أُقتُــرِح عليــه مُخطَّطٌ ذا طريق مســدود لِــتـأخُـذ هَـذِهِ الخِطَّـة موقِعـها في أرض تُــسـتأجـرها مصلحـة ليدِنتــشافتـليش الوطنيـة لِلسِكك الحديديَّـة ( رئيــس شرِكـة البريد المذكـور , كـان أيضاً جُنديَّـاً سابِقاً لــدى لِيدِنتــشافتـليش حَـامِــلاً لإنجــازاتِـه كونَـهُ قَـد رُقِّـي إلـى رُتبة رائِـد ) .. خَـــوفاً مِـن تـفاقُـم الوضع , حتَّــى و لو أنَّ مصلحـة ليدِنتــشافتـليش الوطنيـة لِلسِكك الحديديَّـة كـانت قـادِرة على التكهُـن مِـن خِـلال إقتـراح مَـالِك العقـار بأن السِكك الحديديَّــة سيكُـون مِـن المُستـحيـل إستِعمـالها بعد ذلِك ,,, سيكون هـذا مِـن شأنِـه أن يضــع حيوات الأُنـاس أكثر أهميَـةً مِـن النفقات المُترتِبـة عـن ذلِك , و بِهكـذا ستُـوافِـق على المُخطَّط .



و مِـن هذِهِ النُقطـة , سيتـِم طِبـاعـة الإستـِراتـيجيـة المنقُــولـة مِـن شخص مـا في العسكريـة و أن الخُطَّــة ستُـنفَّــذ على الفـور .. فِـي الواقِـع , الأرض لـن تـكون لِـ هودجينـز بِمـا أنَّ الشخـص الذي سيدفَـع ثمنهـا سيكون جيلبِــرت بوغــانفِـليا , لكِِـن بِمـا أنَّ هَـذا الشيئ لـن يُكشَـف إلـى النور , أي نــوع مِـن القِــصص المُتـفاخِمـة و التي تتبنـى أمر هـذا الحدث ستُنـشأ .. و على خِـلاف الظروف العَـاديَـة الإنتـِـقـادات العلنيـة الشديدة يُمكِـن أن تُخفَّف بِهـذا .



" ســأعتمِــد على تغطيتـَك لِـ ظهري .. إذا لـم يسِـر ذلِك على مـا يُـرام , سننقِــل الخُطَّــة إلـى نُقطـة التزود بالميـاه القَـادِمـة .. لكِـن , سيكُــون هُنـاك المـزيد مِـن الضحـايا , و فُــرصَـة عدم نجـاة فَـيُوليــت ستتزايـد .. الحســم السريــع هُـو المطلُــوب .. ســأسمَـح لَـك بإستِعمـال أحـد أتباعـي .. لــديـه الوثائِـق الَّلازِمـة لِـشِراء الأرض , لِـذا تـواصَـل معه .. لَرُبَّمــا سَـ يجِـب عليك أن تتفَـاوض مَـع وكيـل ,, لكِـن إن كُــنت أنت يا هودجينـز , فَـ بإمكَـانِـك أن تُـصلِـح الأمـر بإستِعمـالِـك لِـ تملُّقَــاتِـك المُخـادِعـة . "



" أنـــا فخُـــور بِــهذِهِ الإطــراءات ! لكِــن سيُكــشــف عـن حقيقـة هـذا الأمـر لاحِـقاً .. فَـ النَّــاس يعلمُــون العَـلاقة التي بيننـا , صحيح ؟ "



إلتــف جيلبِــــرت إلــى الوراء عِندمــا رُبِّــــت على كتِــفِـه ... يبــدو أنَّ طَــائِــرات صــقــر اللَّيـل باتت مُستعِـدة .



" أنــا لــن أُمــانِـع في حـال خَــسِـرت منصِـبي لِـهذا .. لكنَّنـي سـأُثبِــت بأنني لســتُ ذلِك الشخص الذي يُفصَـل بِهذِهِ السهُــولـة .. فَــ بَــدَلاً مِنِّـي , أكثر مـا يهِـم هُـو سَلامَــة المدنيين ...... سَلامَــة فَــيُوليـت ... إسمـــع , أنـا لـن أُسَـامِِـح أُولـئِـك الذيـن وضعُـوا حيــاة مواطني ليدِنتــشافتـليش في خــطر , لا يهُـــم مـــن كــانوا .. عَـــددٌ مِـن الحَــيوات قــد فُقِــدت بالفِعــل .. و نحــنُ و بِكُـل تـأكيـد سننتقِــم لهُـم .. لا يهُــم مَـن كَــان الطرف الأخــر , سواء أكــانوا مِـن الشَمــال أو مِـن قَــارَّةٍ أُخــرى .. أُمَّــتـَنــا ليدِنتــشافتــليش لَــم تُــسفِـر عـن ضغُـوط أو غــزوات أجنبية . لطَــالمـا كـانت أُمَّــتـنـا هكـذا مُـنـذُ نشـأتِـهـا .. ســأجعل أُولئِــك الأعــداء يندمُــون على وضعِهِــم لأيــدِيهِــم على ليدِنتـشافتــليش . " وريـــث البـوغَــانفِــليا أخــــرج الغَــضــب التَــام في نبــرة صوتِـه , و التي جعلــ صديقَـهُ يُفكِّـر بأنَّـها نَذِيرٌ لِـشؤم .





______________________________________________________



كــانت السـاعة و بالضبط , السابِعـة و سِتـة عشر دقيقـة في المـساء .. لِمــاذا لـم يكُـن هُنـاك أحـدٌ بالجِـوار ؟ أحــد أُولئِـك الخـاطفيـن صرخَ فَـازِعاً عُـقبـان رؤيتِـه لِـحـالـة عربـة الطعـام رقـم 2 .. قـام بِـ تفحُصِهـا . مَـا بِداخِــل العربـة المُظلِـم قَـد إهتـز بتِـلك صَـافِـرة البُخـار مِن القَـاطِـرة .



القِطــار و الذي توقـف سابِـقاً , قـد بدأ أخيـراً في التَحرُّك .. مصلحــة ليدِنتـشافتـليش الوطنيـة لِلسِكك الحديديَّـة قـد إستـجابـت لِمطـالِـب الخَـاطِفيـن و أرسلــت موظفيـن بدائِـل إلـى ذلِك المُهندِس البائِــس صــموئيـل لابــوف .. حـالياً يقُــوم بِـ تولي أمـر القيـادة بينمـا أحد الخَـاطِفيـن يوجِّــه سِـلاحـاً نحوه .



قــد تفـاقَمــت الأمُـور لِدرجـة كـان مِـن المُستحيـل أن تفهـم الأحـداث العديدة التي قد طرأت في هذا الحـادِث .. إحـدى تِـلك الأحـداث هـي تـحديق ذلِك الرجُــل إلـى عربــة الطَعـام الفارِغـة .. لــيس فقـط الرُكَّـــاب بل حتَّــى رِفـاقِـه الذين كـانوا مــسؤوليـن عـن عربـة الطعام رقـم 2 ,, جميعهُــم قـد إختــفوا .



إستــذكــر الرجُـل قِصــة شبح مُخيفـة كـانت تتنـاقـل في أرجـاء وطنِـه في الشمَـال الذي عـاش فيه .. فحـوى تِـلك القِـصـة , فـي مُنتـصف الليل , عِندمـا يكون الشخـص على مــتن عربـة مُسرِعـة , يجِـــب عليه أن لا يـــرى أي شيئ خَـارِج عـن ما أمام نظريه .. ســواء أكــان ذلِك على مــتـن عربـة أو سيــارة أو حتــى قِطــار .



--- الســـبب هُــو .....



وَضــع يده على إطــار تِــلك النـافِـذة , التي كـانت وحدهـا مفتـوحـة .



--- ..... أن الأشيــاء الغير بشريَّـة , تُــرشَـد بِـواسِـطـة ضوء القمـر و تتبَعُـه .



فَــتَــح النَـافِـذة , ثُــمَّ رأى ما في مؤخَّــر العربة .



--- شبَـــحٌ مُخيــف قد يفتــح فَمَـهُ ليُظهِـر أنيابـه و يُـلاحِقُنـا .



على أي حــال , مـا كـان يُـلاحِــق القِطــار , لـم يكُـن سِـوى ذلِك القمـر العَــائِـم في سمــاء الليل .. رائِحــة المروج الطبيعيـة خِـلال اللَّيـل لـم تُعطِـي ذلِك الرجُـل على مــتـن ذلِك الصندوق المدعو بالقِطـار إلا حِسَّــاً بالبرودة بــدلاً مِـن الخوف .



" هاه . " أمســك ذلِك الرجُـل منطقـة صدرَهُ بلُطـف . كَــان قادِراً على أن يؤكِـد أنَّ لا وجود لِشبحٍ ما .. و فـي الواقِـع , ما تبـقى غير مؤكِـداً بالنسبـة لهُ , هـو سبب إختِـفــاء الرُكَّـاب و رِفـاقِـه .



" ســأخُــذ هذا . " تِــلك الكلِمـات التي سمِعهـا الرجُــل , قد أتت مِـن إتـجاه ما كـان ليتخيَّــلَـه .. على تِـلك اللحظــة التي سمِــع فيها تِـلك الكلِمــات و فهِـم معناها ,, قـد أُمسِــك مِـن محـل ياقتِـه و قــد قُـذِف إلـى الخَـارِج في آنٍ واحِـد  .



كَــان القِطــار يتـحرَّك .. لــم يكُــن سريعـاً جِدَّاً , و لكِـن إن وقـع أحدٌ ما مِـنه , فـ لن ينجـى دون أذى .. قبــل إصطِدام الرجُـل بالأرض , ما رأتـهُ عينيه كانتا عينين زرقـاوتيــن تُحدِّقَــان فيه على سطح ذلِك القِطـار و بِشُعـاعٍ ذهبي كان يلمَــع بمواجـهة مِـن ضوء قمـر الليل .. بينمـا إبتـلع أنفَــاسُــه على هـذا الكَــمْ مِـن الجمَــال , الرجُـــل إرتـد على التُــراب كَـ الكُـرة الصغيرة .



قَـــامَـت فَيُوليـت بإعــداد نفسِهــا على ذلِك القِطـار المُسـرِع .. حمِلــت وِركيـها سيــفٌ عسكري و الذي إقــتـرضتـه مِـن ذلِك الرجُـل الذي قـذفتـهُ بعيداً .. جَسدُهـا كَـان مُسلَّحـاً بالفِعـل بكم كبير مِـن الأسلِـحـة و التـي قـد إنـتزعتـها مِـن الخـاطِفيـن الآخريـن ... مِــن بعد تجرِبتِـها لِلسيــف , الخنجــر , و حَــربـة مُسـدَّس , و التي لــم تُنـاسِـب أيـاً منهـا لِـ ثوبِهـا الجميــل ذا القِطعـة الواحِـدة ,, و مِـن ثُـم وقع إختـيارُهـا على السيف .. يبدو أنَّ الوزن التي تُلقيـه تِـلك الأسلِحـة لـم يكُـن بِـ الـ كبير عليهـا , قَـامت بوضع كُـلٍ مِنـها على جِـرابات الأسلِحـة و التي يبدو أنَّهـا قد أُنتــزِعــت هي الأُخــرى .



طــريقــة قِـتـال فَـيُوليـت كــانت مُـشابِهـة لِلعنكبوت .. فَـ فـي البدايـة , قَـامت بِـ هزيمـة أحـد الخَـاطِفيـن بِبساطـة عِندمـا قابلتـه  , و بينمـا شعــر بالحـالة الغريبـة لِعربـة الشحـن تِـلك و جـاء لتفقُـدِهـا , تماماً كمـا فعــل الأخريـن مِـن تفقُـد رِفاقِهِـم لِعدم عودتِهِـم , إستـنتـجـت فَيُوليت  , " هـذِهِ فُـرصـة جَيِّدة . " و أخفــت نفسها بينمـا كـانت تنتظِـر , قَــاضيـةً عليهِـم واحِداً تـلو الأخـر .. مُبــاشـرةً عِنــد إختـِفاء هـاجِـس التوتُر و القلق فيهِـم , كـان أولئِـك الخـاطفيـن ليروا هيئـة الإمــرأة المقلوبـة رأسـاً على عقــب خـارِج النـافِـذة و أطلقـوا صُـراخَـهُـم قبـل أن يتـخافـت صوتَهُـم .. لــقد قـامت بِـ نصب شِباكِــها و كـانت تصطـاد فرائِسِــها و التي نجحــت بالفِعـل في سحبِهـا إلـى شبكـة العنكبوت .



كـــان هُنــاك أربعــة يقومون بِـ مُراقبـة الرهائِــن في غُــرفـة الطعام رقم 1 ... الخَـاطِـف الوحيد الذي تـابـع مُشاهـدتِـه لِلوضـع بينمـا كـان مُحـاطاً بالنـاس .. و بِمـا أنَّهُ لـم يكُـن قادِراً على تـولي أمر حـادِثـة الإخـتِفاء التي تحصُـل بِـ غُـرفة الطعام رقم 2 , قـد ذهب لِـ طلب العـون مِـن العربة التي أمامـه .



عــلى الرُغـم مِـن أنَّ رُكَّـاب غُـرفـة الطعام رقم 2 قـد تــم تحريرَهُـم خِــلال توقُــف القِطـار , لـم تكُــن هُنـاك أي طريقـة تسمـح بإنـقاذ أولئِـك الموجوديـن في غُـرفة الطعام رقم 1 , حتــى و لو حُــجِــبت أعيُـن الحُــرَّاس عنها .. حَدَّقــت فَــيُوليـت إلـى الأمام كما و كأنَّ مـا أمامهـا كـان يتوهَّـج .. قَــرَّرت أن تكون مُهِمَّــتـها التَـالية هي السيطـرة على غُـرفة المُحرِّك و أن تـُــوقِـف القِطـار مرَّةً أُخــرى .



تقدمَــت فَــيُوليــت بمشيهـا برشـاقـة على السطـح .. عَــزمُـهـا لـم يتـداعـى بأي درجـة , بينمـا إستمـــرَّت في سعيِهــا صامِــتة وَ وحيـدة , مُتجِهــة نحــو معركـة الإستـيلاء .. لــم تــعُـد تِـلك الفتــاة الجُنديَّــة .. لــم يكُــن هُنـاك ضابِطُ عسكري إلـى جَـانِبِهـا .. هــي تُكـافِـح في حيــاتِـها التي لا دَعــم إليهـا حالياً , و لا خيــارات أُخـرى غير تِـلك التي تُقرِّرَهـا هي .. و نِتـاجـاً لِهـذا , هـي تتخِــذ أفعـالاً دون أي تـعليمـات مِـن أي أحـد فـي سبيـل مُســاعـدة الرُكَّـاب .. كَــانت تُحــاوِل كُـل ما تـستطيـع كَـ فَــيُوليــت إيفرجــارديــن .



" رائِـد . "



القِطــار الذي ركِـبوا على متـنِـه و الذي صـادف أنَّـهُ تـعرض لعمليـة إختِـطاف .. إذا كـان لديهـا القُــدرة مِـن أجـل مُســاعدتِـهِـم في الفِـرار , كـانت لِتفعل هـذا و بِبسـاطـة .. و بالعـودة إلـى ثنيات الماضي , إذا كـان سيدِهـا على قيـد الحيـاة و في صــُــفوف الجيش , كــانت واثِقــة أشد الثِقـة أنَّــهُ و بالتـأكيـد يُفكِّــر بطريقـة لِإنــقـاذ مـن في القِطـار.. حَــتَّــى و لـو لـم يعـرِف ذلِك الشـخص مَـا تبذُلُــه هي .



" أصــوات مُحرِّكــــات ؟ " نَــظرت فَــيُوليــت فجـأة إلـى أعلــى نحــو سمــاء اللَّيـل الشاغِـرة .. ضَــجيج عـلى خِــلاف صـوت القِطـار المُتــسَـارِع كَـانت قـادِرة على سماعِـه .. بإمكــانِــها أن ترى العديد مِـن الأجسـام الطَـائِـرة تلُـوح في الأفُــق و فوق القِطـار مُبَـاشرةً .



" هُنــــــاك ! هَــا هـي المُجرِمــة ! "



رَصَـــــــاصَــةٌ إنطــلـقـت خِــلال ظُــلمَـة سمـاء اللَّيـل .. صوت طلـقة نـاريـة تردَّدت إلـى جَـانِـب صوت الرجُـل .. مِـن داخِــل القَـاطِـرة , سِــلاحٌ كَــان مُصَــوبٌ عليـها ... إحـــدى أُولئِــك الخَـاطِـفيـن و الذي قـد أصـابَـهُ الحُــنـق بينمـا كـان يبحث عـن الرُكَّـاب الذيـن لـم يعُـودوا تحت النـظر , و إلــى جَــانِــب تِـلك الشَـابـة و التي تبدو على الأرجــح أنَّـها المسـؤولـة عـن هـذا الحَـادِث ,, ذلِك الرجُــل قـد عَــثَــر على فَــيُوليـت تــجري على سطـح القِطــار .



فَــيُوليــت أشــاحـت بنظرِهـا عـن الأجسـام الطَـائِـرة في سمـاء اللَّيــل و وضعــت كَـامِـل تركيـزِهـا على المعركـة ... أسرعــــت على القَـاطِــرة بينمـا أخفَــضَـت وضعيـة جَسدِهـا .. و مِـن بعـد أخــذِهـا لِمـسافـة , حَــجَــزت أُولئِــك المُجرميـن الموجوديـن في القاطِــرة عبر إطــلاق النَّـار عليهِــم , و مِــن ثُــمَّ تَــابعــت الجري .. الفِكـرة الأفضــل هي أن تــدخُــل إلـى العربـة بإســرع وقتٍ مُمكِـن , لـكِـن لـم يبدو بِـ مقدورِهـا أن تفعـل هذا على الفـور .



" مـــــن ...... أنتِ !؟ الشخــــــص الذي ســاعــد الرهــائِــن في العربـات الخلفيــة على الهَــرب كَــان أنتِ , ألســت ِ كذلِك !؟ "



صَـــعِــد الرِجــال مِــن نافِــذة عربـة الرُكَّــاب لِـ يتخلَّــصُـوا مِـن فَــيُوليـت ... مِــن خلفِــها و أمامِــها , مِــن كِلتـا الجَوانِـب أولئِــك الرِجــال الذيـن يحمِلـون شِعــار الشَمــال إقتــربوا مِـنهـا بالتدريــج في نيَّــةٍ مِنهُــم أن يُهـاجِمُـوهـا مِـن كِلتـا الجوانِـب .



" أجــــــيبي ! مــــن أنتِ !؟ "



" أنــا مُجرَّد مُــرتحِلـة . "



" كـــاذِبــة ! هَــل كُــنتِ تعلميــن بِـ خِطَطنــا ؟ لا ..... ليس الأمــر  و كــأنَّ هُنـاك شخصٌ غبي كِـفايـةً أن يصعـد على مــتـن القِطـار وحيداً إذا مـا علِم بمُخطَطِنـا . تــعــالي إلـى هُنــا ! سنستــجوِبَـكِ بالتـفاصيـل . قومي بإنـزال أسلِحتـَكِ . "



قَــامت فَــيُوليـت بوضـع سِـلاحِهـا النَّاري في مِمسَكِه .



" هـــذا خـاطئ ! أُتــرُكِي الأسلِحـة عِـند قدميـك ! "



لـــم تستمِــع إلـى أوامِـر إستـِسـلامِـها , قَــامت فَيُوليــت بأخـذ خُطــوة كبيــرة . " مـــن ...... " بينمــا قــالت هــذا , فَــيُوليــت هَــبِطـت على صَــدر ذلِك الشخــص الذي كـان يُهدِّدُهـا , و لكمَــةٌ مِنهـا قطعـت طريقهَـا نحو وجهِه .



تـِــلك القبضـة التي أتت مِـن تِـلك المرأة شديدة الحُــسن كــانت أقــوى و أشـد مِمَّـا كَـان يُفتـرض ... ذلِــك الرجُــل تدحرَج نحو الأسفــل أخِــذاً معَهُ بِضعـة مِن رِفاقِــهِ الأخريـن .



" مـــــن ..... قــال أي شيئ بأنني ســأتـجيب إلـى أوامِــرُكُــم ؟ " بِـ دمدمتِـهـا مُنخفِـضـة النبرة , شرعَــت المعركــة .



إنطـــلق  أُولئِــك الرِجــال نحوهـا مِـن الخلف و مِـن الأمــام .. أولاً , قَــامت بتفـادي سِـلسِـة مِـن هجوم سِكيـن لِـ رجُـل أتـى مِـن خلفِهـا .. قَــامـت بالدفـاع عن نفسِهـا بإستـِعمـالِهـا ليدِهـا اليُســرى ,, مُمسِكــةً لِوجهِــه و دافِعــةً أيَّـاه بعيداً عنهـا .. و بينمــا تداعــى , إقــتـربت مِنـه قُــبالـة قدميـه , و هكـــذا و بِكُـل بساطـة , ركلتـه ليسقُـط مِـن على متـن القِطـار .



تــقدَّم أحــد الأعــداء نحوهَـا مِـن أمامِهـا هَـادِفـاً بِضربِهـا بيديه المُجرَّدتــين .. كـان رَجُــلٌ بِـ جسد طويـل و عريض .. رُبَّمــا كـانت لديـه ثِقـةٌ في قِواه الجِسمـانيـة .. و بِشكـل يخــلُـو مِـن القلق و التوتُـر , ذلِك الرجُــل وضـع وجـه فَيُوليـت هدفاً لـه .. مُتــلقياً لِـ سِلسِلـة مِـن الضربـات مِـن كِلا الذِراعيـن , حَـاولَــت فَــيُوليت الحُصـُـول على فُـرصـة , واضِعــةً ليدِهـا على الأرض و مِـن ثُـم أدارت ساقيــها الطويلتـين .. و بينمــا تقهقــر الرجُـل بتِـلك الرفسـة , قَـامت بإرسـال قبضة يدِهـا المُجرَّدة نحــو معِدَتِـه .. لكِـن يبدو أنَّ الرجُـل لديه صفيحـة حِمــاية مُخبـأة تحت مَـلابِسِـه .. شَــعــرت بأن شيئ قـد تـقوَّس , لكِـن لـم تـكُـن هُنـاك أصواتٌ تفيـد بإنكِــسار العَـظم .



" ســـــــأُحطِــم وجهَــكِ ! مُـــوتـي ! " و مِـن بعد لحظـة , رفــع ذلِك الرجُـل قبضتــُه نحوهـا مرَّةً أُخـرى .



تَـــلقَـــتـها فَــيُوليـت بيدِهـا الواحِــدة , ساحِــبةً لِسِلاحِهـا النَّاري مِـن جِــرابِه و أطلــقــت النَّــار على فَخِــذِه بِمـسافـة قريبـة .



" أنـتِ .... هذا غيـر عَــ .... "



لا شــــيئ فيمـا يخُــص فَـيُوليـت يُمكِـن أن يُعتـبر جباناً أو هـزيلاً , فَــيُوليــت و التي تربَّــت في ســاحات الحرب .. قَــامت بِلُــطف بدفـع كتِـف ذلِك الرجُـل المُنهـار و مِــن ثـُــمَّ إختـفى وسط ذلِك الظَــلام بِـ صرخـة ... بينمـا عـادت فَــيُوليــت وحيدةً مرَّة أُخــرى , صــوت جلجلـة القِطـار قـد عـادت لتكون هـي المُسيطِـرة في أُذنيهـا .



كَــــــانت هَــذِهِ هي قوة تِــلك المرأة المدعُـوة بِـ فَـــيُوليــت إيفرجــاردين .. كــان هـذا الدليل القَــاطِـع لِذلِك السِــلاح الذي لــم يكُــن إسمَـه مُسَـجَّلاً في سِـجِلات جيــش ليـــدِنتــشافتــليش .



الخُـــطــة التي رسمَهـا أُولئِــك الخَـاطِفيــن بدأت تفشــل بالتدريــج .. أُولئِـك المُجرميــن على الأرجــح كـانوا ذا طابِـع مُتـهوِر و طائِـش , لكِـن هـذا لـم يكُـن جُــلَّ الأمـر . فـ قد كـانت لديهِـم ما يكفـي مِـن القوة المُعـتمِـدة على السِـلاح لكـي تتحكَّــم بِـ الرُكَّــاب الضُعـفـاء .. و مـع ذلِك , تِـلك دُميـة الذِكــريات-الآلية , كـانت تفخـر بإمتِـلاكِهـا قُــوَّة مُحـارِب لا مثيــل لها , إنتـهى الأمـر بِهـا أن تختلِط بـأولئِـك الرُكَّـاب الضُعفـاء المذكورين .



القَـــمَــر الذي كـان يَشُــع في أواسِـط الظلام , قد حجبتــهُ الغيُــوم و تخـافت عـن الأنـظار مؤقَّتـاً ,, و لكِـن الشُعـاع الذي يبعَثَـهُ القمـر بدأ بإلــقاء بريقِــهِ نحـو العَــالَـم القَـابِـع تحتَـهُ مرةً أُخـرى .. عِندمــا أرشـد ذلِك الضـوء الباعِـث مـن القمـر فَــيُوليــت مرَّةً أُخــرى , كـان أمامُهــا عَدُوّاً مُختـَــلِــف ... دُون دَعـــــوة , فَـــيُوليــت أظهــرت نفسَهــا .



" أأنـــتِ ..... جُنــديَّـة مِـن ليدِنتــشافتــليش ؟ " سُمِــع الصــوت الخَــافِــت لِذلِك الرجُــل .. تحدَّث بطريــقـة هَـادِئَـة .. مَــلامِـحُـه أعطــت إنطِبـاعاً بالشفـافـية و الثبـات .. كــان مُــرتدياً لِمِعطَــف باللَّون اللَّازوردي رُغــم كون لـونَــه محجُــوب بتِـلك الظُلمـة مِـن اللَّيـل .. شِعــار روهــاند كَــان مُطــرَّزاً عليـه .. و بِـغض النـظر عـن الأسبـاب , كـان لـديـه صُنـدوق طويل بين يديه .



" لا , أنــا لــم أُعــد جُنديَّــة .. كمــا أنَّ لدي سُــؤالٌ لَكَ بدوري , أأنــت الأقــوى بيـن أُولئِـك المسـؤوليـن عـن عمليـة الإستـيلاء هـذِه ؟ إذا كـان هـذا مُمكِــنـاً , أرغــب بأن أُقــاتِـل ذلِك الشخص مهمـا كـان . "



أمســـك ذلِك الرجُـــل تِـلك الحقيبـة بِــحزم شديد .. و بينمــا فعـل ذلِك , إنــخَـلَـع خَـارِج الحقيبـة و سَقــط بِـجـانِـب قدميــة , مـا كشـف عـن سِلاحٍ بِحربَـة حـادَّة .. إنحنــى ذلِك الرجُــل أمام فَـيُوليـت بأداب لا تـشوبهُ شائِـبة , "أنـا زَعيــــــم حامية الفُــرســان لِـروهـانــد ... و بالنسبـة لأسمي , فــ لقـد تخلَّيــتُ عنـه سـابِـقاً .. أنــا هُــو الأقــوى الذي تسعيـن إليـه . لــقـد ..... رأيــتُكِ في سـاحـة المعركـة . أنـــتِ سَــاحِــرة ليدِنتــشافتـليش , صحيح ؟ " زعيــم حامية الفُـــرســان لِـروهـانــد شَــاهَــد فَــيُوليـت تــحــت ضوء القَمــر بِــنظراتٍ لا تُــوصَــف .. قَــد دلَّـــت على خِشـيتـِه و عـن حِدامِـه عـلى حقيقـة أنَّ ذلِــك الشيطـان الصغيـر لِساحـات الحــرب قـد كَــبُــرَ كثيراً و وقَــفَ أمامُــه مَــرَّةً أُخــرى .. و مِـن ناحيـةٍ ثانيـة , لَــم تـبـدو سِـوى إمــرأةً يـُغلِّفُـها الجمــال الشديد كيفــمــا نظر المــرء إليهـا .. و هكــذا , أصــابتـهُ الحيرة قبـل كُـلَّ شيئ . " هَــيـئَــتُـك القِتــاليـة ... كــانت تـمــاماً كَــ الإلـه الضَــاري ..... لــم أسمــع أي إشــاعات بِـ خصوصِك عِـند إنتِـهاء الحرب القَـاريـَّـة , لكـن ... قـد فهِـمـت , إذاً كُــنتِ تُـزاوليـن هـذا العمــل المُتـستِّــر . "



الهــالــة التي كـانت تُحيـط بذلِك الــزعيـم , كـانت مُختـلِفـة عـن الأخريـن و التي قـامت فَـيُوليــت بمُقاتـلتـِهِـم سابِقاً .



" أعتـــذِر عـن عَــدم تلبيـتـي لِـ توقُعـاتِك , لَـكِـن تِـلك السـاحِـرة التي تحدَّثــت عنهـا قـد سبق وَ غـادرت هــذا العَـالَـم و لـم تـعُـد جُنديَّــة بعد الآن .. أنـــا مُجــرَّد مُــرتحِلـة .. أنـا لا أفعــل أي شيئ يمِـد صِلـتـه بالقتـل , و مـع ذلِك . لــقـد أعــطيـتُ رِفـاقـك مُعـاملـة قَـاسيـة , و لكِـن بالتـأكـيد لايزالُـون على قيـد الحيـاة .. و على الرُغــم مِـن أنَّ هَـذِهِ عجرفَـةٌ مِـنِّي ,لكِـن كـ إحــدى رُكَّــاب هـذا القِطـار , لــدي طَـــلب .. رجَـــاءاً إطــلِـق سَــراح كُــلَّ الرهـائِـن . "



" هذا مُستحــيل "



" أفتـــرِض ..... بأننــا نُستـَعمـل كَـ أشيـاء لِـ مُقايضـة ما ... حتــى أنَا أستـطيع أن أفهـم ذلِك . لِمـــاذا تفعلُون شيـئاً كهذا ؟ "



" لإستِــرداد الأشيــاء .... و الأُنــــاس ..... الذين قُمــتُــم جميعــاً بدوسِهــا تحت أقدامِـكُـم . "



" أتــعنــي لكـي تُشعِــل فتـيل الحرب مرَّة أُخــرى ؟ "



ضَحِـــــك زعيــم حَـامية الفُــرسـان .. رَفــع نبرة صوتــه المدموجــة بالضحِك , لكِــن ذلِك لـم يُـؤثِـر في نظرة عينيـه .. " أنـا أسِـف , لكـِـن أرغـب بأن أسـألَـكِ شيئاً ... هـــل الحــرب إنتـهــت بالنسبـة لكِ ؟ "



أكـــانت تــظُـن أنَّـهـا لــن تُــسـأل كـهكـذا سـؤال يوماً ؟

تــيــبَّــسَــت فَــيُوليـت .



" لا يُمكنني أن أفهــمُـكِ جيداً بِمــا أنَّــكِ دون تـعابير , لكِـن مِـن صمتِــكِ أدرُك أنَّ لديك فِكـرة عـن الموضوع , صحيح ؟ هَـــذا سبب تــواجُــد الجــنُــود و لِهـذا السبب قـد وُجِدُوا ... دَائِمــــــــاً و أبـــــــداً ... ذِكــريــاتـنـا المُتـعلِّقــة بالوحشـيـة تـبقى راسِـخـة فينـا كمـا تــبـقى العـلامــات التي تُخلِّفُهــا النَّـار و لا تـختفي .. و الحـــرب لـــن تنتهــي أبداً بالنسبـة لي . "



تِــلك المُحــادثـة كـانـت تبعـث بإحســاس سبق الرؤيـة .



" عــــــلــى أيــة حــال .......... فَــ في الحقيقــة , الحـرب قـد إنتـهـت بالفِعـل . "



" لازالــت ... و ستـشـرُع مِـن جديد . "



كَــلِمــاتٌ , كـانت جــوهــر فَــيُوليـت السابِـقة .



" وُجــــوه رِفــاقي الموتــى .. رائِــحــة الجُــثث .. وزنُ السِــلاح الذي يُنتـَزع مِن جُثَّــة العدو , تِـلك الليلـة مِـن الآلام النـاتِـجـة عـن ضربِـك بِـقسوة مِـن الضابِط القَـائِـد دون حتـى أن تعرِف السبب .. كُــنــتُ قـادِراً على تحمُّـــل كُــل هــذا .... لأننــي إعتـقدت , أنَّ يومــاً مـا ,أنَّ الحــرب ستنتـهي و أن شيئٌ مُـبهِــر سيكون في إنتـِظاري في المُستـقبل . لكِــن كيف كــان هـذا على أرض الواقِــع ؟ صديقـــي و الذي راودَهُ نــفــس الحُــلــم مِثــلي قـد وُضِــعَ في السِجــن , و ذوي الجِهــات العُــليا و الذيـن قـد شرعـوا هـذِهِ الحرب , يعيشُــون بِــ ترف ,, و هكـــذا أصبحــت أُمَّــتنــا هي عَــدوَّتــنــا ... الجُــنود الذيـن ضَـحُّــوا بحيـاتِـهِـم في سبيـل حمـاية المُواطِــنين , الآن يُــوصَفُــون بِـ عديمي الجَـدوة و تُــرمـى عليهِــم الحِجــارة مِـن قِــبل الفَــلَّاحيـن ... مَســـقَــط رأسي قــد إختــفــى بِــلا أثر لأن الدولـة المُنتـصِـرة وضعــت مَــسـار سِكك حديديَّـة لِـ قِطاراتِـها فــوق وطنِنــا الذي كُــنـَّـا نُحاوِل حِمــايتِـه بأرواحِنـا .. قــــد حَــاوَلــتُ أيضـاً أن أننــسـى هـذا الشــأن .. لكِــن , داخِــل صميم فُــؤادي , أبــداً و دائِمــاً , و حَتَّــى هَــذِهِ اللَّحظـة ...... "



أكَـــيــاسٌ جَــاحِـظَـة و قَــاتِـمـة , أســفــل عيــني زعيــم الفُــرسَــان .



" ...... و عـلـى الرُغــم مِـن أنني أنـامُ ليــلاً , و أستـيقِـظ صَـبَـاحـاً , و لا أزال أتنفَــس , غَــضَــبٌ لا يُمكنني إخـمـادُه يجتــاح جسَـدي في أوقـاتٍ مُفـاجِـئة .... لِـكي أَحُـــل هَـذِهِ المُعضِـلة , لا خيـار أمامي سِــوى أن أقتــُــل و أُنهِــي دَولتـَـكِ التي جعلتـني بِهــذا الحَــال .. لــيس الجنـوب وحدُه , كـذلِك الغــرب الذي تــآمَــر معـه .. هــــــذِهِ مُجــرَّد بِدايـة بالِغــة الصِغَـــر ... و مِــن هَــذِهِ النُــقطـة , سيبـــــدأ مجــــد حيــاتِــنـا المعهــود . هــل أنتِ راضيـة الآن ؟ إذا كـان واجِــباً عليَّ أن أتـحدث بينمـا لســتُ جيـداً في المُحـادثــات ,, سـأفــعـل ذلِك بإستِعمــالي لِـ قبضـاتـي . "



كــان هُنـاك سَــبَـبٌ لحديثِـهِ بِـ صيغـة الجمـاعـة .. فَــ واحِـدٌ , إثنيــن , ثـــلاثـة أشخــاص إضـافييـن مُــرتديـن لِـنفس مِعـطفِـه باللَّون اللَّازوردي قـد ظهـروا , و أخــرجوا الحــربــات مِـن صنـاديقِهِــم الطويلـة و و جَّهُــوا تـِلك الأسلِـحة نحو فَــيُوليــت .. عـــلى ســطح ذلِك القِطــــار المُتـحرِّك , الأفـــــــراد السابِقيــن مِـن حاميــة الفُــرسـان و الفتــاة الجُنديَّـة السابِـقة و الحَامِــلة لِكثيرٍ مِـن الأسلِحــة .. قــد تقــابـوا و سيتواجهُــون .



كَــــان كَـ قـانون السببيَــة .. المَــاضي الذي كــان يُــلاحِـق فَــيُوليــت مهمــا مرَّ الوقــت , أبـداً مــا تركَهـا .



فَــيُوليــت تمسَكـَت بالبروش الموجــودة عـلى صدرِهـا مَـرَّة واحِـدة فقط . " لِمــاذا .... وجَــب على الأمـور أن تسيـر بِهذِهِ الطريقة ؟ " كَــان سـؤالاً يُــصيب أذهـان الجميـع مَـتى مـا حلَّــت أوقـاتاً سيئـة بِهِـم , لكِـن ليس في حَــالتِـها .. ذلِك بِـــسبب أنَّ الشخـص الذي إعتـاد أن يكون سيدِهـا السابِـق أخبــرهـا مرَّةً ,

" عيـــــشي , دُون أن تُــلقي بِـ لومَـكِ على أي أحـد . "



"  أنــا بِــنفسي قليلـة الكـلام , لِـذا هـذا مِـن شـأنِـه أن يكـون مُفيـداً . " فَــيُوليــت إستــلَّــت الســيف و أنحنــت بِـ طريقـة السيـدِة النبيلـة .





______________________________________________________





عِــنــد السـاعـة السابِعـة و أربعـة و ثلاثـون دقيقة , ذَهَــب هودجينــز لِمكتــب فرعـي مِـن وِكــالة ليدِنتــشافتـليش الوطنيـة لِلعقــارات .. كـان المكــان الذي سبـق و قـد أُختـير و الذي إعتـمـد عليه فــي بِنـاء مكتــب الـ سي إتــش لِلخدمـات البريديـة .. عِـند إفـادِه بإنَّ لديـه مُفـاوضـات يرغب بِـ مُنـاقشتِـها مـع الشخص المسـؤول في المكـان , و الذي بِـ دورِهِ كـان على صِـلة وثيقـة مِـنه , موظَّــف الإستـِقبـال أعطـاهُ ردَّاً سريعـاً مؤكِّـداً .. مُــرشــداً إلـى غُـرفـة مُـنعـزِلـة , إثنينَهُـما كـان يفصُـل بينهُـما مِـنضَـدة مُحدِقيـن تِـجاه بعضِهِـمـا البعض .



" لا , و حتــى إن قُــلــت هـذا يا رئيس هُـودجينــز .... " و قبــل أن يــبـدأ بإستِـماعـه إلـى هودجيـنز , الشــخـص المسـؤول و المدعُـو بِـ جُـون ويشـاو , أظهــر عـلامـات تـدُل على عـدم الإتريـاح .



كــان رَجُــلاً في مُــنتــصف الثلاثيـنيـات مِـن العُمــر و الذي بدا شـاباً كفايـة ليبدو أنَّـهُ في العشريـنيـات .. كَـان ليُخـطئ الظَـن بِه بِسبب شاكِلتِـه , لكِـنَّـهُ كــان يعمـــل كَـ مُديــر هـذا المكتــب الفــرعــي بِغض النـظر .



" أهُنــاك أي إشـكـاليات ؟ " مُــواجِهـاً إيَّــاه , كـان كــلوديـا هُـودجيـنز و بِـ طريقـة حديثِـه المُــناسِـبة لِـ عُمريهِــما , لكِـن يبـدو أنَّـهُ يتـقدَّم هُـودجينـز بِـ مرحـلـة أو بِـ مرحلتـين في الرونق .. فَـ في العَـادة , قـد يشهـد البعض موقِفـاً لهُ يسخـر فيه مِـن النَّـاس , و لكِـن تـعابيره التي تدُل على الجِديَّـة في اللحظـات الحرِجـة بإمكـان قُــلُوب النـَـاس أن تتأثر بِهـا و لو كـانوا مِـن نفس الجِـنس .



ردَّ جُـــون عـلى تحديقــات هودجينـز المُهـاجِمـة , " تماماً كما قُــلت , مَــطلَبُــك مِـن الصعب جِداً أن يُـوافَق عليه .. بِخــصُوص شِـراء أرض قــريــة ريتـورنــو التي طلبتـها , مُــجرَّد شِــراء قِـســم واحِـد مِنـها يُعتـبر أمراً شاقـاً , فمــا بـالك بِـ كامِلِــها ... "



" فــي الحقيقــة مُجرَّد محطَـة القِطـار المبنيـة عليهـا هي كـافيـة , لكِــن سنجــني مزيداً مِـن الأربــاح إن إشتـرينـا كَـامِـل القريـة بينمـا نحنُ في صدد ذلِك . "



" المحطَــــة هي ملكيـة عـامَّـة لِلقريـة , و لا يُمكِــن أن تكون موضوعـاً لِنِــقاش الشراء و البيع . "



" لا ,,, هــذا غير صحيح ,, أليس كذلِك ؟ لــقد إتــصــلت بمكتــب الشــؤون القَـانونيـة لِـ ليدِنتشــافتــليش قبل مجيئي إلـى هُنـا .. المحطــة عِــبارة عـن ملكيـة خـاصـة .. و هـي واحِـدة مِـن أكبر قِـطع الأراضي لتِـلك الأرض و التي قـد ورِثتـها عمدة القريـة , السيـدة إيـان مِـن أسـلافِـها .. السِكـَّـة الحديديَّـة قـد أُنــشِـأت مِـن أجـل صِنــاعات التـعديـن التي شرع بِهـا أجدادُهـا المذكوريـن و كذلِك المحطَـة قـد أُنشِـأت لِـنفس السبب , كُــل هـذا لِأجـل قريـة ريتـورنــو ... مصــلحـة ليدِنتــشافتـليش الوطنيـة لِلسِكك الحديديَّـة تستعمِــل هذِه المحطَـة كُنـقطـة لِــ تتوقَـف القِطـارات عِندهـا و تتزوَد بالميـاه , لكِــن لا يُمكِــن لِلـرُكَّــاب أن ينــزِلـوا مِـن القِطـار على تِـلك المحطَـة .. ﻷنَّــهــا عقــار خَــاص .. يُمكِــنــك التحقق مِن هـذا بِـ تفحُصِك لِلسِجــِــل العقاري ... أبِإمكــانِـك أن تفتـح الملف الذي بين يديك ؟ "



و على الرُغـم مِـن قيـامِـهِ بِهذا كُــرهـاً , فَــتَـح جــون ملف الوثائِـق المُتـعلِّــقة بِــ بيانات ريتــورنـو الإقليميـة ... مَــالِكة العَــقَـار كـانت عُمدة ريتـورنـو المشهُـورة بِـ مناجِـم الفحم .



" أنت بالتــأكيـــد ....... واسِــع الإطِّــلاع . "



مــا قــالَـهُ هودجينــز , كـان صحيحـاً .



" إنَّــهـا مشهورة لِلغــايـة ... المَحطَـــة التي لا يُمكِــن لِلنَّــاس أن ينـزِلُـوا مِنهـا ,, هــذا رومـانسي , أليس كذلِك ؟ لَكِــن ليس الأمـر و كـأن لا أحــد بإمكَـانِـه فِعـل هذا , .. فَــ أُولئِــك الذيـن لديهِـم شهـادة تُــثبِـت أنَّهُـم يعمـلُون بِمناجِـم فـحم ريتــورنـو و كذلِك مواطِنيــها بإمكَـانِهِــم النُزول .. هَــذا لأنَّهــا مِلكيَّـة خَــاصـة , و بإمكَـان الغُــرباء أن يمُــرُّوا عبرهـا فقط إلى جَـانِـب التصريح الخـاص و المُخصَّــصَ لِـمن يُنجِــز إجــراءات عسيرة ... الآن , دَعنــا نعُـود إلـى المُعضِلـة .. أنــا فقــط أُريـد تِــلك الأرض التي تقطعهــا السِكَّـة الحديديَّـة و التي سيمُــر مِنهـا القِطـار العَـابِـر لِلقَـارَّات . "



--- ســــأُقنِعُــك , ســــأُقنِعُــك , ســــأُقنِعُــك , بالتــأكيد ســــأُقنِعُــك .



هُــودجينــز قَـام بالإيمــاءات أمـام جون ويشـاو عَــارِضاً لِمسرحيتِـه الخَـاصَّـة أمامـه تـقريباً كالمُمثِـل المسرحي ... عينيـه ضاقـت قليلاً , لكِـن لـم يكُـن فيهِمـا طيبـة . " أيجِــب علي أن أشـرح فَـوائِـد هَذِهِ الصفقـة بطريقـة سهلة مِن جديد ؟ ريتــورنـو تُـعاني مِـن النُقصـان المُـتزايـد في عدد السُكـان .. لـقد إعتــادت أن تكون مشهُـورة بِسبب منـاجِمِهـا , لكِـن التعديــن بــات مُستـحِيـلاً فيها بِسبب حَــادِث وقـع قبــل عِدَّة سنـوات مضت .. و على الرُغــم مِـن أنَّ السِكك الحديديَة لازالــت باقيـة , إلا أنَّ عــدد العُمَّــال يتناقـَــص و الشبــاب يُغـادِرونـها .. كمـا أنَّهـا ليســت مكـاناً لِلسـياحـة .. و مِـن الواضِـح أنَّهـا ستتحوَّل إلـى مُجــرَّد أطـلال . جُـزء مِــن القريـة بـات يُـؤجَّــر عِندمــا أُنشـِأت السِكَـة الحديديـة . و إقتـِصاد القريـة يعتمِــد على المَــال الذي تُــجنيـه القريـة مِـن ذلِك .. كَــم عــدد النـاس الموجوديـن في القريـة حَـاليّاً ؟ "



" حوالي التسعيـن ... "



" هـــذا تقريباً لِعدد أُسـرة مِـن عشرة أشخـاص تجمَّعــت في تجمُّعِهـا العـائِـلي .. أبإمكــانِهِـم الصمود أمام شِــتاء هذا العام ؟ أبإمكَـانِهِـم العيش دون أن يعولوا على صِغــارِهِـم الذين يعملـون بعيداً عـن منـازِلِهِـم ؟ "



" بالتــأكيــد يُعـانُون .... أوقــاتـاً عصيبـة . "



" بإمكـــاني رؤيــة نِهــايـة هَذِهِ الحكـاية .. لكِــن بإمكَـاننا أن نُحوِّلَهــا إلـى - حِكــاية بِلا نِهـاية - .. حــالياً , شرِكــتُـنـا تُــقدِم الخدمــات البريديَـة و تـُرسِـل دُمــى ذِكــريات-آليــة ,, لكِــن هُنـاك مشروع بدأنــا مؤخــراً عملنــا عليه .. ألا وهُــو مجــال الصِنـــاعــة .. في الوقــت الراهِـن , نَـحنُ نطلُــب ورقـات الرَسَـائِـل , الـطوابِـع و كذلِك أختــام الشمـع مِــن الشرِكــات الأُخــرى ,, لكِنَّــنـا نُخطِط أن نصنــع و أن نبيع مُنــتـجاتـُنــا الخَـاصَّـة في المُستـقبل .. سأُوظِّــف جميــع سُكــان القريــة مِـن أجــل هذا المشروع , مِـن الأطفــال إلـى الشيوخ , كُــل مَـن يستطيـع أن يُحرِّك يديه . " وَقـــفَ هودجينــز و جلــس على الأريكـة التي يجلِـــس عليها جون .



و على الرُغــم مِـن أنَّ مســافـةً تفصِــل بين الإثنين , إلا أنَّهـا كَـانت ضئيلـة ... زاد توتُــر جـون , لكِنَّـهُ كَـان إلـى حَدٍ مـا مُـرتـاح بالمُـقارنـة عِندمـا جَلس هودجيـنز أمامـه .



فَــ مِـن النَـاحيـة النفسيـة , تـكون المُحـادثـة جنباً إلـى جنـب أقـل توتُراً مِـن المُحادثـة وجهـاً إلـى وجـه ..فَـ كُلَّمـا قَــلَّل أحـد الأطراف نـظراتـه نحو الأخـر , كُلَّمـا قَـــلَّ التوتُــر بالمنوال ... لــم يَعلــم هودجينــز عـن هذِهِ الحقيقـة مِـن أي أحـد , لكِنَّـهُ تـصرَّف بِنـاءاً على خِبرتِـه .



" ما الذي أنت قلِقٌ بِــشأنِـه ؟ "



" أَهُــنــاك أي سمســار سيُـوافِــق فوراً عـلـى صفقـة تـُفيــد بأن الأرض التي ستُــشتـرى ستتحوَل إلـى ميدان معركـة ؟ "



" أرى أنَّهُ.....  لا يزال هُنـاك مُقاومـة مِـن جانِبِك ... فهِـمت , فهِــمـت , فهِمــت جَيِّداً .. بالطبـع , لـن أُرغِـمَك . " و مِـن ثــمَّ ردد الكلِمــات التي تدُل على التعَـاطُـف , و هكـذا قَــلَّلَ شُروطـه المُقدمــة مُسـبقاً , " إذا لـم يكُـن بمقدوري شِــراء قريـة ريتـورنـو , إذاً سـأشتـري الموقِـع المذكـور . سـأشتـريه على أية حـال . و قــد شرِحــتُ الأمـر مُسـبقاً . أرغــب بأن أُنهــي حــادِث الإختـِطاف الذي يحدُث حَـالياً و بِشكـل أسرع مِـن ما يفعلَـه الجيش .. و لِهــذا ,, أُريــد مكَـاناً حيــثُ سيكُـون هُنـاك إطــلاقٌ لِلنَّـار . أُريــد أن أشتـري لــيس فقط المحطَّــة إنَّمــا كَـامِــل القريـة و أن أُقـدِّم لها ذلِك المشــروع ليكُـون إكتـِفاءاً ذاتـياً لها .. فَـ كما تعلــم لازِلـت مُحتفِظاً بِمنصبي الحَـالي . " تَــالياً , شَــرَح الوضع الحَـالي بطريقــة أُخــرى و بِواجِهـــة عَــاطِفيــة , " فَـــتـاةٌ و هي بِـ مثـابـة إبنتــي بالنسـبة إلي و التي قـد وُضِعــت تحت رعَـايتـي مِـن قِــبـل أغلــى صديق لـدي , موجودة علــى مــتـن ذلِك القِطــار ... أنـــا أوَد أن أُنقِـذهـا .. لــدي إتــِصـالات مَــع جيــش لِيدِنتــشافتـليش .. و إذا مـا سألـت بِخصوص الوضـع , وَ لكِـن بالنسبة لِلحـالة الحــالية , يبدو أنَّـهُ مِـن الصعب تنفيــذ عمليـة إنــقـاذ مَــا لـم يتـوقَـف ذلِك القِطـار .. الخُــطَّـة الأفضــل هي السعـي نحـو نُــقطـة التزود بالميـاه , و مِـن ثـم تنفيـذ الهُجوم , و المُســاعـدة في فِــرار الرُكَــاب و الــشُروع في تِـلك المعركـة في ميدان المعركـة ذلِك , وَ لكِـن القُــوات العسكريـة لـن تـكون مُستـعِدةً فَـوراً بمُجرَّد إدراكها المُسبق .. و لـن يــكون الأمــر كونَـه عَونـاً مِـن بِلادِنـا , إنَّمـا هُجـوم على بُقعـة أُحتُــلَت مِن جيش الشمال .. حــوادِثٌ كـهذِه خـارِج إرادة الجـيش ,, و الوِحــدة التي بدأت تـحرُكـاتِـها هي الوِحــدة المُسـلَّحـة الهُجومـية الخـاصَّـة . "



الوِحــــدة المُســلَّحــة الهُجوميـة الخَــاصَـة تتكَــون مِـن فيـالِـق ذا مُستـوى عـالي , تُــرسَـل أينمـا كَـانت هُنـاك حوادِث كثيرة و التي لا تســتطيع الشُرطـة العسكريـة أن تتعَــامَـل معها سواء على الأراضي المَحليَّــة أو على البِحــار التي تمتلِكهـا ليدِنتــشافتـليش .. و بِمـا أنَّهـا ليدِنتـشافتـليش , و التـي كــافــحــت ضِـد الغـُزاة علـى مدى تـاريخِهـا الطويل , لطَــالَمـا كَــانت تنـجح في رفــع العُدوان عنهـا و لطالـمـا قَـامت بِبنـاء مُنشــأات عسكريـة على أراضي البُـلدان الغَـازيـة كَــ تعويــضٍ لهــا ... و خِــلال الحـرب القَـاريَّـة , سيطــرت على أراضــي المؤن أيضاً... الوِحــدة المُســلَّحـة الهُجوميـة الخَـاصـة و مِمَّـا لا ريب فيـه كـانت موجودة فـي القُـوات العسكريـة المُتـفرِعـة و تُـحافِـظ على آمــن و أمــان الجِــوار ... الوِحــدة التي ستتحرَّك فــي هذا الوقــت لَــن تـكون تِـلك مِـن الحَـامِيـة القريبـة مِـن المحطـة و التي غـادَرَهـا القِطـار بالفِعــل , إنَّمــا الفيلــق الذي كـان مِن الحَـاميـة التي تقبـع أمــامهُ بعيداً .



" و لِهــــذا السبب , أرغــب بِـشِـراء الأرض التي عليهـا نُقطــة التزود بالميــاه و التي مِـن المُتـوقَـع أن يمُـر القِطـار عبرهـا قريباً . "



إبتــلع جُــون ريقَــه و بِـقوة ,, على تِـلك الكلِمــات مِـن هودجينـز .



" ســأشتــريهـا و ســأُدمِـر المَــسَـار .. أُريــد أن أخلُــق مكَـاناً يستـطيع الجيش فيــه التحرُك بِـ حُريَّـة , و كمـا سيُـسهِـل الأمـر على الوِحدة المُسلَّحـة الهجوميـة الخـاصـة , و الذيــن سيصِـلون قبل الجميـع .. نِهــايـة هـذا الوضـع ستــأتـي سريعـاً في حـال مـا أتو , صحيح ؟ على أي حـال , أُريـــد أن أجعــل ذلِك الهــدف يتـوقَف عـن الحركـة .. و لا عــلاقـة للأمــر بـ إمكـانيـة القُـدرة على فِعــل هذا أو مِـن عدمِـه .. ســأفعلَهـا .. موظَّفتــي على متـن ذلِك القِطــار .. جُـــون أكُــنت مُـتزوِجـاً يوما ؟ لســت كذلِك ,صحيح ؟ إذاً , هــل والديــك بِـ صِحـة جيدِة ؟ أرى ذلِك ... أتســاءل في مـاذا كُــنــت ســتـُفكِـر في هذِهِ اللحظـة بالتحديد في حـال أن والديــك كـانوا على مــتـن ذلِك القِطــار المخطــوف و البنـادِق موَجَّهـة على رؤوسِهِـم ... أنــا أظُــن أن عدد القتـلى سيتـقلَّــص في حــال ســاعدتــني هُنــا و الآن .. و إلا , في حــال رفِـضـت , فإنَّ عــدد القتـلى و الذي لا يزال مجهــولاً سيتـزايــد ... بإمكَــانــك أن تكون يــا أمَّـا بطـــل أم سفَّــاح . "



" لَــ - لَـــكِـن , سنــفعــل هـذا دون تـفويض حُكومــي , صحيح ؟ "



إبتسَـــم هودجينــز , " المـــسؤوليــة لــن تقــع على عَـاتِــقِـك بعد كُــل شيئ ,, فـ أنــا هُــو صاحِــب العقــد .. إذا مــا نجَــح مـا نسـعى إليـه , فَــ أنــا مَــن سيتـصرف بــ أرضي تِـلك . "



" هـــذا .... مُستـحيل . أتـعنـي بأن لديــك فيلــق يتـبع لك أو مـا شابـه ؟ حتــى و لو و تحت أي فُـرصـة إن تمكــنــت مِـن إيقــاف ذلِك القِطـار ,,, فَــ إنِــقــاذ أُولئِــك الرُكــاب سيكون مُستــحيــلاً ..... "



هُـــودجينــز لــم يُظهِــر أي عـلامـة على الإرتـِباك أمام ذلِك الشــاب الذي إجتـاحَــهُ الخوف .. و عــلى النــقيض , وضــع يدِه على رُكــبـة الأخير و تحدَّث بــطريقـة أكثر لُطـفاً مِـن مـا مضى , " أنــا هُـو المُخــول بأن يقُــر إن كَـان ذلِك مُستـحيلاً أم لا . " و مَـع ذلِك , هَــالَــةٌ شَــرِسـة كَـانت تحيط بِه . " و أنــا لــســتُ بأحمــقاً أيضـاً .. و مِـن المُستـحــيل أن أُوصَـف بالغريــب عـن ســاحات الحرب . لســتُ فخُــوراً بِهــذا الشــأن , لكِــنني قـد إعتــدت على أن أقــود القُـوَّات في الماضي . "



رَائـحــةٌ و التي لـم يشهــد لها جُــون مثيــلاً في حيـاتِِـِه , قـد إنتـقلـــت مِـن هودجينــز إلـى حـافـة أنفِــه . و بينمــا نــظر نحو جانِبِـه , تواجهَــت عيناهُـما .. عيُــون جيلبِــرت الزرقـاء المَـائِـلة لِلرمـادي , و بُنيــتُه الجسمـانيـة الحسِنـة , كتِــفيـه العريضيـن و صدرَهُ البارِز , كان كُـل ذلِك أمام بصريـه .



" أنــا ...... و القُــوَّات القِتــاليـة الخَـاصَـة بي .... لا أود بأن أدعوهـا بِـ - قُـوَّات قِتـالية - , و لكِـن مع ذلِك ..... أعتـمِــد على القُــوة مِـن النـاس الذيـن أعـارونـي قِــواهُـم ." تِـلك اليـد التي إستـقرت على رُكبـة جــون , أمســكَـت بِــ يدِه دون مُـلاحَظتِـه .



فيمـــا يتـعلَـق بِـ هودجينـز , خِــبرتـِه - بإستـِعمـالِه لِلكلِمــات- كـانت كـافيـة لتـأسُــر الأخريـن , و حقيقـة ذلِك ما كانت لِـ تُـكـذَّب هُنـا .



" ألــســت مُجرَّد وسيـط ؟ هُنــاك شيئ وحيـد أرغــب مِنك أن تقوم بِه . "



و على أي حــال ,, قُــدرتـُه في دَس السُــم في العَــسَــل بِهـدف خِداع النَّـاس ,  لم يكُــن لها مثيــل .



" أرغــب مِنــك أن تُــقدِّم هـذِهِ الصفقـة إلـى عُمــدة القريـة .. هــذا كُـل شيئ يا جُــون . " و بينمــا ظَــلَّ جون صامِتـاً , وضــع هودجينــز يداً أُخـرى على رُكبتـِه . "  أُريــد أن أرى .... عــطفـك الإنســاني . "



--- أنــــا أسِـف , أيُّهــا الشــاب ذا القــلــب الجميـل .



و قبــل خُطــوة مِـن تحرِكتـِـه لـ قِطعـة الشطرنــج القادِمـة ,, أصــاب هودجينـز وجعـاً في ضميرِه .



--- أنـا أسِـف لِـ جرِّك لِـ وضعٍ كهــذا .. لكِــن هُنــاك شخـص يرغـب بأن يُحـوِّل ذلِك المكــان إلـى ساحـة معركـة .



حركـــة - مَـات الشـاه - الموجَّهـة نحو جُـون ويشاو كـانت مصحـوبـة بإبتِســامة . " إذا , هــل ستـُصبِـح أحــد المُنــقذين ؟ إذا لــم تكُـن قَــادِراً على فِعــلِهــا , فلـن أُمـانع إن كُنـت أنا بِـ نفسي سأتواصـل مـع تِلك القريـة .. أنت المُدير و أنا التـاجِـر .. إثنينُـنـا ماهِـران في الحديث , و لكِـن إن كُــنـتُ أنـا , فـ بإمكــاني أن أتفِـق مـع العميــل في خمســة دقائِـق .. ســُاريك مهاراتـي . "





______________________________________________________





فـــوق الأسطُــر علـى ذلِك لِعقـد لتِـلك الأرض المُـأجَّرَة و المكتـوبة على الشهــادة , إســم المَـالِك الجديد - كلــوديـا هودجينـز - مطبـوع عليه . و عِـنـد الإنتِـهاء مِـن الإجـراءات الوثائِقـية بالإدلاء ,, قَـام هودجينـز بالتربيت على كتِـف جون بِـ وِّدٍ بينمـا كـان الأخيـر تـعتريه الحيرة و الكـآبـة مُتـسائِـلاً مـا إذا ما قـاما بِهِ هُـو بالـ شيئٌ الـشنيـع .. و مِـن ثُـم إتـصـل هودجينـز بِـ شرِكتـِه سي إتـش لِلخدمـات البريديـة بـعد أن سُمِـح لَهُ بإستِـعارة الهـاتِـف .



لــم يكُــونـا جيلبِــرت و هـودجينـز الوحيدان القلِقـان بمُجريـات الوضع الحَـالي ,, فَـ بعد رنَّـة واحِـدة مِـن الطرف الأخــر ,, أجــابت لــوكس على الفـور .



" صغــيرتي لـوكس.. هــل الجميـع يتـحرَّك وِفقـاً لتِعليمـاتي ؟ "



" لــقد تـمَّ إرســالَــهُـم جميعـاً .. إذا أعطيــت تصريحـاً يا رئيس , بإمكـاني أن أتصِــل بِهِـم و أن يبدأو شـأنَهُـم الآن و فـوراً . بالرُغـم , مِـن أنَّ أغلبَهُـم سِعــاة بريـد ... "



" الأمــر مُنــاسِـب بِمـا أنَّـكِ جمَّعـــتي الأقــوى بِـين الرِجــال .. أن يكُــون لديــك سكرتـيرة نشيطـة و تـُنجِـز الأعمـال على وجـه سُــرعـة , لــ هُـو أفضــــلُ الأشيــاء ...... ! "



" هــل بــدأت الخُطــَّـة ؟ "



" الأراضي الفقيــرة تُــشتـرى عادةً في الغالِب .. و شِــرائُــها أسهــل مِـن إغــواء فتــاة مـا .. الأكــثر أهميَّـة , المحطَّــة التي أنـا على وشـك ذِكـر إسمِــها ,, قــريــة ريتــورنتــو .... أخــبري الجميـع بأن يُدمِّــروهـا بأي وسيلـة مُمكِنـة .. لــقــد تواصلنــا مع سُكـان القريـة مُســبقـاً ,, و على أيـة حـال , يجِــب أن تـكون حـالـة المحطَّـة واضِحــة مِـن غُــرفـة المُحرِك و أن القِطــار لـن يستـطيع المرور عبرهـا ... و لا تــنسي أن تُخبريهِــم أن يرتـدوا قِمــاشاً أحمـراً حتـى يتميــزوا عـن الأعــداء .. أخبريهِــم أيضاً أن يُطلِقــوا قُنبـلة دُخـان تـدُل على أن الخُطَّـة قـد نُفِّــذت . "



" قــد يكُـون الآوان قـد فـات لِـهذا , لكِـن .. هــمم , و لـو كـان هـذا في سبيـل عمليـة الإنـقـاذ ..... ألـن يغضـب مِنَّـا ذوي النفـوذ لِهذِهِ البِلاد أو مـا شابـه .... ؟ "



" هــذا صحيح . حتـى و لو كـانت مِلكيَّـتي الخَـاصـة , سينــزعِـج البعض لِذلِك , فَـ بعد كُــل شيئ شرِكَـةٌ خَـاصَـة - شَرِكـة بريد - ستتخِــذ أفعــالاً مِـن شأنِـها أن تـضُــر كثيراً في الأنشِــطة الإقتـِصاديـة لإدارة الدولة .  "



" و هــل الأمـر على ما يُــرام بالنسبـة لك ؟ "



" مــا سنفعلُــه هُـو تدمير السِكَــة الحديديَّـة و أن نحمـي النَّـاس الذيـن سيهـرِبون مِـن القِطـار حـالمـا يتـوقـف فجـأةً . و لـن نتـدخـل في شـأن العسكريـة .... طَــالَمــا لـم يُحدِث الشبـاب مشـاكِـل هُنـا .. أجـل .. على الأرجـح . لكِـن إن فعلـوا ذلِك , فَـ الصُــراخ على وجوهِـهِـم هـو مِـن شأن وظيفتـي . لـــدي مـعرِفـة مِـن شرِكـة الصُحُــف الأخبـارية . إذا ســارت الأُمــور على مـا يُـرام و أنحلَّــت هَـذِهِ الحـادِثـة , سـأطلُـب مِنهُـم أن يكتِــبوا مـقـالاً لنـا و مِـن شـأنِـه أن يُـصعِّــب وضع اللَّوم علينـا . الجميــع سينــجوا , لكِـن المُنــظمَـات الكبيــرة ضعِيفــة أمام الرأي العـام و الذي ينـضم إلــيه إرادة الجيش , كمـا أنَّ هُنـاك أشياء يُمكِــن أن تُــستعمـل ضِدَّنـا , و لِهــذا سـأقوم بــشيئ حيـال هذا .. و لــن أسمــح لأي شخـص أن يقوم بـ شيئ مِـن شـأنِـه أن يجعلَـــكِ مرميَّـة في الشـوارِع , لِـذا لا تـقلقي و كونـي هَـادِئَـة ... على أية حـال , فقـط أخبــري الجميـع أنَّـهُ بِمجُرَّد أن تتوقــف القـاطِــرة , يجِــب أن يضعـوا تركيـزهُـم على إنـقـاذ الرُكَّــاب , و أخبريهِــم أن يهرُبـوا في حـال ســاءت الأمـور و أصبحـت خطيرة ... هــذا كُــل شيئ .... أنــا على وشك أن أصِـل إلـى هُــنــاك على متــن طَـائِـرة صقـر الليل و التي أعَدَّهــا صديقي مِـن أجـلي . "



" رئــيس هُــودجينــز . "



" مـا الخطب يا لـوكس الصغيرة ؟ "



" أرغــب بالذهـاب أنا أيضاً . "



" هــذا مُستـحيـل .. أوَد شخــصـاً يتـولـى أمر المكتــب بَدلاً عــنِّـي .. أنـا أثِـق و أعتـمِــد عليك . "



" فَـــيُوليــت كــانت صديقتــي الأُولــى ! أنا .... قــد أكـون غير قـادِرة على فِعـل أي شيئ , لكـن ... أوَد أن أذهـب و أُسَـاعِدُهـا حتـى و لو لـم أقُــم بِـ شيئ ! " قــالــت لوكــس هـذا بِــ صوتٍ بــاكٍ



" صغــيرتي لـوكس , لـيس الأمــر  و كــأن لا شيئ بِـ مقدورَكِ فِعلـه . إذا كـان هذا صحيحاً لمــا تركتُ الشرِكـة تحت رعايتـِك .. مـا يُمكنك فِعلـه الآن هُـو أن تـجعليـني فَـارِغـاً مِـن أمور الشرِكـة . هُنــاك العديد مِـن الأشغـال و أنـا غير موجود . و هـذا مُرتبِط بِـ مُسـاعدَتِـك لِـ صغيــرتي فَيُوليت .. سـأُنقِــذهـا بِلا أدنـى شك و سـأعـود , لِـذلِك كُـوني في إنتِــظاري . "



" حــقــاً ... ؟ "



" حَــقاً . أنــا دائِمـاً مـا أُســبِّب لكِ المتـاعِــب , لكِـن ثِــقي فِي . "



" أنــا أفعـل , حـقاً أفعـل , لِــذا أســرِع بالعـودة ...و بأســرع وقـتٍ مُمكِـن ... أعــني و مـعك الجميع . "



" ســأعُــود إليــك .. يــا مَــن يحمــي محــل عمـلي ريثـما أعود . "





______________________________________________________



الســاعـة الثـامِنـة مســاءاً - الــوقــت الـذي يصِــل فيه اليوم إلـى خِــتـامِـه و يعــود النَّـاس إلـى منَـازِلِهــم .. و فــي بــلدَةٍ مُعيـَّنـة لِـ بلدٍ مُعيَّـن , كَــاتـِليـا بُـودَليــر كـانت تُـجري نِــقاشـاً مـع سَــائِـق العربـة العَـامَّـة .. يبــدو أنَّ مصــابيح الشارِع قـد أظهــرت عَـلامَــات القلق الصادِق على مُحيــاهـا ..



" العــربة قـــد إمتــلأت تماماً لِهذا اليوم , لِـذا لا يُمكنني أن أضعــكِ بالدَّاخِـل . " الســائِــق أوضــح الحَـالة بِكـل نزاهـة .



" تماماً كمــا قُــلتُ لك ,, أنـا أتوسَّـــل إليــك ! "



أنـــف و خدود كــاتـِليا كـانت بالكَـامِـل حمراء .. تمــاماً كــانت كَـ العـوامِـل النَـاتِجة عـن البــرد القَـارِس أو خوض شِجـار ,, لكِــن كَــاتِـليا كَــانت مُحمرَّة بِالكَـامِـل حتــى عينيهـا بِســـبب كبحِــهــا للِرغبـة في البُكــاء .



" أنت تــعلــم الأمـر , ذلِــك القِطــار القَــاري قـد خُــطِف , صحيح !؟  يجِــب .... أن أذهب إلى هُنـاك!  زميــ .... زميلتــي التي هـي ..... صديــقـ .... تــي هي .... أنــا .. أنـا ... يجِــب أن أعلــم حَــالَـها , و هكذا ,, هكذا .... "



كَــاتِـليا و مِــن بعـد معرِفتـها عـن تِـلك الظروف التـي قـد طرأت , قــد غــادرت على عُــجـالة سريعـة مِـن بعد إنِــهائِـها لِلعمـل .. قــامت بالفِعـل بالمرور عـبر مُنشــأات النـقـل لِـ مدنيتــين .. و بينمـا فعلت ذلِك , قـد إتــصلـت بِـ شركـة سي إتـش لِلخدمــات البريديَـة و كـانت بالفعـل قريبـة مِـن قريـة منجـم الفحــم و الذي أرشــدهــا هودجينــز أن تذهب إليهـا .. و العربــة الأخيــرة و المتـوجِهـة لِلقريـة كـانت على وشك المُغـادرة .



" لا تـقولي أشيــاءاً أنانيـة كهَذِهِ يا سيـدتي الشـابــة ! فقــط إذهـبي بعيداً .. العَــالَــم لا يدور حولَكِ . أنتِ تـُسببين المشـاكِـل لِلزبـائِـن الذيـن أكملـوا الإجـراءات اللَّازِمـة . "



" كُــنــت لأقـوم بتِـلك الإجــراءات لـو كُــنتُ أستــطيع ! لكِـن فيُــوليــت قـد تموت ! أنـا ..... أنا .... يجِـب عليَّ أن أذهـب و أن أُسـاعِـدهـا ! تِـلك الفتــاة .... قويَّـة بِـحق , لكِــن بِمـا أنَّ الأُمـور وصلَـت إلـى هذا الحـال , فَــأنا لا أعلــم حتـى إن كـانت بِخــير! إذا مــاتت ,,, فـ إذاً ...... لِهـذا السبب أرغــب بِالذهـاب ! , رجــــاءاً , يُمكننــي حتَّـى التشبُــت بالسـقف , لِذا دعنــي أصعـد !"



السَــائِــق لَــم يجِـد الكلِمــات المُناسِـبة عِـنـد رؤيتُـه لِـ كـاتـِليا تذرُف الدُمــوع في حُــزنِهـا . " كُــــنـتُ لأفعــل لـو كـان بإمكـاني .... " نــظر نحـو داخِــل العربـة .. النــاس بالدَّاخِــل كـانوا يرمِقُـونَـه بِـ نظرات ساخِــطة , و مُخبريـن إيَّـاه أن يُســرِع و يُغـادِر .. و مــع ذلِك , رَجُــلٌ واحِــد كـان الوحيـد الذي لـم يُــرمِـق بِـهكذا نـظرات .



أبـواب العربـة و التي كـانت مُغلـقة ,, قـد فُتِحــت .. و مِـن داخِـلِــها رَجُــلٌ بِـ شعرٍ قَــاتـم و بِـ هـالـة وديعـة تُبعــث مِـنه . " مَــهلاً , ســأنــزِل .. دعهــا تـأخُــذ مكــاني . " كَــانت لديـه نبرة صــوت مُميَّـزة .



" سيـــدي ... لكِـن .... أنت . . . "



" لا أُمــانِـع , سـأبقـى في هـذِهِ البلــدة ليلَةً أُخـرى إضــافيـة .. أبِإمكــانِــك أن تُـجهِـز أبكــر عربــة صباح الغــد مِـن أجـلي ؟ " أظهــر الرَجُــل إبتـِسـامَـةً وديعـة على مُحيـاه .



تـــأثَّــر السَــائِـق جِــداً بِــشدِّة لُــطف ذلِك الرجُـل .. أُولئِــك الذيـن يعملُــون بِمجـال الخدمـات كـانوا على الأرجح ليُـقابِلـوا عُمـلاء يصنـعون المتـاعِـب .. كــانت هـذِهِ المرة الأُولـى في حيـاة السائِـق الطويلـة في عمـل السِواقـة أن يــرى شخــصاً بِمـثل هَـذِهِ الرحمـة . .. كمــا أنَّ قَــلبُـه قـد إرتـاح على مِـن مـا سمـِعُـه مِـن كَـاتِـليا أيضاً .



" يا سيــدتي الشــابَّـة ! عليــكِ أن تكونــي مُمتـنَّـة لِــهذا الشخـص اللطيـف ...الشـابَّات هذِهِ الأيَّـام.... سيدي , سـأُنزِل حقائِـبَك .. سيـدتي الشـابـة أعطِنـي أمتِعَـتَكِ . "



" إ - إيــه ؟ "



" شَخــصٌ أراد أن ينــزُل لكي تـأخُــذي مكـانه . و حتـى تتمكــني مِـن الصعـود و تـري صديقَـتَكِ التي على وشك الموت . يجِب أن تكوني شـاكِرة ..... "



" جِدِّيـــــــاً ........ ؟ شُــ - شُــــكراً لَـك , شُـــكـراً جَــزيـلاً لــك ! "



" الشــخص الذي يجِــب أن تشكُــريـه هُـو ذلِك الشَــاب . " قــال السـائِـق هذا بينمـا أخـذ أمتِعَتِـها .



بينمـــا لا تـزال غير مُــصدِّقَـــة لِذلِك الحــظ الذي نـزل على رأسِهـا فجــأةً , قَــابــلت ذلِك الرجُـل و أنحنــت لهُ في إمتِـنــان . " شُــ - شُــكراً ! شُكـــراً بِــحق ! سَــأدفَــع تكَـاليف بقائِــك ; شُكــراً بِـ حق ! "



أطــلق ذلِك الرجُـل ضحِكـاتِـه على وضعيـة كَـاتـليا و مدَّ يَدَهُ نحوهَـا .. مَــسَــح بِحـواف أصابِعـه قَــطرات دُموعِهـا و التي إرتحلـت إلـى أسفـل خَدّيهـا .. تصرٌّف ذلِك الرجُــل كـان بريئاً لِلغـاية فـ لِذلِك كـاتـليا لـم تتصرَّف بِشكـل سلبي .. و بِـ الأحـرى , تـقبَّــلـت مِنــه شُعـوراً بالطيبـة و العَـاطِفـة و كـان تقريبــاً كــ ذلِك الشُعــور الذي يبعَـثَـهُ هودجينــز نحوهَــا .



" هــ - هـــممم .. مم ..  "



" لا أُمــانِــع هذا يا سيــدَتي الشـابة . "



عُـــيُــون ذلِك الرجُــل كـانت تمتـلِك و بطريقـة مـا قــوة جــذَّابـة .. و الشـــامـة تحت عينـه بلــون اللَّوز كَــانت سَـاحِـرة .



" لــقد قُــــلـتِ - فَــيُوليـت - , صحيح ؟ فَــيُوليـت إيفــرجارديــن ؟ "



" أجـــل , أأنت .... هــممم , أتعرِفُهــا ؟ "



" هـذا صحيح . لــقد كتــبت لـي رِسـالة مِـن أجــلي مرَّةً . لِـذا أعتـقِـد ..... " و بعــد أن صمِــت لِـفترة وجيــزة و كــأنَّـهُ إستـغلَّهـا في التفكير , تَــحدَّث بِـ دلالات ذات معـنى كبير , "هـمم , بإمكــانِك أن تقولــي .... أنَّ عَــلاقـَةً عميقـة تجمعَنـا و التي لا نستطيـع أن نكشِفهـا لِلـ نـَـاس . كمـا أننــا أصـدِقـاء قُـدامــى . كُــــنــتُ أرغــب بأن أزورَهــا لِلحظـة , لكِــن يبـدو أنَّ ليدِنتــشافتــليش تتدخَّــل في الأشيـاء التي مِن شـأنِـها إيـقـاد النيران . ســأتـي و أزورَهــا بعـد مُضـي بعض الوقت . أُيُمكِـنَـكِ أن تُــرسِـلي إليهـا تحيَّـاتي ؟ " وَاضِعــاً عَــباءةً سـوداء على جَــسَـدِه , ذهــب ذلِك الرجُــل و كـأنَّــهُ يُمــزَج بِظُلمــة اللَّيـل .



" مــ - مــا هُــو إسمُــك !؟ سـأُخبِرُهــا ... بإسمِــك ! "



و بينمــا قَــالت كَــاتــليا ذلِك , إلتــف ذلِك الرجُــل لِـ نحوِهـا و ضحِك .. بشــرتـهُ الشـاحِـبة جعلتـهُ يبدو كَـ الشبـح وسـط ذلِك الطريق المُظلِـم .



" إدوارد جُـــــونـــز . " لَــوَّح الرجُـــل بِـ يدِه , و رَدَّت كَــاتـليا بِـ تلويحهِـا إلـيه بإبتِســامة شاسِـعـة .



حقيقـــة ذلِك الرجُــل كَـان  هــارِبـاً مِـن إعــدامِــه , كــانت إحـدى الأمـور التـي كـانت تـحصُــل في تـِلك الليلـة و التي يجهلـها الجميع .





______________________________________________________





أيضـاً عِـند السـاعـة الثامِنـة , جيــلبِــرت بــوغــانفِليـا كَـان ينــظُــر نحو الأرض عِندمــا أخـرج بِـ جسدِه خـارِج هيكَـل صقــر اللَّيـل .. كـان مظهــراً مِـن شـأنِـه أن يجعــل الشخص يُــصاب بالدُوار .. لــقد كــانوا مُحلِّقيــن على إرتِـفـاع عــالٍ للغـاية , حتـى لا يُــرصَـدوا مِـن قِبل العدو .



" عــثــرتُ عليه ; إنَّه في إتِجــاه الشمــال-غربي . "



" حَســنـاً يا سيـادة العقيــد بُــوغــانفِــليا ,, عُلــــــِــم . "



نحــو إتِـجاه الشمــال-غربي , جِـســمٌ ذا وهــج يــتـقدَّم نحــو الأرض شديدة الظــلام بيــن تِــلك الفُسحــات بين السُحُــب .. لــقد كــان القِطــار القَــاري و المدعُـو بِـ - فيـم فيتـال - .



" هُنـــا الوِحــدة 1 .. لــقــد عثــرنــا على فيــم فيتـال . سنــشرُع بالهبـوط . "



و بــإشــارةٍ مِـن جِهـاز الراديـو الخـاص بالطيَّــار , مجمــوع طَـائِـرات صـقـر اللَّيـل السبعـة توجَّهــت نحو الأرض و في آنٍ واحِـد . خِــلال العمليـة , رأوا إشــارةً نــاريـة تتصاعـد نحو السمـاء و خَـرَجـت مِـن بين الجِبـال التي يتقدَّم نحوهـا القِطــار .



" هــذِهِ القُنــبُـلة الدُخَــانيـة التي أُطلِقــت مِـن نُقطـة التزود بالميـاه و التي تحدَّث عنهـا العقيـد . "



" إنتــقِــل إلــى الإستـراتيجيــة رقــم ثلاثــة .. الوِحــدة 5 ستـتـراجـع . و أنــضَــم إلى الوِحــدة المُسلَّحـة الهُجوميَّـة الخــاصـة و التـي في إنتِـظار وصُــول القِطــار , و بلِّغ عــن الحَــالة .. أخبِرهُــم بأنَّ الهَــدَف و لِحُــســن الحـظ قـد توقَّـف نتيجــة لحريق مُفـاجِـئ في الغــابـة أو شيئ مِـن هذا القبيل .. و على الترتيب , و مِـن بعــد الوِحدة 1 , سينــزِل نِــصف أفـراد الوحدات الهجوميـة على أرض المعركــة .. .. و سنُـسيطِــر على القَـاطِـرة 1 و 2 و كذلِك 3 و التي هــي المسـؤولـة عـن حركـة القِطـار ذا الثلاثـة عشر عربـة ... تَــصَــرَّفُـوا مِـن بعـد التوقُــف العَـاجِــل . و تبعـاً لِنـزول النِــصف الأوَّل مِـن القُـوَّات الهجوميـة , و النِــصف الثـاني سيدعَــم و سيــبدأ هُجومـاً مُفــاجِـئاً مِـن الجوانِــب مِـن بعد الهبوط ... هُنــاك مدنيين يُسَـاعِدون في حِــمـاية الرُكَّــاب . أيــاً مـن كـان يرتــدي قِــماشاً أحمــراً على ذِراعيهِــم هُــم مُســانِدين لنا .. لا تــقوموا بمُهـاجمتِـهِـم عـن طريق الخـطأ .. إذاً , حَــسنــاً , جميعُــكُــم , إسمَــعُــوا ... نتــائِــج هَــذِهِ الإستـراتـيجيـة مِـن شـأنِــها أن تُحدِّد مـا إذا ستـستمِــر هَـذِهِ الوِحدة في تواجُدِهـا أم لا .. إذا كــان أنتـُـم يا رِجــال , فمِــن الأرجـح ستُـحسِنـُـون صنيعَكُــم متــى و أينمـا ذهِبتُــم ,, لكِــن أُريدَكُــم أن تكُــونوا على مــرأى عينـي لِــفترة أطول قليلاً . "



الطَــيَّـار الخَــاص بالوِحدة 1 ضحِــك ضِحكــة خفيفــة ,, هــذا ﻷن جيلبِــرت قــد قــال شيئاً لـم يكُــن يُنــاسِــب شخصيَّتـه .



" سَــــأدعو لِـ نجــاحِنــا ... حَــسنــاً ,, النِــصف الأوَّل , إستـعِدوا لِلهبُــوط . "



بِــ مجموعٍ مِــن سِـــتة وحدات - بإستِـثنـاء الوِحدة الخَـامِسـة و التي تراجعـت - و بِطــاقم يضُــم إثنــى عشــر شخـصاً , فيلـــق جيلبِــرت , الوِحــدة الهُجوميــة الخَـاصَّـة لـ ليدِنتــشافتـليش كـانت مِـن بين ذلِك التشكيــل و إستعــدت لتـحدَّي ذلِك القِطــار القَــاري المخطوف ... أوَّلاً , السِــتة أشخــاص في مقَـاعِدِهـم الخلفيـة سينـزِلُـون عــلــى سطـح القِطـار و يبدأون عمليـة إســتِـعادة السيطـرة على قَـــاطِـرات القِطــار , 1, 2 و 3 و التي تشتـغِـل مُتـَصِـلة , سيُــسيطِــر عليهــا بواسِطـة شخصيـن .. مقسُـوميـن بيـن أُولئِــك مــن سيدخِــلون بداخِلِهـا و أُولئِـك على خـارِجِهـا و هكــذا يبدأون معركَتِــهِــم ضِـدَّ الخَـاطِفيـن .. تــالياً ,,السِــتــة طيَّــارون سيهبِــطون بالقُــرب مِـن المكـان المُحــدَّد و الذي سيتـوقَــف فيـه القِطـار لاحِـقاً ... كــانت خُطَّــة تسمــح لهُـم بأن يُغطُّــوا أُولئِــك السِــتـة الذيــن سيقتـحِمـون القِطـار و سيحمُــون الرُكَـاب مِـن الخـارِج .



جيلبِــرت و الذي يقُــود أعــضاء الوِحـدة الهُجوميـة الخـاصة و التي كـانت تَضُــم عَدَداً قليلاً مِـن الأشخـاص المُنتـقين , لــم تكُــن تتصرَّف كـ باقي الفِـرق الهجوميـة التابِعـة للجيش و التي تتبــع نمط القيـادة التقليــدي , لكِــن كـانت تـضُـم أفــراداً عـاديين و الذيــن يُهـاجِمُـون في معركـة موَجَّهـة مِـن بعـد جعلِهِــم إعــلامِهِـم بـ تعليمــات الخِطط المُحكمـة .. و لـو كـان ينقُــص عَدَهُـم بـ شخص واحِـد , شخــصٌ أخـر سيُّعَـوِّض في تحقيق عمليتِهِـم .



إلـــى جَــانِــب أفــراد المجموعـة الأُولــى , قفــز جيلبِــرت مِـن طائِـرة صقر اللَّيـل مُندفِعـاً لِلأمام و وضعاً لِـ قدميـه على القِطــار المُتـسارِع .. فَــ الطَـائِـرات ذات الإرتِفـاع الُمنخفِــض لا تــستطيع الإستِـمرار طويلاً بوضعِها هذا .. راهــن على تِـلك اللحظـة , و مِـن ثـم قفـز و مِـن بعـد إمـساكِـه بِـحزم للِهيــكــل , قــام بتعديــل وضعيتِه على القِطـار  .



و مِـن الواضِــح , أنَّ النَـاس داخِـل القِطـار سينتــبِهُــون بأن أصواتاً لمُحرَّكــات طــائِـرة كــانت فوق رؤوسِــهِــم , و بينمـا خــرج أحـد الخَـاطِفيـن مِـن القـاطِـرة 1 .. جيلبِــرت مدَّ ذِراعَــهُ الإصطنــاعيـة اليُــسرى نحوَهُ و ضربَــهُ على وجهِه , و بينمـا إرتــد جســد الرجُـل بِسبب الضربـة , قــام بِــجِذعِــه بِــسحب مؤخــرة عُنــق ذلِك الرجُـل و أخـرج نِــصف جسدِه مِـن النـافِـذة ... و عــلى الرُغــم مـِـن أنَّ الخـاطِف مِـن القـاطِرة 2 المُجـاوِرة أطلـق الرصاص بِــسِلاحِــه نحـو جيلبِــرت , إنتـهى الأمـر بِه أن يُــصيـب الرجُــل الغير محظوظ و الذي كـان نِــصف جَـسَدِه بالخـارِج .



" يا عقيـــــد , ســأكُون في المُقدِمـة . "



أحــد أعــضاء فيلــق جيلبِــرت , و الذي قَــفِــز و هبِط على القِطـار مِن بعده , إلتــف بِـجسدِه و ركــل أحـد الخَـاطِفيـن مِـن القَـاطِـرة 2 و الذي كـان يُوجِـه بِـسِلاحِــه نحو جيلبِـرت , و مِــن ثُــم دخــل نحو داخِــل القِطــار ... رَمــى جيلبِــرت الرجُـل الذي كـان يــنزُف بِـ دماءِه خـارِج القِطـار و مِـن ثُـم تســلَّل نحـو الداخِــل هُـو أيضاً ..



" رجــاءاً ساعــدني ! لا تــقتـُلـني ! إذا مُــت , الــقـَاطِــرة و الرُكَّــاب سيموتون أيضاً !" الشــخص الذي كــان يصرُخ بــاكيـاً و مُتــوسِـلاً للإبـقاء على حيـاتِـه , كـان المِسكــين , صمــوئيــل لابُــوف .



مُــــســاعِدَهُ كــان مَيِّــتـاً .. و مُــساعِــد مُهنــدِس شـاب و الذي كـان بديلاً عنـه , كــانت هيئَــتـُه شاحِــبـة في مُــحاولتِـه لِعــدم الدوس على تِـلك الجُثَّـة ,, لــم يكُــن هُنـاك أية عـلامــات على الخَـاطِفيـن الأخريـن .



" رجــــاءاً إطمــأِن . أنــا العقيــد جيلبِــرت بــوغَـانفِليــا مِـن جيش ليدِنتــشافتــليش .. نحــن الآن في خضــم عمليــة لإنِــقـاذ رُكَــاب هـذا القِطـار . "



" حــ - حـــليف ؟ شــخصٌ مِـن العسكريــة ؟ " لَــرُبَمـا كـان يتخيـل و يتـجهَّـز للِـ سيناريهُـو الأسـوء ,, ذلِك الرجُــل أذرف الدُموع بِعـلامــات تدُل على الراحــة ..



قَــام جيلبِــرت بالتربيت بِلُطـف على كتِـف الرجُــل . " لــقــد كُنــت شُجـاعاً تماماً .. كــان يُمكِـن أن يكون وضعـاً أكثر سُــوءاً إن لـم تـكُـن قـد مالكــت نفسَـك . أنت تستحِق ميداليـة . "



الصِـــدق الموجود في سِمــات جيلبِــرت و الهــالــة التي كــانت تُحيط بِهِ كانت تبعـث بِـ تلطُف مُختلِفـ عـن الخـاص بِـ هودجينـز .. الجميـــع ستتغلَّــب عليه المشــاعِـر إن قيـل لهُــم كــهكذا كـلام بِـواسِـطة جُــندي وسيـم و الذي يمُــد لهــم يداه خِــلال هكذا وقــت حرِج .. مُــتــأثِـراً لِلغــاية , بدأ صُــموئيـل يرتــجِف .



" مُهنــــدِس , مــا هُــو إسمُك ؟ "



" صــ-صــموئيـل , يـا سيادة العقيد . "



" سيــد صمــوئيـل .. و بِمــا أنَّــك بَطــل ليدِنتــشافتـليش , هُنــالك معروفٌ أوَد أن أطلُــبَــهُ مِنــك .. مــا هي نُقطــة التزود بالميـاه القادِمــة ؟ "



" إنــها ريتــورنـــو . "



" هُنــاك مُحــارِبُون يتــبعـون إلينـا هُنــاك .. ستـكون هُنــاك إشــارة كبيرة مِنهُـم , لِـذا و رجاءاً قُــم بِــتوقُــفٍ عَــاجِـل قبــل أن تدخُــل إلـى مجـال المحطـة . "



" أقُــلــت , - إ-إشـارة- ؟ "



" ستــعلمَهــا عِـندمـا تراها .. و بعــد التــوقُــف , رجاءاً إخــلِ المكــان هُنـا و أجري نــحو القريــة . "



نَــــظَــر صمـــوئيــل و مُســاعِده نحو بعضِهِـمـا .



" لكِــن ,, الرُكَّــاب ,,,,و أيضاً ,,,, و زميــلي الأخـر .... " مِــن ثُـم نظــر نحــو الأسفــل , نحــو جســد زميلِــه , السابِـق .



" حتــــى و لو لــم ينجــوا , أُريــد أن أُســلِّــم أجســادَهُـم إلــى ذويهِــم . " إثنينَهُــما قــال ذلِك في نفس اللحظـة .



" سيكُــون كُــل شيئ على خير ما يُـرام .. وِحدةٌ أُخــرى مِـن الجيش يِــجِب أن تصل في أية لحظـة بجانِبِنـا .. بمِــجُرد أن ينتـهي كُــل شيئ , الأشخــاص الذين قـد مـاتوا و أثنينَكُـمـا سيعُودون إلــى بِـلادِنــا .. و مــع ذلِك , أُريــد مِـن أُولئِـك الذيـن لا يزالـون يُحرِّكُـون جوارِحَهُــم أن يُخلـو مِـن هُنـا مِـن تِلقاء أنفُسِهِـم .. الأشخــاص الذيــن يحمِلـُون قِمــاشاً أحمــراً حول ذِراعيـهِـم هُــم المُشــرفيـن على عمليـة الإخـلاء .. لِـذا رجاءاً سيـروا وِفقاً لِتعليماتِـهِــم . "



لَــرُبمــا بِسبب شعُــورِه أخيراً بالإرتـيـاح , أطلـق صــموئيــل تنهيــدةً كبيرة .. و مـع ذلِك ,, أصوات لطِلقات نــاريـة يُمكِـن أن تُسمــع مِن مكــان مـا ,, و كـأن ذلِك الدوي مِـن شـأنِـه أن ينــزع ذلِك الإرتـياح .



--- أهُنــاك شخــصٌ .... في خِضــام قِتـال ؟



أمـــر جيلبِــرت أتـباعِـه , أن يختـلِطـوا في الفوضى التي سيُـحدِثُهـا التوقُـــف الطَـارِئ و أن يسحقــوا الأعــداء مِـن بعد رميهِــم لِلقنــابِـل الدُخَـانيـة داخِــل العربـات ... لــو كــان هُنـاك هُجومـاً داخِــل القَـاطِـرة 3 فَـسيُخلِّـف ذلِك عقبــة كبيرة على مُنــوال الخِطَّـة .. في الوقت الراهِـن , عــدد الأشخــاص مِـن الذيـن قـد قدِمُـوا كـان سِتـة , و المُختــارون شخصيـاً مِـن فيلــق النُخبـة ,, كُــل واحِـد مِنهُـم كـانت لهُ قُــوَّة عشــرة جُنـود عَـاديين .



" طِبقــاً لِلصــوت الصـادِر ... أعتـقِــد .... أنَّــهُ قَـادِمٌ مِن الخَـارِج . "



عِــندما أخبره صــموئيــل بذلِك , حــاول جيلبِــرت أن يُخــرِج رأسـه مِـن النـافِـذة .. لكِـن رأســه قــد ضُــرِب بِواسِـطـة أفرُع شجرة .



" قبــل وقتٍ مضى , سمِعــت شيئاً في الخـارِج .. إلـى جَـانِـب قـد سمِعــت صيحــات . لقــد ..... كَــان يُشـاد بي مـنذُ صِغــري على قوة سمعي ,, لِـذا حتــى و لو مِـن هـذا البُعــد , أسمــع لعنــات يُطلِقها بعض الأشخــاص . "



" يجِــب أن تكون أكثر فخــراً بِـنفسِك . إذا كـان مـا تقولَهُ صحيحاً, فـ يجِــب علينـا أن نُنـاصِـر أيـاً كـان مـن لـم يكُـن مِـن جـانب الأعـداء .. أسِــف , يجِــب أن أعــود إلــى أعلى,, مُن جديد , لا تنســى مُهِمَـتك . "



عــلى تِـلك الكلِمــات مِـن جيلبِــرت , أومـــأ صمــوئيـل و أبتسـم إبتِسـامـة دلَّــت على السرور و التوتُر .



فـــي حيــن عرقــلــة الهواء التي تُواجِهُه , صعِــد جيلبِــرت على سطــح ذلِك القِطــار مِـن جديد .. الأرض التـي أُنشـأت عليها السِكَـة الحديدية كــانت في الأغلب ذات حُــقُــول أزهــار في المـاضي .. و على الرُغــم مِـن أنَّهـا تُداس عليهـا , بتـلات الأزهــار التي لازالت مُتمسِكـة بحيـاتِـها إنتــشرت مـع الريـاح المُعاكِسـة لإتِـجاه القِطـار ... وســط ذلِك العــالــم المُكتــسي بالظـلام الدامِــس , إنتــشرت بِـ خِضامِـه ألوانٌ كـ الأبيض , و الأزرق و كذلِك الأصفــر و الأحمــر و البُرتـُقالــي , لازالـــت لــم تتـأثر بِـ قسوة الخريف ... و عــلى الرُغــم مِـن كونِهــا ستتحوَّل في نِهـاية المطـاف إلـى رمـاد , إلا أنَّـهـا زيَّنــة هذا العـالـم حتـى عُمُرِهـا الأخير .. بعيــداً عـن ذلِك الطيف مِـن الألــوان , وجــد جيلبِــرت مـن كـان يبحث عنـه .



" سيـادة العقيـد , أيتــطلَّــب الوضع تــعزيزات !؟ " و نـــزلــت الوِحــدة الـسَـادِســة بعد الآخريـن ,, و الفـرد الثـاني المُرافِـق لِجيلبِـرت قـد نزل علـى فجـأة .



أوقَفَــهُ جيلبِــرت بيدِه . " إدريـــس , يبــدو أنَّ مدنيــاً يخــوض قِتـالاً ضِــد الخـاطفيـن .... يجِــب أن كُنــا قد لاحظنــا ذلِك مُبكِـراً . "



" لــقــد كُنــا مُتحمسيــن بِـ هُبوطِنــا أثناء الأمـر بالنزول بعد كُــلَّ شيئ .. أنــا بدوري لـم أرى شيئاً . حسنـاً , إذا ... "



" ســأذهــب أنا .... ســأُرشِــحُــك كَـ القـائِـد الثاني . إذا صــدف و لـم أعُــد , تــولَّــى أنت المســؤوليـة . "



" أتــعنــي هذا جِديَّـاً . "



" نعم . "



" لـــدي مــا يكفي مِــن الموهِبـة لكي أحصُــل على تـرقيــات و سـأتخطَّـاك قريباً . أرجــــوك عُــد و أستمِــر كونـك عقبـةً أمــامي . إذا لــم يكُـن هُنـاك شخـصٌ لأُلاحِـقـه ..... "



بَــــدَلاً مِـن أن يُعــطيهِ ردَّاً , ضرب جيلبِـرت كتِِــفَه بِقبضتِـه .



المجمــــوعــة التي تــرتدي مَعــاطِفاً زرقـاء أحجبــت هيئـة ذلِك الشــخص الذي رأه , و لزيادة الأمــر , كــان عليــه أن يقــطــع كُــل تِـلك الطريــق مِـن العربـة الأُولـى إلـى هنــاك .. و هــذا بِـدورِه سيستـغرِق وقتــاً .



بــــدأ جيلبِـــرت بالجري دون تــردُّدْ .





______________________________________________________





و لا يـزال الوقـت في حـوالي الساعـة الثامِنـة , تطــاير الرصــاص مِـن أسلِحــة الفُـرسان ذات الحِـراب .. و على الرُغــم مِـن أنَّهـا خدشــت فَيُوليـت إلا أنَّهـا تفـادَتـها و أندفعــت إلــى الأمــام .



القِتــال فــوق مركــبة مُتـحرِكـة ضِـد هـذا العدد مِـن المُقـاتِـلين كـان صعبـاً . و لَـرُبمـا الفُـرسَـان كـانوا على عِــلـمٍ بِهـذا أيضاً , و بينمـا حـاول أحــد أُولئِـك الفُـرسَـان إلـى جَـانِـب زعيمِهِـم الهجوم أولاً .. فَـــيُــوليـت جَــرت نحــوه . قـام المُهـاجِـم بالدِفـاع عن نفسِـه مِـن هجمــة سيفَهـا عـن طريق حَربَتِــه ,, فَــيُوليــت كـانت قَـادِرة على تـفادي الرصـاص العــديد القَـادِم نحوَهـا عـن طريق ترك مسـافـة كبيرة , و هكــذا بــدأت بالجــري ببِراعـة مرَّة أُخــرى .



" هــــــذا مِــن أجــل رِفـاقِنــا في الحرب الذيــن قُتِــلُوا مِــن قِبَــلِكِ ! "



ألـــقَــت فَــيُوليـت بالغمَــد على وجه ذلِك الرجُـل الذي قَـال ذلِك و مِـن ثُــمَّ تعامَلــت معه بِـ قفزة مدموجـة بركـلة بــدلاً مِـن أن تُقطِعُـه بِـ سيفِهـا .. ذلِك الفَــارِس , و الذي فقـــدت رِجليـه توازُنـهُـما و الذي بـدا أنَّـهُ على وشك الوقوع لِكنَّــهُ تــمكَن مِن الحِفـاظ على وِضعيـته .. إبتــسَــم فَـ سَحــب زِنـاد سِــلاحِـه ذا الحربـة .



رصَـــــــاصَـــةٌ قـــد أُطلِقـــت ... و بِـ عينيهــا الواسعتــين , فَــيُوليــت تمكَــنـَــت مِـن تفـاديهــا عبر تـحريك رَقَبَـتِــها سريعـاً .. طَــارت شَــرائِـط زينَـِــتِها .. و تــدفَّق الدم خَــارِجـاً مِـن حُــزمـة ضفائِـرِهـا و عـاد شعرُهـا غير مُرَتَّـباً كما سبق .. أُذنهـا قـد جُرِحَـت .. إستــمَـر النزيف , لكِنَّهـا لـم تـلتفِظ بأي أصوات تدُل على ألَمِهـا .



رَكلَــــــت فَــيُوليـت الرجُـل بِـحافَـة حِـذائِهـا .. فَــ سقَـط صـارِخـاً .. و مـع ذلِك , الشخـص الذي سيـسقُـط تــالياً , كـانت فَـيُوليـت نفسَهـا .. و علـى الرُغـم لِـصدِّهـا لِضربـات الحَــربـة المُتــتاليـة على ظهرِهـا بإســِتِعمـالِهـا لِـ سيفِهـا ,, فَقَــدت توازُنَــها جَـراء ذلِك .. السيــف بِدورِه قـد سَقَــط مِـن يدِهـا عِندمـا هُوجِمـت .



الفَــــارِس الذي هَــاجَـم ظَهــر فَـيُوليـت قـد وَجدَهــا مُتـمسِكـة بِـإطار النَـافِـذة بطريقـة مـا .. عِندمــا حَـاولَ راكِــبٌ مُتـفاجِـئ مِـن فتـح تِـلك النَـافِـذة , قَــامَـت بإدخــال يدِهـا في ذلِك الفـراغ و فتــحتــها بِالدفـع عن طريق ذِراعِــها الميكـانيكيـة .. و هكـــذا , دخـــلت فَــيُوليـت إلـى عربـة الرُكَــاب 2 .



" مــــاذا حـــدث !؟ "



" تِــلك المــرأة , قـد دخــلـت .... "



الذيــن تــبقُـوا مِـن رِجـال حَـاميـة الفُـرسَـان , أدركُـوا بأن الأضـواء الصـادِرة مِـن عربـة الرُكـاب التي تشُــع تحت رِجليهِـم , قـد أنــطـفـأت فـجـأة .. و أنَّ الرُكــاب كـانوا يصرِخُـون .



" أ-أيجِــب علينـا أن نعود إلـى الداخِـل ؟ "



" إنتـظِروا . "



صَمَـــتَ الرجُــلان الأخَــران على ذلِك الأمـر مِـن زعيـم الحَـاميـة بالتمهُـل.



و فـي نِهـاية الأمـر , لــم يعُــد بإستـِطاعتِـــهِـم أن يسمعُــوا أي مِـن أصوات الصُــراخ مِـن النـافِـذة التي دخلــت و أختـفـت مِنهـا فَيُــوليـت ... لــم يكُــن هُنــاك صَـــوتٌ واحِـد .



غَـــــــاصَ زعيـم الحَـاميـة في أفكَــارِهِ الخـاصَــة .. أي نــوع مِن الفــوضى ستـرتـكِبَهـا الفتـاة الجُنديَّـة السابِقـة و ذات قُـوة الساحِـرة , لاحِقـاً ؟



" مـــن .... يقبع في الأسفــل ؟ "



" شخـــصٌ مِـن مُنـظمـة مُســلحـة إستـأجرنَـاها . "



" كــان هُنـاك بعض مِـن أفراد هـذِهِ المُنظمـة في عربـة المقـاعِـد البنوراميـة و كـذلِك عربـة الطعـام 1 .. لكِــن , أُولئِــك الأفــراد داخِـل تِـلك العربتـين الأخيرتـين قــد طَــاردوا تِــلك المـرأة صُعـوداً إلـى هُنـا .... و قـد هُــزِمــوا . بالرُغـم يجِـب أن يكـون قـد تم إستـبدالَهُـم بأفـرادٍ أخـرين . "



و بينمــا إنــطفــأت الأنــوار مرَّةً أُخــرى , تـعــالــت الصرَخــات على التوالي مِـن عربـة المقـاعِـد البنوراميـة و كـذلِك غُـرفة الطعـام 1 .. و مِـن ثُــم , عـاد الصمــت .



شَــعَــر زعيــم الحَـاميـة بالقشعريرة عـلـى جِلدِه تـحـت مِعــطفِـه الأزرق على هـذِهِ الـظاهِـرة الغريبـة . " هــي تتحرَّك . "



- فيــــم فيتــال - كــانت قِــطاراً يتــكون مِـن ثلاثــة عشــر عربـة و بالترتيب مِـن الطليعـة إلـى المؤخِـرة , القَــاطِــرة 1 , 2 و 3 , عربـة غُــرفـة النوم الفرديـة 1 و 2 , و عــربـة النوم البسيطـة 1 و 2 ,  و عربــة الرُكَّــاب 1و 2 , و عربــة المقـاعِـد البنـوراميـة , عربـة الطعـام 1و 2 , و عربـة الشحـن .. قفــزت فَـيُوليـت بداخِـل عربـة الرُكـاب 2 . و مِـن ثُـم و على الأرجح قـد إنتـقلـت إلـى عربـة المقاعِـد البنوراميـة و مِـن ثُـم عربـة الطعام 1 .. و سابِـقاً قـد أخلــت عربـة الطعـام 2 .. مــاذا كـانت تنوي فِعلـه بإنتِــقالِهـا إلـى مكَــانٍ شاغِـر ؟



" يا زعيــم , رُبَّمــا يجِــب علينـا أن ندخُـل .... " حَـــاوَل أحــد أفـراد حاميـة الفُـرسـان مِـن إكمـال ما قـاله , لكِــن إنهـــارت رُكبتـيه و سَقَــط .. فَـ حُفـــرةً قـد صُنِعـت فيها .



تَبِــع ذلِك المـزيد مِـن الطلقات النَـاريـة .



" إنخــفِـضوا !. "



رصــــاصٌ مَــرَّ بِــجانِـب رأسِهِـم .



أحــــد أفــراد حـاميـة الفُـرسـان الغير مُــصاب مــدَّ بيدِه نحــو زميلِـه الذي أُصــيب .. تِــلك الكـف التي أمتــدت نحوه , قـد أُطلِق عليهــا .



" تـــراجــع ! عُـد إلـى الداخِــل و أطلُـب المُــساعــدة ! "



" لكــن , يا زعيـــم -- "



" إحــــضِــر سِــلاحـاً ذا عيــار كبير ! "



تـقــدَّم أتــباعُــه بِبُطء على التَتابُـع في حيــن يضغـطُون على جِــراحِهِـم الطـازجـة .



الإتـجاه الذي أتــى مِـنه الرصاص كــان بِـلا شـك مِـن العربــة الأخيــرة .. إطــلاق الرصــاص كـان مُتتاليّاً لكِنَّـهُ توقَـف مِـن جديد .. أعيُــن زعيـم الفُـرسـان كـانت قَـادِرة على رؤية شيء باهِـر وسـط الظـلام .



" إذاً قــد هَــربـوا ؟ سُــألاحِقُهُــم لاحِقـاً .. حَــسنـاً إذاً, مرَّةٌ أُخــرى بعـد . " , الشيئ الباهِــر دَعـاه , و أنتــظره .



تِــلك المــرأة كـانت كَــ قائِـد أوركيستــرا المعركــة .. كــــانت تــعــزُف ألحــانـاً مُــتـناسِـقة عِـند إستعـدادِهـا لِلهُجوم , تــغمُـــر الأحــاسيــس في مُـشاهِديهــا عـلى دِفـاعِهـا السَـاحِـق عـن نفسِهـا , مُــذهِلَــةً إيَّــاهُــم بـأفعـالِهـا الأخَّــاذة التي لا تُــصـدَّق و سيطـَرتـَها على الأجـواء كُليَّــاً ... لا يُهِــــم كَــم أصبَــح شعــرهـا رطِـباً بالدِّمــاء , لا يهُـــم كم تمــزَّقَــت ثيابَهــا و أصبحــت باليـة , أو كـــم مِـن الجِــراح قـد إمتـلكــت , فهـي .......



" حسنــــاً إذاً , مَــرَّة أُخــرى بعــد . "



... لــم تكُــن لِـ تتوقِـف عـن القِتـال . مِـن ثُـم أدرك زعيــم الحَــاميـة , السبب وراء تــسميــِـتِها بِـ مُحــارِبـة ليدِنتــشافتــليش العــذراء .



" هــــا أنــا مُنــطلِقـة يا رائِــد . "



عــلى الأرجــح فَـيُوليــت أصبـحـت مِـن دون رصـاص . تـخلَّــصَـت مِـن البُندقيـة التي أخــذتـها مِـن عدو مـا في الأسـفـل .. و مِـن ثُــم إســتـلَّـت خنــجَراً .. السِــلاح الذي بيــد خصمِـهـا - زعيــم الحَـامية - كـان سِــلاحـاً بِـ حربـة .. القُـــوة التي يخُلِّفُهـــا كليهِــمـا , كـانت مُختـلِفـة .



إشتــبَــك إثنينهُـمـا مع بعضِهِـمـا دون أن يتفوَّهـا بـ شيئ .. وجَّهــت فَـيُوليــت ضربــات مُتـتابِعــة بِـ حـافـة سكينِهـا نحوه , لكِـن في نهـاية المطـاف , خَــسِــر الخنــجر الجـولـة بِمواجهتِه الحربـة و أصبـح باليـاً .. تــخلَّــصَـت فَــيُوليـت مِـن سِـلاحِهـا الذي لـم يعُـد قَـابِـلاً للِإستِـعمـال , راميــةً إيَّــاه بعيداً بِـ ذِراعِهــا الإصطنـاعيـة دون حتـى أن تـُرمِـقـه بنـظرة .. نَجــحَــت في خــدش وجــه زعيـم الحَـاميـة ,, لكِــن هُـو أيضاً , أرجَـــحَ سِــلاحِــه نحو الجــانِـب و بِـقوَّة ضُـــرِب جســد فَــيُوليــت بِهِ .. و بينمــــا تــأثَّــر جســدهــا وَ وُقوفِهـا جــراء تِـلك الضربـة , تــَــلَا ذلِك هجمـــاتٌ مُتتاليـة .. و بينمــا كـــانت فَــيُوليــت تُحــاوِل تــفادي ســخــط شفــرة الحــربـة ,,, أُختــُــرِق صـَــدرَهـا ... وضعـــت فَــيُوليــت يدَهـا على الأرض فـوراً , مُلتــفَــة بِـ وزن جسدِهــا هكــذا عليهـا و أخـــذت مســافَــةً بينــهـا و بينه ... لَــرُبَّمـا بِسبب كــان المُــتـفوِّق بين الأخريـن , تِـلك الهجمــات التي يُلقيــها ذلِك الزعيـم , كــانت مُختـلِفـة بالفِعـل عـن الآخريـن في ســلاسَتِـها  .



فَـــيُــوليــت بَحَــثَـت عـن أسلِــحـة أُخـرى بيديهــا . و مِـن ثُــم إمتـدت يدَهـا نحو تــنُـورَتـها و سَحــبت سكينـاً باليستـياً مِـن حَــامِـل السكيـن المُثبَّــت حَــول فَــخِدِهـا .. الإبــر التي كــانت مُخبَّـأة في شعرِهـا قــد إختـفَـت عِندمـا إنفـكَّـت أربِطـة شعـرهـا .. السِكـــين الباليستـي كـان سِــلاحهـا الأخير.. فـ بعـد كُــلَّ شيئ , لــم يتــبقـى لها إلا قبضات يديهـا .



" فقـــــط كــم مِـن الأسلِحــة تُخـــفينَهــا بداخِــلِـك ؟ "



" هـي مِـن أجـل الدِفـاع عن النفس . " صــوت تنفُسِـهـا كـان خَشِنـاً , كـ صوت تنفُــس الوحـش , فَــيُوليــت خَطَــت خُطـوةً نحو الوراء .. كـانت على عِلـم أنَّ الهُــجُــوم القَـادِم كان مُهمِــاً و سيُحدِّد المُنتـَــصِــر لِهذِهِ المعركـة .. و علــى الرُغــم كـانت بِمواجَهـة أشخــاص أدنـى مِنهـا في القُــوة القِتــالية , أي شخــص كــان ليتنفَّـس الصُعـداء مِــن بعد إستـِمرارِه في القِتــال إلـى هذِهِ النُــقطـة .. و خِـلافً لِذلِك , لــم يكُـــن لديهــا مِقـدارٌ قليل كـ حبَّـة خِــردَل في رغبــةٍ مِنهــا أن تخسـر .



كــــــان ذلِك قبــل أن تُــدرِك بأن شيئــاً موضوعـاً فوق ياقتــِــها قـد إختــفى ..صوت تنفُسِــها الخَــشِــن قـد توقَّــف .. تخَــافَــت مجـال بصرِهـا و كــأنَّهـا على وشك أن تنهـار .



" و علـــى الرُغــــم مِـن أنني عَدُوَّكِ , أنـــــا مُعجَــــبٌ بِـ عطشِكِ لِلنــصــر .. أنتِ لا تــعرفيــن الإستـِــسلام . "



لَــــم يكُــن شيئاً وَجَــب عليها أن تقلــق عليه في ظروفٍ كــهذِهِ .. و مـع ذلِك , عينـــاها كــانتـا تبحــثـان عــن تِـلك البروش .. لــم تــكُــن قـادِرة علـى أن تـجِد ذلِك الغــرض اللَّامِــع و الجميــل و المُميَّــز ,,, عــلى سطـح ذلِك القِطـار .



" ليــس الأمــر .... و كــأنني أرغـب بالإنتِـصار .. فَـ لــن يكُـون هُنــاك مَكسـَـبٌ واحِـد لي مِـن إنـِـتصاري في هذِهِ المعركـة . " تــحدَّثَــت فَــيُوليــت على وجه سُرعـة . يجِـــب عليهـــا أن لا تــجعلَهُ يُدرِك بأنَّهــا في صدد البحــث عـن شيئٍ مـا .



" إذاً ما الذي تــودَّينَـهُ بِخوضِكِ لِـقِتـال ؟ "



" لا شيئ ,, الأمــر فحــَــسب ,, أنَّ وضعــاً توجَّــب فيه أن أُقــاتِـل قــد حَـــلْ .. و لِهــذا أفعـل ذلِك .. بالنسبــة لي , خَـــوض القِتــال هُـو العــيش بِدورِه .. إذا مـا خسِــرت , فــ هذا يعـنـي وحدهُ بأنني ســأموت . "



" أنتِ تــقوليــن أنَّ العــاطِفــة لا شــأن لها في ذلِك ؟ "



" لا أعــرِف ... أنـا .... لا أعرِِف أي شيئ بِـخصوص نفسي .. أنــا جُنديَّـة سابِــقة , لكِــن أنــا لا أتذكَّــر أي شيئ قبــل كونــي كذلِك . قـد يكُــون التوقيــت غير مُنـاسِـب لِهـذا , لكِــن أتســاءل ..... مـا إذا لــم يكُــن غريبـاً عــدم تـذكُّــر أي شيئ كهـذا .. أنــا لا أعــلــم المكــان الذي وُلِــدتُ فيه , لا أعلـــم مـن ولدنـي و مـا هـو إســمي حَـتَّى . لكِـن , لــم يُـزعِجنـي أي شيئ مِـن هذا ,, كُــنـتُ لأقــول بأن مـا حدث أي شيئ مِـن هـذا البتـة .. هـــذا ..... هــذا ...... " بينمــا كــانت تتحدَّث , فَــيُوليــت قـد عثرت على البروش . كــانت موجودة تمامـاً أمــام قدمـي زعيــم الحـامية .



لاحَــظهـا هو بدورِهِ أيضاً .



" هـــذا لأنني ..... كُــنـتُ أنتـظِر ذلِك الشيئ الذي سيمســح جميـع تِـلك التسـاؤلات . "



كبحـــــت ذلِك الشعُــور الذي جعلها تــرغب بأن تـنطلِق جــاريـةً لِتـلتقِط ضالَّتَهـا .



" و أنــا أعتـــقدت أنَّ هَــذِهِ المُحـادثـة قـد طَـالت ..... إذاً أهـذا هُـو ذلِك الشيئ ؟ " وَضَــع الزعيــم بِـ كفِّــهِ أمام وجهِهـا لتـظل واقِفـة بينمـا كـان يلتـقِط ذلِك الغرض .. كــــانت مَــرَّتـَـهُ الأولـى أن يرى غَــرضاً لِـشخص كـهذا . " أهــذا بِـ الشيئ المُهِــم ؟ "



هــــل سيقــوم برميهــا عِندمــا تومـِأ على سُــؤالِـه ؟ أو رُبمــا سيُعيدهـا إليها ؟ فَــيُوليــت لـم تـعرِف الإجـابة التـامَّـة .. على أي حـال , إذا كــانت هي فِي محلَّــه و كـان لديهـا شخــصٌ عليه أن تُنقِـذه و أشياء وُجِــب عليها أن تفعلَهـا بغرض النـظر عن ماهيتـها عِـند إنـِـتِـهاء المعركـة , قطعـاً , كــانت لِــتُحاوِل أن تتخيــل نفسها في محلَّـه بهـدف أن تعرِف طريقـة تفكيرَه .



إذا كـــانت هي في محلِّــه ........



" تــعالي و خُــذيه ! "



....... فــذلِك الشــيئ سيكون الطُعــم لإستـِدراج عَــدوِّهـا , و بِغض النــظر عـن مشـاعِـرِه تـِجاه ذلِِك الغرض .



قُــــــذِفــت البروش في الهـواء .. بــدأت فَــيُوليــت بالجري فــوراً نحوهــا . كــذلِك قطعـــت حــربــة زعيـم الحـاميـة طريقهــا نحوهـا .. صــوَّبــت فَـيُوليــت بإتـِجاه قدميـه و أطلقــت سكينــها الباليستــي .. لَــرُبَّمــا كـان مُتــوقِعـاً لِهـذا , قَــام بِـصد هجمَتـِها على وجــه السُرعـة .. و في الأثنــاء , أمســكَــت فَــيُوليــت بِـ البروش ... ذلِــك الحجـــر الكريــم العَـــائِــم وسَــط ظُلمــة اللَّيـل و الذي كــان بِـ نفس لــون عيني سيِّدِهــا , و الذي وصفــت كُــل هذا بأنَّــهُ أجمـــــــل شيئ في هــذا العَـالم .



" حمـــــقــــاء !! "



قَــامــت بِـصد هُجــوم بِـإسـتِعمالِـها لِـذِارعِهـا اليُــسرى و التي لــم تـكُـن الذِراع المُتـمسِكـة بتِــلك البروش .. و بينمــا فقدت تــوازُنِــهــا بِسبب تِــلك الهجمــات المُتــتـاليـة , و قعَـــــت فَــيُوليــت نحو الخــلــف , نحـو خُــطوة , خُطــوتـان , ثلاثــة .. و هكــذا , و أخيراً , تدمَّــرت ذِراع فَـيُوليـت اليُسـرى إلـى أشـلاء , إنتــزعــت مِنهــا أجــزاء كثيرة ... تــحطَّمــت تِــلك الأجــزاء و أنفصلــت عنهــا بِطريقـة جعلتـها تبدو و كــأنَّــها بتــلات إنتـشرت حولَهــا ..



نَـــــبضـة , نَـــــبضـة , نَـــــبضـة .. شَعـــــرَت فَــيُوليــت بنـبضات قلبِهـا تـردَّدت بِمــرارة في أُذُنيهـا .



و لِــسببٍ مــا , الــوقــت كــان يتــحرَّك بِـبُطء .. زعيـــم الحَــاميـة وضَـــعَ سيفَــهُ نحو الأســفــل , بينمــا رفَــع صوتـَـهُ و أطلــق شيئاً مُشابِـه للإهـانات نحوهـا .. ظهــرُهــا كـان مواجِهــاً لِـسطح القِطـار . و بينمـا وضـع حِــذائَــهُ العسكري فــوق بطنـِهــا , كـانت فَـيُوليــت غير قـادِرة على الحِـراك .. فَــ مِـن بعـد ثوانـي قليلـة , ستُــنتـهَــك بذلِك السِــلاح ... كُــــل شيئ كـان يتــضِــح , لكــن بدا الأمــر و كــأنَّ كُــل شيئ كـان يتـحرَّك بِـبُطء شديد .













و بــَدلاً مِـن أن تـنظُر نحــو حــافــة تِـلك الشفـرة التي أخــذت تــقترِب نحوهـا , فَــيُوليـت حدَّقَــت نحو البروش التي تــمسَّكــت بِهـا حَــتَّى النِهـاية . كـانت مُمسِكــةً إيَّــاها بِـ حزم بِـ يدِهـا اليُمنـى ... أرادت أن تــستمِـر في تحديقِــها نحــو تِــلك الخُــضرة خِــلال لحظاتِـها الأخيرة بينمـا لاتـزال عيناها مفتـوحتيــن و حيَّــة .



لَمــعــانَهــا ,, كــان ذلِك الشخص نفســه .



--- رائِــد .



لـــن يـبرُح إلـى أي مكـان ,, بعد الآن .



--- رائِــد .



لـــن يتــفرَّقـا بعد الآن .



--- رائِـــد , لقــد .... عِــشــت .



جعلــهــا - سعــيدةً - لِلغــاية .



--- يا رائِـــد , أتــتـذكَّــر .... أنَّــك إحتــضنتــني عِندمــا تقابلـــنـا لِمــرَّتِنـا الأُولـى ؟ لــقد خِــفـت منِّـي و لِـوقـتٍ طويل .. بإمكــان الوحوش الإحســاس بِــذلِك النوع مِـن الخوف جَيِّداً . و حتــى مع ذلِك , جعلتــني أظــل إلـى جَـانِبَك .. على الأرجـح ... أنا .... و بالتـأكيد ... قــد تـمَّ التخلُّص مِنِّـي ﻷنني سـأفشـل تحت يدي أي شخص . و مـع ذلِك , أردت أن أكون ذا فَــائِـدة ﻷنَّــك إحتـجتـني .. تِــلك الأيَّــام التي لـم أكُـن قـادِرة على رؤيتـُــك فيها كانت عويصــة بإستـِمرار , إلـى جَـانِـب التـجارب التـي زادت مِـن صاعِها .. لطــالمـا تســائـلت عـن السبب الذي جعلــك تُخبِـر الجميع أن يقولوا بأنَّك قــد مُـــتْ ... في يومٍ مـا , إن تـمكنــتُ مِـن رؤيتـَك , لَـ رَغِــبت بأن أرُد على سُــؤالك " لِمـــاذا لا تفهميــن مشاعِــري " و أن أرُد على تِـلك الكلِمــات " أنا أحبك ".. رائِــد , أكُـــنـتُ أنا .... فَــيُوليــت خَــاصَتــَك  .... لاتــزال محبوبـة مِن قِبلك ؟



بَـــــدلاً مِــن أن تحُــل أصوات تقطُّــع أوصــال اللَّحم و العِظــام , أصــواتٌ مِـن الأعيرة النـارية شقَّـــت الرياح .. إختــفــت الحربـة مِـن مجـال بصر فَــيُوليـت .. و ذِراع زعيـــم حــاميـة الفُـرسان قــد إلتــفــت على عجلـة و كـأنَّـها مُجرَّد لُعــبة , و مِــن ثــم رُكِــل إلـى الإتِـجاه المُعـاكِس .



شـــخـــصٌ كــان يُقــاتِــل .



ســـأل ذلِك الزعيــم بِـصيحاتِـه عن هويَّـة ذلِك الشخص ,, لكِنَّــهُ لـم يتحصَّــل على إجـابة .. ذلِك الشخـص إستـَــلَّ سيفَــهُ بِصمــت و كـان دِرعــاً لِــفيُوليـت .. و مِـن ثُــمَّ بدأ بالهجوم .. عـــــلــى تِــلك الطريقـة بطريقـة إستِــلالِــه و تحكُّمِــه بذلِك السيــف و ذلِك الظهــــر الذي إعتــادت أن تتبعــه ,,, حَـــبِــســت فَــيُوليــت أنفــاسَــها  .



" فَــــيُوليــت ,, أأنــــتِ حيَّــة !؟ "



ذلِك الصـــوت كــان مُطابِقًا لِذَلِك الصــوت التي حـاولــت فَــيُوليــت جاهِـدة أن تتذكَّـرهُ فـي رأسِــها حتـَّـى لا تـنسـاه ... تعــــالــت نبضــات قلبِهــا .. و رفعــت جسدهــا و إن كـان ذلِك بِـقوةٍ و بِـجُهد .



أنهـــــى ذلِك الشخــص , زعيــم الحــاميـة بِــسيفِـه و مِـن ثُـم إلتـف و بِعجلـة نحوهـا و بِــتعابيرٍ ثائِــرة ... أمام عينيهــا كــان ذلِك الشخـص المُختـلِف عـن تِـلك المرَّة الأولـى التي تقابلا فيها .. مظهــرَهُ قد تغيَّــر كثيراً عـن تـِـلك المرَّة .. و مــع ذلِك , كــان هُنــاك شيئٌ لا يــزال على حــالِـه : حقيقــة أنَّ بمُجــــرَّد أن تنــظُــر تِــلك العينين الزرقاء و الخضــراء نحو بعضِهِمـا , كــان الزمــن ليتـوقَّـف بينهُمـا لِفترة وجيــزة ... كـــان الأمــر و كــأنَّهُـما أرادا القــول , " تـــوَقَّــف يا زمــــــن ... يا لَــكَ مِـن جميـل . "



تمــاماً كما كـانت الأمــور على حَـالِها مــنذُ البِدايـة .



" رائِـــــد ! "



و مـــنــذُ البدايــة , إثنينَهُــمــا قد وُلِــدا كي يُقابِـلا بعضَهُــمـا صُدفَــةً و على هذِهِ الطريقة .



أســـرع جيلبِــرت نحو فَـــيُوليــت , مُســانِــداً إيَّــاها . " تمهَّــلي يا فيوليــت . " ركــع نحو الأسفــل , و مِـن بعد رفعِـه لجسدِهـا المُتـقرفِـص وَ وضعِهـا إيَّـاها على الجـانِب , قـام بِخلع حِــزام سيفِـه و لَفَّــهُ حول ذِراعِـه و مِـن ثُــمَّ لفَّــهُ حول ذِراع فَــيُوليـت . " سَـــ ..... أوضِّــح الــظروف لاحِـقاً . هُنــاك العديد مِـن الأشيـاء التي أرغـب بأن أعتــذِر مِــنكِ بِها .. لكِــن حـالياً , إغفِــرِ لي عـن الشيئ الذي سـأقوم بِهِ الآن ..... لا تــُفلتـي مهما حدث . "



فَـــيُوليـت تذكَّــرت ذلِك الشيء التي كـانت مُمسِكـة بِهِ بِـ حزم - البروش ذات الزُمُرُّدة و التي قـامت بإستِـرجاعِها على وجه سُرعـة في ذلِك القِتــال .. قَــامت بِفتـح أصابِعِهــا بِبُطء لِتُكشِـف ذلِك الشيئ لِـ جيلبِـرت .. مِـن ثُـمَّ نظرت مُبـاشرةً إليـه .. و بينمــا كــان هُــو الوحيد الذي ينعكِــس على تِـلك الزُرقـة لِعينيهـا , شفتــيها ترتعِــش , لــم تــكُـن قـادِرة على أن تــسـتلفِـظ بأي كلِمـة ... أرادت فقــط أن تُــخبِـره أنَّـها حـافظــت على هذا الغرض .



عيــن جيلبِــرت مــلأتـها المرارة عُـقبان رؤيتِـه لتِـلك البروش ذات الزُمُرُّدة . " أنت ..... لا تـزالين مُحتـفِظة بِها ؟ " الطريقـة التي تـصرَّف بِها عِـندمـا أخـذ البروش مِـن كـف يد فَـيُوليت وَ وضعَهـا في مكـانِهـا المعهود و لِـ يُرقِّـع ثَــوبَهـا و الذي كـان مُمزَّقاً عِـند منطِـقة الصدر ,, كانت كـ تِـلك المرة في الماضي .



" ..ائِـد " حَــاولَــت أن تقول شيئاً له - أي شيئ سيفي بالغرض . " رائِـــد ! ! "



مـــع ذلِك , زعيـــم تِــلك الجمـاعة المدعُـوة بِـ حـامية الفُـرسان و الذي كـان مِـن المُفتـرض أن يكون طريحــاً على الأرض , حـــاول أن يقِــف .. و بِدعــم مِـن أحـد أتباعِــهِ الجرحــى , وجَّـــهَ بِـ بُندقيــة ذات عيــار ثقيــل نحو الإثنين . " يــــا كِــــلاب ليدِنتـــــشافتـــــليش ..... ! " رقبَــتُـه كــانت تنزِف بالدِمـاء نتجيــة ضربــة سيــف جيلبِــرت .. بِــصَــق الدِمــاء مِــن فمِـه . " ســــأمحيــكُمــا ! ســأمحي إثنينَكُــمــا في لحظـةٍ واحِـدة ! لا حـــاجةَ لكُــما على وجــه هذِهِ الدُنيــا ! إختــفيــا مِـن عــالمِنــا ! إختــفيــا ! إختــفيــا ! إختــفيــا ! "



كِـــلا الطرفيــن لـم يكُونـا قـادِريـن على الإستِــمرار في القِــتــال دون مُســـاعدة ... و قــد فــات الآوان لإقنــاع الطرف الأخــر بأن يضــع حَدَّاً لِهـذا النِزاع .. كِـــلاهُمــا لـن يتراجع .



" رائِـــد , رجـاءاً إتــرُكني . " قَـــالت فَيُوليــت هـذا دون تردُّد ... إذا كــان تــركُهـا تــقـع على الأرض مِـن شـأنِـه أن يجعـل الأمـور أكثر سُهــُولةً ,, و بِمــا أنَّـهُ كـان هُـو , فَــ بالتـأكيد سيكون قَــادِراً على التغلُــب في هذا الموقِــف .... هكــذا كـانت فَــيُوليت تُفكِر .



" أخبرتـُـكِ أن لا تُــفلِتـي . " هَـــزَّ جيلبِـــرت رأسَــهُ .. و مِــن ثُــم أصبـح إمســاكــهُ و تشــبُتِــه بيـد فَــيُوليت و جِذعها أقوى مِـن قبل .. و مِـن ثُـم رفـع يدَهُ الإصطنـاعيـة الأخــرى مِـن على سطح القِطـار .



زعيــم الحــاميـة ضحِك .. على الأرجح قــد إستـنتـج أن ذلِك الثُنــائي المُحتـضِــن قد إختـارا أن يموتـا مع بعضِهِـما .



" رائِـــد ..... إذاً , رجاءاً .. " نَـــظَــرت فَــيُوليــت نحو سَيِّدِهــا , و الذي كـان أجمـــل بكثير مِــن تِـلك الجوهــرة التي كـانت تـُحاوِل حمايتـها دون توقُــف , " .... لا تـبرح إلـى أي مكان . "



البُندُقيـــة كــانت مُصــوَّبـة نحوهُمــا .



" رجـــــاءاً إبــقى بِــ جانبي ..... لا يهمنــي كيــف ستُـعاملنـي .  أُريد أن أبقـى معك أنت فقط . هــذا كُــل شيئ . لا أحتــاج ..... إلـى أي شيئ أخـر . رائِـــد , أنا ..... "



لِـــقَــد تعلَّمــت أن تكتُـــب و بإمكــانِــها أن تــقول كلِمــات لا تـُحصــى , لكِــن ,, يبدو أنَّ تِـلك الكلِمــات لن تـخرُج على وجه ذلِك الشخــص الذي إعتـزت بِهِ بِــحق .



" ...... أود البقــاء سويَـةً , معك . "



تِــــلك التي أمامُــه لــم تكُــن دُميــة ... كـــــانت فتــاة , و التي كــانت تتوق إلــى الحُب مِـن شخــصٍ واحِــدٍ فقط .



" أنا لـــن أبرح مِـن مكـاني .... أنا أحتـاجُــكِ . و ســأكون إلــى جــانِبِك .... ! " جيلبِـــــــرت بوغــانفِــليــا أجـــــاب تِــلك الإلتِمــاسات و كــأنَّـهُ يصرُخ .



هــذا ﻷن , شيئٌ لــم يكُــن كــ رصــاصـة قــد طــار أمام مجــال رؤيتِــهِـما .





______________________________________________________





عِــند الســاعـة الثامِنـة و عشرون دقيقـة , صمــوئيــل لابــوف , و الذي يعمــل كـ مُهندِس على مــتن ذلِك القِطــار القَــاري سيء الحـظ , قـد أطــاع أمر مِـن عقيـــد يتبــع لِـ ليدِنتــــشافتــليش و الذي ظهــر فجــأةً كمـا يظهـر البرق , عــاد و أستــمر بِـ مُهِمَّـتِـه و مُنتـظِراً لِــتـِلك الإشـارة . مــاذا ستـكون تِــلك الإشــارة عليه ؟ و بالرُغــم مِـن أنَّـهُ قد قيل لهُ بأنَّـهُ سيعرِفُهـا بِمجرَّد رؤيتَــها ,, إذاً مــاذا سيفعــل في حيــن قــد فــوَّتَــها دون قصد ؟ و بغض كُــل ذلِك , فــ بعد كُــلَّ شيئ ,, قلقِه لذلك الأمـر لـم يكُـن ذا داعي ,, فَـــ حَدثٌ مِـن شــأنِــه أن ينتـهِــك الحدث الحــالي كان مُنتـظِراً إيَّـاه في العقبـة أمام طريقِه .



إنفِـــجــارٌ مُفــاجِئ صعــد إلـى السماء , و الضوء الذي أحــدثـه ذلِك الإنفِــجار قــد أنـــار ظُلمـــة اللَّيل .. في الأثنــاء , كـــارِثَــةٌ ألقــت بنفسِهـا في تِـلك القريــة الصغيرة التي أمامــه .



" مـــا هذا !؟ تــوقَّــف , تــوقَّــف ! تــوقَّـــفٌ طــارِئ ! "



فَــ المحطــة كــانت تلتِهمُــهـا النِيران .



______________________________________________________



بالعــودة إلـى الساعــة السابِعـة و الخمسيـن دقيقـة , شَــابٌ وسيــم بِــ شعرٍ أشقــر يُشابِـه لون الرِمــال و بِعيون زرقاء كـ السمـاء , قـد ردَّ عـلـى الهـاتِف بِـ " فهِــمت " .. هيئَتـُه لـم تتوافَـق مع بيئَـة هَذِهِ القريـة المنكوبة .



" بِــنديكـــت , مــا الذي قــالَـهُ الرئيس هــودجينـز ؟ " ســأل ذلِك , رَجُـــلٌ مُجهَّـز و بِـ علامـاتٍ جــادَّة و بِبشرة سوداء و بتـحليقـة على شعرِهِ الرقيق على شكـل صليب , مُرتدياً لِـ قميص مُخطَّط و جِــرابات لِلأسلِحـة تنسدِل مِـن كتـِفِه .



" العجـــوز قَــادمٍ إلـى هُنـا .. قَــام بإعطــائِنــا ثلاثــة أوامِـر . أولاً : علينــا أن نُدمِــر محطَّــة هذِهِ القريـة بطريقـة خَـاطِفـة لِلأبصـار , حتــى يـراها القِطــار المُتــوجِـه إلـى هُنـا . ثــانيــاً : أن نُسَــاعِــد الرُكَّــاب و بالتــالي نُــنقِــذ ڤِـ . و ثـالِثــاً : أن نكبَــح تِـلك الجمــاعة المُسلَّحــة و التي و على الأرجــح ستُـقاوِم ... كمــا أنَّ عقــداً قــد أُبــرِم بالفِعــل مِـن القانون .. هــذِهِ الأرض تـنتـمي إلـى شرِكتـِـنـا . قـد قـال أنَّـهُ لا بـأس مِـن تدميرِهـا دون تَــردُّد .... جميـــعـــاً , لِنــذهَــب و نُنقِـــــذ ڤِــ ! "



و خِــلال دَعــوةٍ مِـن لـوكس المُتــواجِـدة في المقــر , قـامت بِـ جعـل موظفـي الـ سي إتــش يتـجمَّعُـون هُنـاك و يستَّــلُون أسلِحــتـَـهُـم .. و فــي رَدٍّ مِنهُـم , الجميــع إهتــجَّ بِـصخــب و بِـمرَّح و كــأنَّهُـم في خِـضام مِهـرجـانٍ مـا .



كُــــل فَــرد مِنهُم بأعمــارٍ و بألـوان بشرة مُختـلِفـة .. كــانوا أُنــاسٌ قـد جمَّعَهُــم و وَصفَهُـم هودجينـز بِـ " غُــرباء الأطــوار بِـ ظروفِهِـم الخَـاصَّـة " . و الذيــن قــد أُحضِــروا وَ هرعُـوا على أمـرٍ مِنـه إلـى هذِهِ القرية كـانوا هُـم - سِعـــاة البريد و الذيــن يعلمــون بِـ توصيـل الطرود بِـجميع أنحــاء القـارَّة .. و لَــم يُتــَصَـوَّر بأنَّهُــم على وشك المُشــاركـة في عمليـة إنــقــاذ خطيرة بِـأمــرٍ طـارِئ مِـن رئيسِهِـم ... موقِفِهِــم و سُـــلُــوكِهِـم كـان يُشابِـه السكــارى في حـانـة .



و علــــى النقــيض مِنهُــم ,, هَــالَــةٌ و أجـواء تــُشابِـه تِــلك في الجنَــازة قــد حَلَّــت و حـامت حــول سُكــان قريَـة ريتـورنــو .. كــان مِن المُــتـوقَع أن يُصيبَهُـم ذلِك , فَـ موظَّفــو شرِكــة بريد غُــربـاء يحملــون الأسلحــة قـد أخبروهُــم بأن محطَّــة قريتــهُـم ستُدمَّــر .



مـــشى بِنــديكــت نحـــو المــرأة الأكبر سِنـاً في وسطِهِـم و التي كــانت جالِسـة على كُــرسي " جــــدَّتــي , سنُحــدِث قليلاً مِـن الجلـبة .. إذا كـان هُنــاك أنـاس وسط سُكـان هذِهِ القريـة قـادريــن على عِــلاج الجرحـى , أَوَد مِنــكِ أن تـُحضريهِـم إلينـا . "



" وَ هـــــل ستـجعلنــي أشتغِـل  بدوري ؟ " طريقــة خِطــابِهـا كـانت إِتِـهاميـة فَظَّـة .



عَــبِــس بِـــنديكــت , " يبــدو أنَّكُــم إقتــنعتم بِـ كلِمــات رئيسِنــا الذي لا خير مِنـه و قُمتـُــم ببيعِهـا لهُ , صحيح ؟ ألا تــشعُـرون بالرضى بِمـا أنَّ جميــع مـن في هذِهِ القريـة سيوظَّفُـون مِن قِـبل شرِكتِـنا ؟ جَـــدتـي , أنتِ أيضــاً زميلتُــنا .. أنتِ الآن موظَّفـة لدى الشرِكـة , لِـذا و لهذا سنجعلُـكِ تشتـغليـن بالطبع .. إذا كُــنتِ تظنُين بإنَّنـا نخدَعُـك أو ما شابـه , فـ أنتِ مُخطِئة . " و بِــصوت طقطقـة تُحدِثُه كعــبيه ذات شكـل صليب , وقف بِــنديكــت أمام عُمــدة تِـلك القريـة , و على فـجـأةٍ , قـام بتـقريب وجهَهُ نحو وجهِها . " أنتِ أخــطأتِ الظَــن بِـ موضوع الحماية .. إذا مـا فكَّــر ذلِك العجوز بأن يُنـجِز شيئاً , فـ بإمكــانِـه أن يقوم بِها بِـطُرُق فظيعـة .. لكِنَّـهُ لـم يقُـم بذلِك , فبدلاً , قـام بخوض المُفاوضات اللازِمـة و نـاقش موضوع السِعـر أيضاً , صحيح ؟ ذلِك العجــوز .... الرئيس يُعــامِــل النَّـاس بِخشونـة , لكِنَّــهُ يهتـم بأمــر موظَّفيـه ... و حــالياً , نحــنُ الآن هُنـا مِـن أجـل إحــدى الموظَّفيـن و الذي الرئيــس مُتــعلِّقٌ جِــداً بِها كما و كــأنَّها إبنتـه .. و هــي بِمثـابـة أُختـي الصغيرة أيضاً ... نحن نعتـز بِها .. لِــذا لا يُصيبَكِ الخوف كثيراً . تمــالَكِ نفسَــكِ . "



" هــذا صحيح . الرئــيس يُكــافئ و بِـلا شك الجُهــود و العمل الدأوب بالدفــع و الدعـم .. و العمــل الصِنـائعي سيبـدأ هُنـا في المُستـقبل .. و في البــداية , إنــقــاذ الأرواح ستـكون مُهِمَّتــنا أيَّتُـها العُمدة . " سَــاعي بريد أخـر اضـاف هـذا ليدعَـم طريقـة بِنديكــت القاسيـة في الإقنـاع .



" أأنتـــم حقــاً ستــقومون بهذا ؟ "



" نحن كذلِك .. بِمُجــرَّد أن نُـأمَـر بأن نفعـل , فَــ سنفعل بالتـأكيد .. حتـى و لو ضُــرِبنـا , فَـ سنفعلها .. هذِهِ هي حقيقـة وكالتـِنـا . "



" أنت لسـت كارِهـاً لِهذا , صحيح ؟ "



" أووه .. ما شأن هذا ؟ بإمكــانِكِ أن تضعي تعابيراً قوية على محياكِ أيضاً ؟ "



" أنـــا إمــرأة قــد وُلِــدت و تربَّــت في منــاجِـم الفحــم .. يا لِهذا السؤال الأحمـق . "



و على الرُغـــم مِــن أنَّ حــادِثٌ ضخم على وشك الحدوث , إلا أن الأجــواء كـانت هـادِئة , و مشــى الجميـع واحِـداً تِـلو الأخــر بِـجوٍ هـادِئ مُريح نوعاً ما .. و بالرُغــم مِـن مُشكِلـة كيفيـة تدميرِهِــم لِلمحطَّــة , فـ العُمــدة قـد عرضــت عليهِـم أن يستعمِلــوا المُــتفجِرات المُتبقيـة مِـن مناجِـم الفحم و التي لــم تعـد تُستـخدم .



" جـــدتــي , أنتِ تتعوَّديــن على الأمــر , هااه ؟ " بِــنديكــت رفــع إبهــامِــه لِـ عُمدة القريــة ليُظهِـر إمتـِنـانِـه .



على أي حــال ,, يبدو أنَّ هُنـاك مـن يتـأثر كثيراً جـراء الصدمـات التي تُحدِثُهـا المُتـفجِرَات , لذا أغلــب سُكـان القريـة كـانوا فقط يُشـاهِدون مِـن بعيد بينمـا كـان سِـعاة البريد هُـم من كـانوا يضعونهـا .



" أنا ...... عِندمـا وُلِـدت , كـان المنجــم مُغلـقاً بالفِعـل , لِــذا هَذِهِ هي مَــرَّتـي الأولـى التي سـأرى فيها إنفِجــاراً ! "



الأطفــال المَــرِحُــون كـانوا المُشـاهـدين الوحيدين الذين إقتـربوا مِن المنطقة .



و بينمـــا قـد أُرغِـم الطِفـل على أن يتراجـع , عَــلَّــق بِـنديكــت , "هـذا جيِّـد . "



" أنـــا سيئ في التعـامُــل مع البالغيـن , لكِــن هــذا أمــرٌ مُــدهِـش ! "



" سيئ مــع البالِغيـن ؟ "



" قبـــل أن أُولـد , كــان هُنــاك إنفِــجارٌ في منجـم الفحـم خَـاصتنـا و هـو لايزال يحتـرِق حتـى الآن .. و لقــد قيــل أنَّ العــديد مِن النَّـاس قـد ماتـوا جـراء ذلِك .. أنــا لــم أرى جَــــدَّاي يوماً . فـ لقد مـات كِلاهُـما بِسبب ذلِك الإنفِجـار . "



" همم ... "



" لــقــد دُفِــن بالفِعـل , لكِـن خِــلال الشِـتـاء , يكون مكـان المنجم البقعة الوحيد التي لا يُغطيهـا الثلج .. فَــ هُو ساخِــنٌ لِلغـاية ... عِندمــا أُفكِـر بأن كيف أنَّ جَــدَّاي موجوديـن هُنـاك في الأسفـل , لا يُصيبنــي السُـرور خِـلال هذا .. مِـن الجيـد عدم كونَك عـامِـل منجم فحـم , لكِن أنا لا أرغب بأن فقير ايضاً . "



" أحـقـاً .... ؟ " بِنــديكــت وضع يَــدَهُ على رأس ذلِك الطِفــل الذي حـاول أن يُكمِــل كـلامـه و أشعـث شعره .. مِن ثُـم نظر نحو عُمــدة هَذِهِ القريـة , والتي كانت جـالِســة على كُرســي مُعــدٌ لها .



" هــل إكتمــلـت التحضيرات ؟ "



" أجـــل . "



" قــد تكون هــذِهِ عجــرفــةً مِنـّـي , لكِـن رئيســك سيُّــعوِضنـا بالكثير لِهذا الشـأن , سيفعـل هذا صحيح .... ؟ لـقـد أصابني القلق . فَـ على الرُغـم مِـن أنَّ هـذِهِ عمليـة إنقـاذ لأرواح .... فـ قـد تكون مَحطَّتـنا إحـدى نِـقاط عُبور القِطـار , لكِــن إذا دُمِّــرت , فَـــ ليدِنتــشافتــليش لـن تكون هـادِئَـة جراء هذا . "



" لــقــد أخبرتـُــكِ أن لا يُصيبَــكِ الغيظ ,, ألم أفعل ؟ " وضع بِــنديكــت يداً على وِركِــه , و بعد فتـرة وجيـزة ,, ضحِك ساخِـــراً .. لَــرُبَّمــا ﻷن الشخــص الموجود في الســؤال قـد عـاد إلـى ذِهنِـه " هُــو شخــصٌ مُــدهِــش .. عِندمــا يتوجَـب عليه القيـام بِـ شيئ , فَـ هُو يفعلُه .. هُــو رجُــلٌ طَيِّــب . لِـذا إرتـاحي . " بِــنديكــت قـال بِـ طمأنـة .



" أهــذا صحيح ..... ؟ لــقد بِعـتُ القريـة ﻷن مِـن أجـل النـجـاة في الشِـتـاء وحدهُ يُكلِّفُنــا الكثير .... كمــا أرغــب بأن أرى أُولئِــك الأطفــال يُهـاجِرون هـذا المكـان ليبنُـوا حيـاتـَهُـم الخـاصـة .. مُهِمَّـتـَك ستـكون نِهـاية هذا الحدث .. قــد أكون قَـادِرة على أن أرى رئيسـك في نهاية المطاف , لكِن أخبِره أنت أيضاً . "



" حسنــاً . سأُخبره أيضاً . "



" أنا أعتـمِــد عليك . " إبتِســامــة ظهـرت وسط وجهِها ذا التجاعيـد .. بالتـأكيـد , تِـلك السيـدة قـد إكتــسبت تجاعيدهـا ليس بِسبب تقُدُمِهـا في العُمـر فـحسب , لكِـن بِسبب الصِعـاب التي مرَّت عبرها أيضاً .



" جـــدَّتــي , " رفَـــع بِــنديكـــت إبهــامـه , " أنـــــتِ إمــرأة منـاجِـم الفحــم , صحيح ؟ لا تـخافــي مِــن هكــذا ألعاب نـاريـة كبيرة .. فــ أنا أُحِــب النِســاء القَـويَّـات . "



" لا يجِــب على الأطفــال أن يتـحدَّثُــوا بِغطرسَـة جَمَّـة . " عُمــدة القريــة ضحِكــت .. رُبَّمــا بِسبب ضحِكِهــا الكثير , تشكَّــلــت الدموع بِـرقَّـة حول زوايا عينيهـا .



و بعــد فتـرة لاحِقـة , أضــــاءت شُعلــة و أنطلقت على الفتــيل .. الطريقـة التي أنــارت بِها الشُعله السمـاء , كــانت كَـ الأفعــى النَّـارية .



و على إشــارةٍ مِــن بِــنديكــت , بدأ الجميــــع بالعــد تنــازُليّــاً , " خمــــســـة , أربعـــــة , ثـــلاثــــة , إثنــــــان , واحِــــــد !"



حَـــــــرَارةٌ , و ريَـــاحٌ إنــدفعــت بِـقوَّة , كــانت المُســيطرة بين أولئِـك الحضور .. على تِــلك الريــاح الساخِنــة و على صدمـة الإنفِجــار ,, أطلقــت النِســاء صراخاتِــها .. السِكــة الحديديــة تدمَّــرت إلـى قِطـع و أنهــار مبنـى المحطَّـة و ألتـهمتــهُ النيــران ... لــقــد كــان مشهــداً مُــذهِــلاً .. مـع ذلِك ,, يــا لَهُ مِـن حــادِث .. كــ زهــرة تــفتـَّحــت في المســاء , ذلِك الدمـــار كـان جميــلاً إلـى حَــدٍ مـا .. صفَّــقَــت النِســاء المُسِنَّــات بإيدِيهِـن كونهُــن مُعتـادات منذ فتـرة طويلـة على المُتفجِـرات , و بكــى الأطفــال , و موظَّفــي سي إتــش لِلخدمــات البريديـة إبتـهجوا في حيـن يُطلِقُون الصفير .... كُــل واحـد مِنهُـم أعـاد إســتِـلال سِـلاحِـه .



" قـــد يكُــون الآوان قـد فــات لقــول هذا , لكِــن هذا لا يبـدو كـ شيء يقــوم بِهِ سِعـاة البريد . "



" حَـــــسنــاً , لا بــأس إن قُمنــا بِهذا مِـن فتـرةٍ إلـى أُخــرى , صحيح ؟ و بالنـــظر إلـى مِهنتـي السابِــقة , لمــا كُــنتُ لأرفُــض طلباً مِـن الرئيس , بِمــا أنَّـهُ منَحني حيــاةً لائِقـة كريمـة! . "



" أه , نحـن لائِقين مِن الأساس ؟ بالمُنــاسبـة , هـــل سنحصِــل على أي مُكــافئَـة لخوضِنـا لهذا الأمـر الخطير ؟ "



" يــا لِهــذا الإحتِــرار .. ألا يجِــب علينــا أن نخمِــد النيران قبــل الشروع في عملية الإنـقـاذ ؟ يا قائِــد ,, بِنديكـــت , تمهَّــل . "



" يــــا لكُــم مِــن مُزعجين..اسْمَعُـوا وَعُـوا .. تــأكَّــدوا مِـن أخــذ الحيطـة و لا تتعرضوا لِطــلقات نيران الجيش .. و لا لإطــلاقات النـار العرضية أيضاً .. و طلقــات النــار الحليفــة هي أســوء الأمـور .. و لا تـنجَــرِفوا و لا تفعلوا أي شيء طــائِـش .. أيضاً , ضعُــوا على أنفُسِكُــم العـلامـة المُميَّزة .. إذا عثــر أيّـاً مِنكُـم على ڤِــ , فليُخــبرني على الفــور .. ستــتعرَّض إلـى التوبيخ لِجعلِنــا نمُــر خِــلال هذِهِ المُعضِلـة ... على أي حــــال , غــرض مُهِمتــنــا الرئيس هي ڤِــ ! "





صــوت القِطـار الذي يبعُـد عنهُــم مسَـافَةً , تجَـلجَـل بالأرجـاء.



بِــنديكــت لفَّ قِمــاش أحمــر حول ذِراعِــه " حَــــــسَـــنًـا , فَـــ بعد الألعـــاب النَــاريـة , يــأتــي المهرجــان . " بِــ مُسدَّسِــه المُجهَّــز , لــعَــقَ بِــنديكــت شفتــيه .





______________________________________________________







عِــند السـاعـة الثامِنـة و العشرين دقيقة , و الصدمـة التي أحدثهـا الإنفِجــار قـد وصلــت أحـداثهـا إلـى فَيُــوليـت و جيلبِــرت .. الضوء الذي إنتـشر مِـن اللهَــب و الذي إرتـفـع كـ الزهــرة داخِــل تِــلك الظُلمـة الدامِسـة أمامَهُـما .. جُــزء مِـن سقف مبنى المحطَّــة و الذي قـد طـار إلـى الهـواء قــد جــاء ليــضرُب ظهــر زعيـم الحَــاميــة و زميلِه ... قـد سُحِــب زِنـاد البُنــدُقيـة , لكِـن توجَّهــت الرصاصـة نحو الإتِـجاه الخَـاطِئ .. و بِمـا أن إثنينَــهُــما لـم يكُـونـا جـاهِزيـن بالتـشبُـت في محلِّهِــما , و بتـعابيرٍ مِـن المُفـاجـأة على محيـاهِـما , إصطـدمــا بِـ إطــار العربـة و تدحرجــا نحو الأسفــل .. حــاولــت فَــيُوليــت أن تمُــد يد العون نحوِهِمـا بينمـا قد مرَّوا إلـى جـانِبِهـا ,, لكِنَّهـا قـد مــدَّت ذِراعَــها المُدمَّرة .



" فَـــــيُوليـت , لا تــفِلتــي ! "



جيلبِـــرت قَــاوَم الصدمـة مُــسانِـداً لِـ فيُوليـت حَــتَّــى تــوقَّــف القِطــار كُليَّـاً .. كـان بإمكــانِـه سمـاع صرخـات الرُكــاب القابعيــن داخِـل العربـات .. تــوقَّــف القِطــار دون أن يخــرُج مِــن مسـارِه , مســافــةٌ صغيرة كــانت تـفصِــلُه عن الإصطِــدام بالمحطَّـة .



و دُون حتــى مُرور لحظـات مِــن ذلِك ,,, دوي طـلـقـات النيران كـانت تتردَّد في الأرجـاء .. سحَـــابَــةٌ مِــن الدُخــان كـانت تتسرَّب مِـن القـاطِرة البُخـاريـة الأمـاميـة .. أفـــرادٌ مِـن الوِحـدة الهُجوميـة الخَــاصَـة لِـ ليدِنتــشافتــليش بــدأو في عمليـة السيطـرة على القِطـار بِـ سيطرَتِـهِـم على المُحرَِّك الرئيس كما فعـل جيلبِــرت سَـابِـقاً .. و بالإضـــافة , لــم تـكُـن درََّاجـة واحِـدة إنَّمـا العديد مِـنها كــانت تقفِـز نـحو القِطـار مُتــافديـةً لِلعقبـات التي خلَّفهـا حِطـام المحطَّـة . , قـد تـكون كلِمـة تقفِـز مُبـالغـةً في الحديــث , لكِـن ذلِك كــان يحـدُث حرفيـاً بِمعنـى الكلِمـة .. تـِلك الدرَّاجــات كــانت تـأتـي صوبَهُــم سَــواء بِـالسائِـق الواحِـد أم تِلك الدرَّاجـة ذات الثُنـائي على عبرِهـا , لكِــن كـان هُنــاك شيئ وحيـد مُشتـرِك بين جميـع أُولئِــك على متـن تِـلك الدرَّاجــات .



" جميعُـــكُــم , مَــن يُــريــد الفِــرار , فَــليأتــي إلى هُنـــا ! "



فَــ لقـد كــانوا مُوظَّفيــن لِـ  سي إتـش لِلخدمـات البريدية .. مُستـغلِّيـن لذلِك الإضطِــراب الحَـاصِـل , و راكبيـن لِدرَّاجَــاتِـهـم التي يستعمِلُـونـها في العـادة لإيصـال الرسَـائِـل و بدأو في أرشـاد أولئِـك الذين يريدُون الفِــرار نحو إتــجاه القريـة ... و مِــن بينِهِــم رَجُــلٌ ذا قُــوَّة و الذي رَدَّ على نيــران أحــد الخَـاطِفيـن مِـن خِــلال نَـافِـذة القِطـار .. لقــد كـان زميـل فَــيُوليت و المدعُـو بِـ بِــنديكـــت .. إحــدى القُــوَّات المُحـارِبة لِـ ليدِنتــشافتــليش و التي كــانت تـعزيزاً لعمليـة الإنـقـاذ قـد ظهـرت بدورِهـا أيضاً .



زَفـَــــر جيلبِــرت على ذلِك المشهـد الذي أمامـه , و كـذلِك فعلــت فَــيُوليــت .. يبــدو أنَّ مُجريــات عمليـة الإنقــاذ تسير على مـا يُــرام .



بعـــد تِـلك الأجــواء المُرعِــبة .. حَــلَّ ذلِك الســلام في قُــلُوب الإثنين .. رمَــادٌ , شَــرارات و بريــقٌ مِـن النـار , كُــل شيئ كـانت تنقُــلُه الريـاح وسط خِضــام سمــاء اللَّيـل , كــانت تـرقُـص بينمــا كـانت تنــزُل نحو الأرض .



قَـــام جيلبِــرت بِـ فك حِــزام سيفِـه الذي ربطـه حـول فَــيُوليـت .. و مِــن ثـُـم نـزع السُتــرة لِــ زيَّـهُ العسكري و وضعَهُ حول كتـِـفيها . " فَـيُوليـت . "



مِــن الخطير أن تبـقى سَــاكِنــاً في هكذا وضع .. الذي يوجَــب على جيلبِــرت أن يفعله هـو أن يخرُج مِـن خِـضام المكـان الخطير و أن يُــسلِّـم فَـيُوليـت إلى ذلِك الفريـق مِـن سِـعاة البريد .. كمـا كـان يجِب عليه أن يعُــود إلـى المعركـة و يُسيطـر على ذلِك الإضطِـراب .



" رائِـد . "



" فَــيُوليــت , إسمعـي. "



" سُـــأسـاعِدُك , لِـذا عليكِ أن تنهـضي . " هــذا مــا كـان على وشك أن يقولـه ,, لكِــن تِـلك الكلِمـات قـد تراجعـت إلـى داخِــل حلقـه , عِندمـا نظر إليها .



رَمَــشَــت أعيُـن فَــيُوليـت . الدُمــوع التي إحتـفظت بِها و كبحتــها حتـى هذِهِ اللحظـة بـدت أنَّهـا على وشك الهطول . "رائِــد ...." تشــبَّتــت بِمنطِقـة صدرِهـا حيــث كــانت البروش موجودة .



فَــ جيلبِـــرت بــوغانفِليـــا كـان أمامُهـا ... حقيقـة ذلِك وحدهــا كــانت كــافيـة أن تجعـل نبضـات قلبها تعلـو بِـ صخب , و الذي كـان شيئاً لـم تستطِع الحرب أن تفعلَهُ بِقلبِها .



" ســأقـاتِـل أيضاً . لــقــد أتيــت كي تُــنقِـذ المدنيين , صحيح ؟ " لَــرُبَّمــا بِسبب كونهـا تصِف نفسهــا دائِمـا كمُجرَّد آلـة ,, فَــيُوليـت سعــت أن تكون تـحت إستِعمـال جيلبِــرت في مِثـل هذِهِ الظروف .



" أنتِ فَــردٌ مِـن أُولئِـك المدنيين . "



" أنــا ..... أداة .... الرائِـد . "



" أنتِ لَـــســتِ بأداة . أنتِ , و مَـن يجِـب علىَّ أن أحميـه , لا يجِــب أن يُقــاتِل . هَــذا عمــلي كَــ عقيــد لِــ جيش ليدِنتــشافتــليش و المدعُــو بِـ جيلبِــرت بوغَـانفِــليا .. و الأمــر سيَّــان بالنسبـة لأتـباعي .. فَــيُوليــت سـأُوصِلُــكِ إلـى نُقطَــةٍ آمِنـة الآن . "



وجـه فَــيُوليـت و كـأنَّـها قـد تلقَّت صدمـة و تضرَّرَت أجزائُهـا . " عقيــد ..... رائِـد .... عقيـد ... جيـــلــ .... بِرت .. "



" لا أُمــانِع بِـ - رائِـد - . "



" را .... ئِــ .... جيلبِــرت .... " إنتـهى اﻷمــر بأن تـُغطي فَــيُوليــت وجهه بيدِهـا اليُمنــى .. و أنهمرت الدموع مِـن بين فجــوات أصابِعِهـا .



فَــيُوليــت كـانت حــاليّاً - حزينـة - .



" إذا ..... لَــم أكُـن أداة , لِمــاذا .... قُــلت أنَّـك لا تـترُكـ . ... "



أن قــال لها بأنَّهُ لـن يتـرُكهـا , قـد جعلــها - راضيـة - . مـع ذلِك , أن يُنكَـــر سببَهـا في الوجود كــان - مُحزِنـــاً - . إذا كــان قد أظهــر نفسَــهُ أمامهـا من جديد , لِمــاذا لــم يسمــح لها أن تعود كونَهــا أداةً ؟ مِـن وِجهـة نظر فَــيُوليـت , قيمَــتــها كــانت تقبـع في كونِهـا تحت العُنــف .



" فَــيُوليـت . "



هــي , و التي لطــالمــا كــانت بين كونِـهـا أداةً و شخص ,, خِــلال تِــلك اللحظـة بالتحديد , جيلبِــرت سَــعى مرَّة أُخـرى أن ينقُــل شيئاً إلـى تِــلك الفتـاة التي لا تعــرِف الحُـــب .



" لــقد جعلــت حيــاتـك عبارة عن فوضي . لقــد جعلـــتـُك تدخُليــن الحرب . لقــد أذيتـُـك . أندم لِهــذا كثيراً لِدرجــة تجعلنـي أُفكِــر بأن أنتحِـر . لكِــن كُــنتُ أعلـم أنَّـكِ دائِمــاً ما تبحثيـن عنِّـي . حتــى و لـو قَــرَّرت بأن أحمـيَـكِ مِـن على بُعــد ,,, اليـــوم , لــم أستطِــع أن أتراجـع و إنتـهى الأمـر بأن أتـي . أنــا ...... لـستُ مِـن نوعيـة الرِجـال الذي تـظُنين . لســتُ بِـ ســيِّــدٍ رائِـع , و لســتُ بِـ شخص يستـحِق التشريــف ... أنــا و بالتـأكيد لســت آهِـلاً بِكِ ."



حُـــــبَّــهُ الذي لـن يضمَحِــل , مهمــا كـانت حقيقَتــها , أينمــا كــانت تعيش , أو حتــى إن كــانت حمقـاء .



" مــع ذلِك , و حتــى الآن , أُحِــبُّــكِ كــ شخص ... فَــ بالنسبـة لي , أنتِ لســتِ بأداة . "



" حتــى .... و إن لــم أكُـن .... أداةً ... ؟ "



" أنــا لســـتُ بِـ سيـدِك بعــد الآن أيضاً ... مــع ذلِك , أَوَد مِنــكِ أن تجعلينني إلـى جَــانِبِك ."



صَـــــمـــتٌ .



" فَـــيُوليـت ؟ "



فَــــيُوليــت سمحــت بمرور شيئ كـان يبدو أنَّهُ يحرِق داخِــل حلقِهـا .. دُموعهــا محمُومَـة .. كُــل ذلِك كــان دليلاً على أنَّهـا كـانت تمتـلِك مشاعِــراً , و التـي أرمقتـها عــددٌ قليلٌ مِــن المرَّات و التـي يُمكِـن حَـــتَّى أن تُـعد على أصابِـع يدِهـا الواحِـدة في مُجمــل حياتِـها .



مَـــرَّتــها الأُولـى , قــد بكَــت عِندمــا كـانت فتــاةٌ جُنديَّـة .. لقـــد كــانت أداةً تُــمثِـل أُنثــى صغيرة بأعيُــن زرقاء كـالجواهِــر و بِـرموش ذهبيـة .



" أنا .... "



منــزِلتـُهـا لنفسِهــا الحَـاليــة لــم تكُــن كـ نفس المنزِلـة عِندمـا قَـابلها جيلبِــرت لِلمرَّة الأُولـى .. كذلِك لـم تكُــن هيئَتـها كَــ تِلك عِندمـا كـانت في ساحات المعارِك .. فَــ تـِـلك الشابـة التي أمامهُ قــد نمى شعرهـا ليُــصبِح أكثر طولاً و التي أمــامـه كـانت شــابَّـة رقيقـة و نبيلـة .. فَــ تِــلك الشـابة بِـ مظهرهـا البالِغ قــد كَــبُـر عـن تِـلك الفتـاة التي أحب و التــي قــام يومـاً بتركِهــا ,, تِـــلك الشــابة التـي يلُّفَهــا الجمــال و التــي لـم تعُـد أداة ,, فَـيُــوليــت إيفرجــارديــن كــانت أمام عينـيه .



" أنا .... "



و بعــد مُــضي بِضع سنــوات , قــد وصَلــت أخيراً إلـى تِـلك البُقعـة التي ستتمكَّــن أخيراً فيها مِـن أن تصفِــح عن مشاعِرِهـا .



" لــم أفهــم في البدايـة .... معنــى تــرك رائِــد لي , و تــسليمي إلـى السيد و السيدة إيفِـرجاردين , و أمـر الإعهـاد بي إلـي الرئيس هـودجينـز . أو السبب الذي جعلك تـخبرني أن أكون حُــرَّة . أنا و بِبساطة ... تســائلت كُــلَّ الوقت عـن السبب الذي لـم يجعلـك تتخلَّــص مِنِّـي , بغض النـظر عـن كونـي غير ملزومة . أنا لــم أفهـم ..... قطــرةً واحِـدة مِـن مشاعِـرَك يا رائِـد .. و حتـَّـى الآن يا رائِـد , وبالرغُـم مِـن قولِـك هذا لي , ينتـهي الأمـر بي أن أُفكِـر أنني سـأكون أفضـل حـالاً بكوني أداةً . أنـا ..... هي الشخـص .... الذي ليس آهِـلاً بِك ,, رائِـد ..... وجودي كـان ...... كــ منتُــوج فَــاسِــد صُنِــع عن طريق الخطأ . ايضاً أفكــار النَّـاس .... لكِـن .... " قَطــرات مِــن الدمُوع الكبيرة سُكِــبت مِـن عيناها الزرقاوتـين .. قطعــت طريقهــا أسفلاً نحو خدَّيهـا , و ألقـت بِــ قطراتِـها على البروش ذات الزُمُرُّدة . " أصبحـت قـادرة على أن أشعُـر بشيئٍ  . بِهــذِهِ الحيـاة الجديدة , التي منحــهـا لي رائِـد , لقــد كانت تملأني شيئاً فـ شيئاً , لكِنني أصبحـتُ قـادرة على أن أفهـم . الحُــزن و الفرح .... كذلِك الفخـر , كُـلَّ شيئ ..... بإمكــان الشخص يشعُـر بِهِ تِـجاه الأخـر .... و على الرُغـم مِن أنني لـم أفهَمَهـا وحدي . لكِـن مِـن خِـلال الكِــتـابة بَـدلاً مِـن الآخرين , و مِـن خِـلال الأُنــاس الذيــن قـد قـابلتَـهُـم ,, بإمكــانني أن أحُــس بِهـا .. رائِــد , أنا ..... وَ رويـداً رويــداً .... قــد أصبحــتُ أيضاً قَــادِرة أن أفهـم .... الأشيـاء التي قُــلتَـها . "



الأشيـــاء التــي قـد قالَــها .. الأشيــاء التي أخبرهــا إيَّـاها .



" إذا ما قُمت .... بأشياء أكثر مِـن أجلِكِ عِندما كُنتِ صغيرة ,, أتساءل ما إذا كُنتِ ســتمتلكين إهتـماماً بِـمِثل هذِهِ الأشياء . "



" حتى و لو .... كُنتِ تعتقدين ذلِك .. بالنسبة إلي , أنتِ ..... "



" أتريدين ... أوامِري لهذِهِ الدرجة ؟ "



" لِماذا .... تفكِّرين بكُل شيئ كما و كأنَّهُ محض أمرٌ مهما كان الأمر ؟! هل ... حقاََ تظُّنين أنني أراك كمُجرَّد أداة ؟ إذا كان هذا محض الأمر , لما كُنت قد وضعتَك و أنتِ صغيرة بين ذِراعيَّ و تأكَّدت أنَّهُ لا يُمكِـن لأحد يعبث معَكِ و أنتِ تستمرين بالنمو ! بغض النظر عن كُل شيئ ... أنتِ لا تدرُكين ... بماذا أشعُر .. بخصُوصِكِ . في الظروف العادية .... أي شخص .. بإستطاعتِهِ ... فهم ذلِك بالتأكيد . سبب حنــقي و عـذابي هُــو أنتِ .. و مـع ذلِك , أنتِ لا تــُــدركيـن شيئاً مِـن هذا . "



" ألا تمتلكين مشاعِر ؟ هذا ليس صحيحاََ , أليس كذلِك ؟ ليس الأمر كما و لو أنَّكِ لا تمتلكين أياََ منِها .. أليس كذلِك ؟ إذا كُنتِ لا تمتلكين مشاعِر , إذا ما هذا الوجه ؟ يُمكِنك أن تصنعي وجْهاََ كهذا , أليس كذلِك ؟ أنتِ تمتلكين مشاعِر . فأنتِ تمتلكين .... قلباََ مِثل قلبي , صحيح !؟ "



" أن تُحِبِّ ... هو أنَّك تُفكرين ... بحماية  شخص ما أكثر مِن العالم كُلَّه . "



" أنتِ مُهِمَّة ... و ثمينة .... أنا لا أرغب أبداََ برؤيتِك تتألمين . أُريدُكِ أن تكونِ سعيدة .. لهذا السبب , فَيُوليت . يجِب عليكِ أن تستمري بالعيش و أن تُصبحي حُرَّة .. أُهرُبي مِن العسكرية و عيشي حياتَكِ .. ستكونين بخير حتى و لو لم أكُن بجوارِك .. فَيُوليت , أنا أُحِبُّكِ .. أرجوكِ , عيشي . "



" لقـــد تمكنــتُ ..... مِـن فهمِهـا . " و قبــل أن تُــدرِك , صوتــها كــان يتخــافت و كــأنَّـهُ على وشك التـلاشي .. مجــال رؤيتــُــها أصبح ضبابيـاً أيضاً .. إستــمرت الدموع بالهطــول مِن عينــاها الزرقاء .. تِـــلك الشِفــاه التي إعتـادت أن تقول أنها لا تـفهــم المشَـاعِـر , قـد نطقـت بِكلِمــاتٍ مُختـلِفـة , " لــقد فهِمــتُ قليلاً ..... - أنا أُحِبك - .... أيضاً . "



لــــم تـفهــم كُــلَّ شيئ بعـد .. و مـع ذلِك , و دُون إنكـار , حـــاولَــت أن تفهمــهـا مِـن ذلِك الحيـن . الدافِــع وراء نيَّتَــها و الذي جعلــهــا تبذُل كُــل ذلِك الجُهــد , لأنَّــهُ قــد قيــل لها بأنَّ جيلبِــرت بوغــانِفليــا يُحِبُّـها .



صــــدر جيلبِـــرت أصبح ضيّقـاً جراء الشِجــار الذي تُحدِثُــه العواطِـف بِداخِلِـه .. و خَــطٌ واحِـد مِـن الدُموع في عينِـه جراء الحُــزن و السرور .. " فَــيُوليـت . " مَـــدَّ جيلبِــرت يدهُ نحوهـا .. لكِــن أصابِـع يدِه قــد توقَّــفـت في مُنتـصف طريقِهـا .



أصــابهُ فجــأةً الخوف مِـن لمسِـها - شيئٌ لــم يسبُــق لهُ أن يشعُــر بِهِ مِـن قبل ,, فَــ بِهدف أن يحميهـا , كـان مُتمسِكـاً بِهـا بِـ يأسٍ مُميــت يُحيط بِه . أستـتقبَّلَــهُ فيُــوليت ؟ لـــم تعُــد أداةً لِــ جيلبِــرت , كذلِك لــم تعُــد تِــلك الفتـاة الصغيرة .. لِــذلِك , لـم يستطِـع أن يلمسَــها حتـى بِسهولة .



فَــــــيُــوليــت إيفــرجــاردين . إحــدى البشر الأحيــاء . المـــرأة الوحيــدة التي أحبَّهــا في العــالم , كــانت أمام عينيه .. كــــــانت مرَّة جيلبِــرت الأولـى التي يُحِــب فيها شخــص . فــ هُــو لــم يكُــن يعــرِف معـاني الحُـب , مِـن أن تُــحِــب و أن تُــحَب .



وسَـــط خِــضـام أصــوات المعَــارِك و التي تتوافَــق مــع الإثنين , شيـــئٌ مـا قـد بــدأ .













جيلبِـــــرت عَشِـــقَ كثيراً هيئَتَــها و هي تـبكي لِــدرجـة لـم يكبح نفسـه . " فَــيُوليـت , أوَد أن أمسـح دموعَــكِ ."



و على هـذا الطــلب , أخــفــت فَــيُوليت وجههــا أكثر بِــ يدِهـا . بالتــأكيـد لـم تـكُـن تُحِــب أن يُنـظر لها و هي تبكي .. و على إستـِنتـاجٍ مِنهـا , كـانت خَــائِـفـة مِـن إحتـِـمـال أن تُكـرَه مِـن قِــبل ذلِك الشخـص الذي أمامَهـا بِسبب أحد أفعـالِها .. إفتـرضت هـذا تِـلقائيـاً ,, و علــى الرُغــم مِـن كون الحُــب شيئاً رقيقــاً , فــ لقد كـان هَــشاً أيضاً .



" فَــــيُوليــت , رجاءاً ,, إظهـــري لي وجهَـــكِ .. مهمـــــا كــانت هيئَــتُــكِ , مــشاعِــري تِــجاهُـكِ أبداً لــن تتغيَّـر . " و بينمــا لــم تنظُــر إليـه , قــال جيلبِــرت ضاحِكــاً بِـ خجلِـه , " أتــريــن , أنا على وشك البُكـاء أيضاً ."



في الواقِــع ,, دُمــوَعــهُ كــانت تـفيض بالفِعـل .. لـم يكُــن قـادِراً على الحِفـاظ على رِباط جأشِـه .. لــم يكُــن هُنـاك ما يكبَحُهــا .. تِــلك الدُمــوع كــانت تتشكَّــل و تــسيــل , تتشكَّـــل و تــسيــل .. تمــــاماً كمــشاعِــرِه نحوهــا , ليس هُنـاك ما يكبحهــا .



" فَــيُوليـت . "



كُــل مـا قـام بِهِ هُـو مُنـاداتِـها ... جَـسَــد فَــيُوليــت قــد إرتعَــد بينمـا نُطِــق إسمُهـا .



" الأمــر مُنــاسِـب إن كـان رويــداً فـ رويــداً . إذا كُنــتِ ..... ستـفهمينــها , ســأنتـظِــر مهمـا طــال الزمـن . فَـ الأمـر مُنــاسِـب إن كـان رويــداً فـ رويــداً . أنــا لـن ... أُصــلي لإجــابَــةٍ فوريـة . حتـى يــأتـي ذلِك اليوم الذي ستــقوليــ فيه بأنَّكِ - فَهِمــتِ - .... فَــ ســـأنتــظِر مهمـا طــال الزمـن ... مِـن أجلَكِ وحــدَكِ . اليـوم , قـد رغِــبـت أن أخبــِـركِ بـ - أنـا أحبك - مــرَّةً أخُــرى , و ليس الأمـر كمـا و كـأنني أنتـظِر مِنكِ شيئاً فِي المُقـابِـل . " إنتــهى الأمـر بِهِ أن تـهطُــل دُمــوعــه مِـن جديد . " أنــا ..... لــن أســرِق أي شيئ مِــنكِ بعــد الآن , و لــن أفعــل أي شيئ تِـجاهَــكِ سِـوى أن أمنَحَــكِ . إذا .... جــاء ذلِك اليوم .... الذي ستــقوليــن فيه أنَّكِ - فهِمــتِ - . أرغــب مِنــكِ أن تتقبَّــلي حُبِّي يـا فَــيُوليـت . " ذاك الرجُــــل قـد أخبر تِــلك الفتـاة الباكيــة , و التي سَعـــت أن تكبح دموعهــا بيدِهــا الإصطِنــاعيـة , " أُحِبُّـــــــــك . إسمـــحِي لي بأن أُجفِّــف دُموعَــكِ ."



الشــــخص الذي خــلــف ذلِك المِعصــم الذي أزالــهُ عـن وجهِه ,, لــم تـكُــن دُميــة الذِكــريات-الآليــة , قليلـة الكــلام و خــاليـة التعابيــر و التي فِعــلاً تــتصرف كمـا الآلـة .. فَــ بدلاً عـن ذلِك , مـا وراء ذلك المِعصــم , لــم تـكُـن سِــوى طِفــلة بشرية تبــكي بِسبب السعــادة و الخـوف مِــن تلقي حُــب الهيـام , مِـن ذلِك الشخص و لِلمرَّة الأُولـى .



إحتــضــن جيلبِــرت فَـيُوليت , و التي كـانت تــرتجِـف بينمـا تبكي , و مِـن بعـد مُـلاطَفتِــها لِـ خدِّيهــا بِبُطء . " لــطــالمــا أردت أن أفعــل هذا . " هــــمـــس جيلبِــرت بِــذلِك بينمــا فــاضـت المزيـد مِـن الدموع .



" فَــــــيُوليـت , أنـا أُحِـــبُــــك . "



______________________________________________________







- دُمـــيـة ذِكــريات-آلية - .. لــقــد مرَّ وَقــتٌ طويــل مُــنــذ أن تسبَّب ذلك الإســم بِــ ضجَّـة .



المُخترع كان الباحث في الدُمى الميكانيكية ,-الدكتور أورلاند- , -زوجته مولي- , كانت روائية , بدأ كل شيئ عندما فقدت نِعمة بصرِها ,,, عندما أصبحت بالكامل عمياء , أُصيبت مولي بالاكتئاب لأنه لم يعد بمقدورها كتابة الروايات , الشيء التي قضت حياتها في العمل عليه , أصبح جسد - مولي - يضعف مع تلك الأيام الجارية ,,,,, غير مُحتملا لرؤيته لزوجته في هذه الحالة , عزِم الدكتور - أورلاندُ - في بناء أول -  دمية ذكريات ألية -  ,و التي كانت معنيَّة بتسجيل أي شيء يقال إليها من قبل بشري , بمعنى كانت ألة تتصرف كـ مُحـــرِّرَة *ناسِخـة* .



رغم أن , إختراعه كان من أجل زوجته الحبيبة , إلا أن إختراعه أصبح شهيرا جدا بين الناس , , كما أن إختراعه قد حظي على دعمهم , , في الوقت الحالي , -  دُمى الذكريات الألية -  , تُباع الآن بسعر معقول , و يوجد أنواع أخرى منها , تستطيع إقتراضها و إيجارها .. فـ أُولئِــك الذين يعملـون كـ مُحرِّريـن *ناسخيـن*و يجوبون العـالم كـان يُــشار إليهِـم بِـ - دُمـى ذِكريات-آلية - .. لقــد كــانت مِهنَــة موقَّـرة مِـن قِـبل الكثيرين و مُــنـذُ عُــصُورٍ طويلة .



و مِــن بيــن الأعمــال التي تــضُـم دُمـى الذِكـريات-الآليــة , كــانت هُنــاك واحِــدة مشهُــورة بِشكــل خـاص .. فَــ صوتــها كــانت لهُ نغمــةٌ جميلـة و الذي كـان يُنــاسِـب جمالِها السَاحِـر .. كـــانت دُميــة ذكِريــات-آليـة أُنثـى , بشعــرٍ أشقــر و بعيُـــونٍ زرقاء .



مكــــان عملــها كــان مركـز -سي إتــش- لِلخدمـات البريدية و الموجود في البــلــد العظيـم ليــــدِنتـــشافتــليش .. لــقــد كــانت شرِكــة مشهـورة السُمـعـة , تِـلك الشرِكــة قــد تلَــقَـت مُكــافئَــةً مِـن وزارة الجيــش لِــتعاوُنِهـا في حــل حـادِث إخـتـِطاف لِقطِــار مُعيَّـن .. الرئيــس الشاب لِـ شرِكــة سي إتـش للخدمـات البريديـة قــد ظهَــر في الصُحُــف عِندمـا كـان يجلُــب الإمدادات في المشهـد الذي تـُصوِرَهُ الصُحُف .. سِعــاة البريد كـانوا يعملُــون في سبيــل إنقــاذ الرُكَّـاب .. إمــرأةٌ بشعرٍ غـامِق و ذات جمــال رائِـع كــانت تنـُـوح بينمـا كـانت تحـتـضِـن أولئِــك الجرحــى و تُـغطيهِـم بالبـطَّـانيات .. لقــد نُشِــرت صُــور كثير لتِلك الشــرِكـة , لكِــن ليس الأمــر و كــأن شُهــرة تـِلك الدُمية كـانت مقرونــة بِشُهرة تِـلك الشرِكـة .. إذا قيـــل أنَّ هُنــاك سَــبَبٌ في شُهــرة شيئ يتـضمـن تِـلك الشرِكـة و كـانت تِـلك الفتـاة جُـزءاً مِــنه .. فَــ يُمكِـن القول , أنَّ طوابِـــعــاً بإســـم زهــرة و التي سُــميَّــت هي عليهـا , كــانت العُنــصــر الأكثر مبيعـاً من بيـن تِـلك الأشياء التي صُنعِــت مِــن قِــبل شرِكـة سي إتــش لِلخدمـات البريدية .



مِـــن شخــصٍ إلــى أخــر , تِـلك الإشــاعات التي تتعلَّـــق بِــهــا لــم تعرِف كيف تتوقَّــف .. إذاً , مــاذا كــانت هي بالتحديد , أتســأل ؟ الإنطِبــاعــات مِـن أولئِــك الذيـن كـانوا قـادريـن حَــقـاً على مُقابــلتِـها وجهـاً إلى وجـه , كـانت كثيرة .. بعضُهُـــم قد يقول أنَّ صوتـها يبعــث السرور .. بعضهُــم قــد يقول أنَّ خــط يدِهـا جميـل .. البعض قــد يقــول أنَّ قُلُــوبَهُـم قـد أُنقِــذت مِـن قِـبلِها .. و بعـــضٌ قــد يُطـري عــلـى سِحــرَهـا و مُدعيــن أنَّهُــم قــد تسمَّمُـوا بِه .



هـــل أصبحــت مُهتمّـاً بِـطلبِك لِخدمـتِـها ؟ سـأُخبِــرُك عن كيفيـة ذلِك .. إذا كُنــت ترغب في مُقــابلـِتِـها , كُــل ما عليك فِعلُه هـو أن تتَّصِـل .. إذا بحــثـت في كِتـاب أرقــام الهواتِـف عـن شرِكـة بريد تحت إســم - هودجينـز - , فبإمكــانـك أن تعثُــر عليهــا فوراً .. على الأرجــح , شَــابَّـةٌ ستـرُد عليــك بطريقـة تُـثبِـت حداثيَـة عُمـرهـا و بطريقـة مُثقَّــفـة و ستـستمِـع إلـى طلبِك خِــلال الهـاتِـف .. إذا سـُــإلــت عـن ما إذا كُنــت تُــفضِّــل دُميـة ذكِريات-آليـة مُحدَّدة , فقــط قُــل إسمَهـا .. قــد توضَع على قَـائِمــة الإنتِـظار , و لكِــن دُميــة ذِكريــات-آليـة يستـحِق الإنتـِظار مِن أجلِهــا ستُبعـث إليــك في المُستـقبل .. طَــالَمــا الأمــور تتعلَّـق بِــرغبــات العُمـلاء , فستــظهــر تِـلك المـرأة في أي مكــان , و في أي وقــت .



" إينمــــا كــانت رغبــات عُمَـــــــلَائِــي ... سَـــأُسَـــــــارِع إليــــــــهَـا .. أنــا مِــن خِدمــة دُمـى الذِكريــات-الآلية .. فَــيُوليــت إيفرجــاردين . "



لـــم تكُــن سِـوى فتــاة غريبـة نوعاً مـا  .